حميد قرمان: وحدة الساحات الطائفية
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
انبلجت الحقيقة، وبالأدلة التي لا تقبل المواربة، تم الدفع بالشعب الفلسطيني في مواجهة احتلال “همجي” في سبيل تحقيق أجندات إيرانية على أسس طائفية بحتة.
التقارير الصحفية الموثقة بتسريبات استخباراتية وسياسية، تفيد بأن حركة حماس تعرضت لمكيدة من حزب الله بتواطؤ مع راعيه الإيراني الذي ألقى بالحركة وضحّى بها في مواجهة غير متكافئة مع كيان الاحتلال الإسرائيلي.
مؤشرات كثير تدعم هذه التقارير، بدايتها تصريحات قادة حماس التي انتقدت محدودية تدخل المحور الإيراني في مراحل الحرب بقطاع غزة، وحصره ضمن ما يصطلح عليه بـ”قواعد الاشتباك” التي جعلت ارتدادات الحرب في المنطقة ضمن سقف اللاتأثير في مجرياتها وسياقاتها، مرورا بحالة الردح الإعلامي بين صحافيين ومحللين سياسيين محسوبين على الطرفين، وانتهت بالكشف عن رسالة غاضبة بخط يد يحيى السنوار قائد حماس في غزة ضمن وثائق استحوذ عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي من مقرات الحركة؛ يعبر بها عن خيبة أمله بعدم التزام حزب الله بما اتفق عليه حينها بفتح جبهة شمال فلسطين ضمن خطة مماثلة لما جرى يوم السابع من أكتوبر بعنوان “فتح الجليل”.
قادة حماس بقصورهم السياسي، تحديدا خالد مشعل، كان يتباهى بأن علاقة الحركة مع نظام إيران والحزب؛ مبنية على الدعم والإسناد في الموقف السياسي المستمد من مظلومية الشعب الفلسطيني بعيدا عن تناقضات المنابت الطائفية، والخلافات العقائدية، فهل تملك حماس اليوم سببا آخر لتبرير زيف هذه العلاقة التي بُنيت على استغلال الشعب الفلسطيني والتلاعب بقضيته والمتاجرة بدماء أبنائه؟
في السابق، عندما تعرضت مناطق ذات نفوذ “طائفي” إيراني في العراق لهجوم داعش، وقبلها عندما زُعزع نظام بشار الأسد بهبّات شعبية أخذت طابعا مسلحا، ولاحقا عندما حاربت ميليشيا الحوثي الدولة السعودية، هبّت إيران ورأس حربتها في المنطقة حزب الله للزج بعناصرهم الأمنية والميليشياوية واستهلكت جزءا من مخزونها العسكري دفاعا عن وجود هذه الميليشيات والأنظمة، وحفاظا على نسق طائفية أهداف وأجندات نظام “من أدام الله ظله”، فدعم سياسات المحور والبقاء على تأثيره في عواصم النفوذ الإيراني (بغداد، دمشق، بيروت، صنعاء) تحت مسمى وحدة الساحات كان ولا زال من منطلق الطائفية فقط، كأساس جامع بين مكونات هذا المحور وحاكم لمصيرها.
في غزة.. لم تتداع قوى المحور الإيراني في المنطقة لخلق توازن عسكري يمنح حركة حماس أفضلية سواء في الحرب أو التفاوض بل تنصلت إيران وحزب الله من هجوم السابع من أكتوبر سريعا، ولم تنخرط في ردة فعل عسكري يحد من الهجوم البربري الإسرائيلي أو الدعم الأميركي والأوروبي له، واكتفت بموقف “المرتزقة” الذين يتحرشون بمناوشات استعراضية على جبهة جنوب لبنان من ناحية، ومن ناحية أخرى يتحرشون بالقواعد الأميركية في العراق وسوريا في سعي تحايلي لتحقيق مكتسبات ضمن تفاهمات سياسية واقتصادية مع قوى دولية وإقليمية.
حرب غزة كشفت حقائق كثيرة، وما زالت تكشف عن واقع محور طائفي انتفع من ظروف المنطقة المنهكة، بين أنظمة دكتاتورية جثمت فوق صدور شعوبها وبين أطماع قوى استعمارية أغرقتها بالحروب.