حميد قرمان: حرب الأعمى والبصير في الشرق الأوسط
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
إنها حرب أعمى وبصير بين محور ربط مصيره بإستراتيجيات تحرير الأرض بقوة سلاح كان موجهًا نحو صدور الشعوب العربية واحتلال مبصر لكافة تحركات هذا المحور ومخططاته الواهنة.
مرت الذكرى الأولى للسابع من أكتوبر، خرج قادة المحور الإيراني جميعهم لينشدوا تراتيل نصر زائف مغلف بنكران الحقائق التي تتوجت بعنوانها العريض؛ استمرار ثبات المخططات الإسرائيلية مقابل خواء إستراتيجيات إيران وخطط أذرعها.
فالخطابات الرنانة بشعارات الوهم الملالي الإيراني لن تؤثر على أرض المعركة التي انهار فيها حزب الله وحماس من قبله كأحجار الدومينو، وخرجا من دائرة الزمن والصراع. وأمام فرضية الشرق الأوسط الجديد الذي يرسمه سير دبابات القوات البرية الإسرائيلية على طرقات قرى ومدن جنوب لبنان، ورفع العلم الإسرائيلي على قمم جبالها، تسقط كل ادعاءات طهران وقادة ميليشيات محورها، وتتحطم أوهامهم على صخرة تماهي المشاريع الإسرائيلية الأميركية المستمرة بسبب هزيمتهم الصريحة. بالأمس كانت غزة واليوم جنوب لبنان، وغدًا يبقى مفتوحًا باحتمالاته وفرضياته المتعددة بالاعتماد على تصعيد إسرائيلي منتظر يطال بأهدافه أرجاء جمهورية الملالي.
وبالنظر إلى عواصم النفوذ الإيراني نجد أن حالها يرثى له؛ فدمشق تُستهدف يوميّا وسط صمت نظام بشار الأسد، الراغب بشدة في الهروب والنجاة من سفينة محور طهران الغارقة. أما صنعاء فبضربات معدودة من القوات الأميركية والبريطانية والإسرائيلية عادت إلى العصور الحجرية بجهل متعاطي القات الحوثي. في المقابل اتخذت بغداد قرارًا جماعيّا بالنأي عن حرب ببعدها الحالي، والتي ستنال حتمًا رؤوس قادة ميليشيات وأحزاب طائفية وتستهدف قدراتهم، فكان القرار حفاظًا على مكتسباتهم وبقاء قوتهم في المشهد الداخلي العراقي.
قادة إيران وأدواتها، تحديدًا في بيروت وغزة، المفصولون عن واقعهم العسكري والسياسي يحاولون اليوم إبقاء معادلات بالية ومنتهية الصلاحية، من خلال إعادة تموضع مكانتهم في مسرح الشرق الأوسط بإستراتيجية تهدئة جديدة تُسوقها زيارات مكوكية يجول بها رأس الدبلوماسية الإيرانية عباس عراقجي لدول المنطقة، بهدف لملمة ما تبقى من مسارات دبلوماسية تبعثرت أمام إصرار إسرائيلي على دكّ بنائهم الميليشياوي، ودمر نموذج قدراتهم العسكرية وحرق أوراقهم السياسية.
بعد عام من بدء الحرب اتضحت الحقيقة، فكانت بلا شك وبلا مواربة حرب الأعمى والبصير؛ بين محور بنى قواعد وجوده وربط مصيره بإستراتيجيات تحرير الأرض بقوة السلاح -سلاح كان موجهًا فقط نحو صدور الشعوب العربية، شعوب بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء وغزة التي عانت قهرًا وظلمًا بحجة محق ودحر الاحتلال- واحتلال كان مبصرًا بكافة تحركات هذا المحور الإيراني ومخططاته الواهنة، وأسقطها جميعها بضربات دقيقة تدلل على الفجوة التكنولوجية العسكرية، وتفوق التخطيط والبعد الإستراتيجي، ونجاح تسويق السردية السياسية للصراع مجددًا بين عميان نظام من أدام الله ظله في طهران، وبين عدوه الأزلي الذي لطالما تمنى له الموت بشعارات دعائية طيلة عقود ماضية، فلم تأسر هذه الشعارات العدو بسجون الوهم والخوف والترقب بل أسرت فقط المنطقة وشعوبها بسلاح أصبح مجرد القيمة أو الهدف.