حول حرمان العرب من حقّ التّصويت للكنيست
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

الكاتب: سهيل كيوان
تصريح نوّاب في الكنيست من مختلف التيّارات بين فترة وأخرى عن نيّة تقديم اقتراح لسنّ قانون يحجب حقّ التّصويت لمن لا يشاركون في الخدمة الوطنيّة، ليست قضيّةً عابرة. وقد طُرحت القضية مرّات من قبل، وخصوصًا من قبل ما يُسمّى اليسار والوسط مثل لابيد وغانتس وليبرمان بأنّهم سيسنون قانونًا يمنع من لا يخدمون في الخدمة الوطنية من التصويت في انتخابات الكنيست.
هذا القانون في الأساس يُقصد به منع العرب من إمكانية التأثير على قرارات تصدرها الكنيست، ومنعهم من المشاركة في التأثير على تركيبة أيّ حكومة، سواء كانت متطرّفة أو أقل تطرّفًا أو ما يُسمّى اليسار.
يقترب اليوم الذي سوف يُسنّ فيه هذا القانون، إلا أنّه ما زال يواجه عقبة اليهود الحريديم الذين لا يخدمون في الجيش، فالقانون لا يمكن سنّه كقانون خاص بالعرب فقط، لأنّ إسرائيل ما زالت متمسّكة بادّعاء كونها يهودية ديمقراطية. وبمنع العرب من التصويت تصبح يهودية وغير ديمقراطية.
إظهار إسرائيل كدولة ديمقراطية منذ تأسيسها أفادها ويفيدها في علاقاتها الخارجية وخصوصًا مع الغرب، فهي تعرض نفسها كرأس حربة للحضارة الأوروبية في المنطقة العربية، وكون مواطنيها العرب يشاركون في التصويت والتمثيل البرلماني من غير قيود، منحها مساحة واسعة من المناورة في ملعب الديمقراطيات الأوروبية.
المرّة الوحيدة التي شكّل الصوت العربي وزنًا مهمًّا وحاسمًا في القرار السّياسي كانت في تثبيتهم ودعمهم لحكومة رابين من خارجها منذ عام 1992–1995، والتي أنجزت اتفاقات أوسلو.
الوجود العربي في الكنيست خدم الصّورة الديمقراطية لإسرائيل، ولكنّه في الواقع لم يستطع تغيير السّياسة العنصرية تجاه الجماهير العربية في القضايا الأساسية، إذ لم تتوقّف من مصادرة الأرض بشتى الصّور، والتضييق في مسطّحات البناء، إلى تخاذل السلطة في محاربة بلاء الجريمة التي باتت تلتهم المجتمع العربي، إضافة إلى الموقف الذي لم يتبدّل من الاحتلال. رغم ذلك، كانت الكنيست منبرًا لصرخةٍ في وجه العنصرية وفضحها، إضافة إلى دعم قوانين عينيّة عادت على العرب بالفائدة في مجال الميزانيات، وأشهرها ما عُرف بخطة 922 والخطة 550 لتحسين البنية التحتية في المجتمع العربي.
أكثرية الإسرائيليين العلمانيين والمتديّنين القوميين يرون أنّه يجب منع الحريديم من المشاركة في القرارات المصيرية، وتقليص الميزانيات التي يحصلون عليها بحجّة أنهم لا يشاركون في ما يسمّونه تحمّل العِبء، ولكن حكومات إسرائيل المختلفة تحتاج الحريديم في ائتلافاتها، ولم تجرؤ حتى الآن على سنّ قانونٍ كهذا.
سيأتي يوم ويُسنّ هذا القانون، إمّا مباشرةً بمنع العرب من المشاركة بحجّة عدم الخدمة، أو بتحديد سقف أعلى لنسبتهم في الكنيست، أو بتحويل الانتخابات مناطقية تبتلع قوّة العرب.
منع العرب من التّصويت والترشّح بات قريبًا بهذه الذرائع، في البداية يكون اقتراحًا، ورويدًا رويدًا تتحوّل إلى استطلاعات رأيٍ عام وجماهير، وكلّها تدخل ضمن المنافسات والمزايدات الحزبيّة على من هو القادر على تجريد الفلسطينيين من حقوقهم.
لقد استُخدم العرب عندما كانوا أقليةً صغيرةً خاضعةً لأحزاب السّلطة كجانبٍ من الدعاية الصهيونية المضلّلة، أظهرت من خلالها أنّ “عرب إسرائيل” يحصلون على حقوقهم كاملة، وهذا يعني أنّ الفلسطينيين الذين تركوا البلاد لم يُرغموا على ذلك، والدليل تعامل دولة إسرائيل مع مواطنيها العرب وتسامحها معهم.
كانت كاميرات الإعلام تركّز على شخصياتٍ ممن يعتمرون الكوفيّة والعقال، في الكنيست أو في مؤتمرات أحزاب السّلطة أو في احتفالاتٍ بمناسبات عامّة، وتسويق الفكرة بأنّ العرب شركاء في تقرير سياسة الدّولة، وهو ما يمنحها قوّة وشرعية ويميّزها كدولة ديمقراطية في المنطقة التي تعج بالدكتاتوريات. ولكن عندما أصبح العرب مستقلين في أحزابهم، وعزّزوا كونهم جزءًا من الشعب الفلسطيني ومعارضين للاحتلال وممارساته بفضحه، لم تعد الديمقراطية الإسرائيلية قادرة على تحمّلهم.
ذريعة عدم الخدمة في الجيش حرمت العرب من حقوق كثيرة، خصوصًا في مجالات توزيع قسائم أرضٍ للبناء بأسعار مخفّضة، وفي مجالات عمل كثيرة.
منع العرب من التصويت سوف يصل في النهاية، وسوف يقترب أكثر كلّما ظهرت قدرة العرب على رفع نسبة تمثيلهم في الكنيست.
سوف يجدون تخريجةً أخرى، مثل قسم ولاء المواطن للدولة، وشهادة “حسن سلوك” سياسية. وقد يُسمح للعرب بنسبة معيّنة فقط من أعضاء الكنيست، لا تشمل الأعضاء العرب في الأحزاب الصهيونية، أو التقسيم بحسب مناطق تصعّب توصيل ممثلين عن العرب، والأهم هو منع هذا الحزب أو ذاك من خوض الانتخابات ما لم يعترف بيهودية الدّولة، وما لم يُقرّ بأنّ القدس الموحّدة هي عاصمة دولة إسرائيل الأبدية، والجولان جزءٌ من إسرائيل، وتجريم الدّعوة إلى قيام دولة فلسطينية في الضّفة وقطاع غزة واعتباره دعمًا للإرهاب وتخوين من يطالب بها وإخراجه عن القانون.
هذا يعني أنّ لعبة الديمقراطية والحقوق من خلال الكنيست تقترب من استنفاد نفسها، والأيام حبلى بالمزيد من التوتّر بين الدولة ومواطنيها العرب، وهذا سيدفع العرب أكثر فأكثر إلى الهامش، وهذا يعني صعوبةً أكبر في الحصول على الحدّ الأدنى من حقوق المواطنة، وهذا يحتم على العرب الترفّع فوق الحسابات الحزبية الضيّقة والأنانيات والنرجسيات الذاتية، والسّعي إلى ما يجمع ولا يفرّق في الكنيست وخارجها، والتمسّك بالأصوات اليهودية الديمقراطية العقلانية التي ما زالت تؤمن بحقوق المواطنين العرب القومية والمدنية من غير ربطها بالخدمة الوطنية رغم ندرة هذه الأصوات.





