حول ارتفاع الأسعار ودفع المستهلك للثمن
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

كتب: عقل أبو قرع:
وتتواصل هذه الارتفاعات في الأسعار لكي تحرق جيب ومعدة وأعصاب المواطن العادي، في ظل عدم وجود أي تدخل فاعل مؤثر أو ملموس من مختلف الجهات، وبالأخص الجهات الرسمية، التي من المفترض أن تحدد الحدود القصوى للأسعار أو تعمل على توفير الكميات المطلوبة من السلع، وبالتالي تفتش وتضبط وتحاكم وتتابع، مثل وزارتي الاقتصاد والزراعة وغيرهما، أو من الجهات غير الرسمية التي تطالب بحماية المستهلك، أو من الغرف التجارية والتجار وجهات أخرى لا تترجم شعاراتها أو أقوالها إلى الأفعال.
والارتفاع الحاد في الأسعار، سواء هذا العام خلال شهر رمضان أو في الأعوام السابقة، أو خلال مواسم أخرى من العام، يظهر مدى الجشع والاستغلال الذي يتملك التجار وبالأخص الكبار منهم أو الموردين أو الذين يتحكمون بوصول السلع إلى صغار التجار، ومدى الاستهتار بالالتزام بأسعار استرشادية أو الشعور بمعاناة الناس، وبالأخص في ظل أحوال اقتصادية واجتماعية متردية، وفي ظل مواصلة إعلان الحكومة عن الأزمة المالية وبالتالي مواصلة اقتطاع نسبة من رواتب الموظفين.
وفي ظل هذه الفوضى والتخبط والتلاعب والفشل في ضبط الأسعار، يتواصل غياب وجود الجهات الرسمية ذات العلاقة، التي يتوق المواطن والمستهلك والصائم، بلهفة إلى وجودها أو إلى تدخلها أو إلى الشعور بأن هناك جهات تشعر بما يشعر به، وأنها تقوم بتطبيق ما تتحدث عنه، وانه وكما هو الهدف الأساسي للحكومات في العالم، من المفترض أن تعمل على توفير احتياجاته وعلى حمايته من الاستغلال، وان تعمل على توفير حياة كريمة له، في ظل هذه الظروف المعقدة والصعبة، بعيدا عن الحجة المكررة من معادلة العرض والطلب والاقتصاد الحر وغير الحر أو اقتصاد السوق الليبرالي.
ودون شك فإن الجهات الرسمية، وبالتحديد الوزارات ذات العلاقة، أي وزارتي الاقتصاد والزراعة، هما المسؤولان البارزان عن جنون الأسعار هذه الأيام، ولا أعتقد أن هناك بلدا في العالم يضاهينا في مثل هذه الأسعار، وفي التقلبات والارتفاعات في الأسعار، التي لا يوجد عليها رقيب أو حسيب، ومن الواضح وفي ظل حسابات بسيطة للتكلفة، أن هناك حالة فوضى وجنون وتلاعب واستهتار في رفع الأسعار، ومع التسليم بالجشع والابتزاز غير المسؤول الذي يمارسه تجار الجملة، إلا أن الأمور بالفوضى الحالية، توحي بالغياب الحقيقي لأي جهات رسمية، والتي في المحصلة وفي مثل أوضاع كهذه، هي المسؤول المباشر عن ما يتم في البلد، وبالتالي عن الفشل في ضبط الأسعار.
والارتفاع الجنوني في أسعار الدجاج واللحوم ينطبق على سلع أخرى من الخضار ومن الفواكه وما ينتج عنهما أو يتبعهما، وهذه السلع، هي من السلع الأساسية، التي لا يمكن للمستهلك الفلسطيني الابتعاد عنها، لأنه يحتاجها، حتى أن الدعوة إلى مقاطعة الشراء والاستهلاك، أي مقاطعة المستهلك لشراء الدجاج مثلا، يمكن أن تجدي، ولكن وفي ظل وجود أناس قادرين ويشترون، أو غير مبالين بارتفاع الأسعار، وفي ظل الحاجة الماسة للمستهلك لأن يوفر وجبة، له ولأفراد عائلته، وبالأخص في أيام شهر رمضان، فإن الحديث عن مقاطعة أو عن المحاولة للتوجه إلى المستهلك لكي يؤثر هذه الأيام، كما كان من المتوقع لم تحقق النتيجة المطلوبة، وحتى لو أن الدعوة بحد ذاتها هي منطقية وإحدى الوسائل للتأثير على الأسعار.
والجميع يعرف أن رفع الأسعار يتم بشكل مزاجي، أو استغلالي لتحقيق أرباح سريعة، وبالأخص في أيام شهر رمضان، والجميع يعرف انه لا يوجد أي سبب منطقي لرفع الأسعار، وان هذه اللحوم مثلا، سواء أكانت عجولا أو خرافا، هي نفسها الكميات التي كانت تباع قبل فترة قصيرة، بأسعار اقل، وان هذه الكميات موجودة في المخازن أو في الثلاجات عند التجار الكبار، ولكن ورغم التسليم بذلك، فلا تجد تاجرا واحدا على استعداد مثلا أن يبيع كيلو لحم السخل بأقل من 80 شيكلا، وهذا يعكس الثقافة المتردية من الجشع ومن الطمع ومن الاستغلال، التي وصل إليها هؤلاء التجار.
والفشل في الحد من ارتفاع الأسعار لسلع أساسية خلال شهر رمضان هذا العام وكما في الأعوام السابقة ومع تأثيراته المؤلمة، يعكس الحاجة الماسة والفورية لتطبيق قوانين واضحة وعلنية ويراها الناس، مثل إغلاق محل أو ملحمة أو محل بيع الدجاج، أو حتى الإعلان عن أسماء من يتلاعب بالأسعار، أو من يبادر برفعها، وبالأخص إذا كانوا من التجار الكبار أو الجملة، أو حتى وضع إعلان على متجر أو ملحمة أو محل، بأن هذا المحل لا يلتزم أو لا يحترم الأسعار، ولكن في ظل الفوضى الحالية، لا يتوقع المواطن ذلك، وبالأخص في ظل الغياب التام لدور الحكومة وجهاتها الرسمية ذات العلاقة، وتكرار هذه الدوامة عاما بعد عام، أو فترة بعد فترة وبالتالي استمرار معاناة الناس.



