خريطة الانسحاب الإسرائيلية تقلق القاهرة: تهديد للأمن القومي ومأزق دبلوماسي
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

أعربت مصادر مصرية مطلعة عن قلق بالغ إزاء الخريطة التي طرحتها إسرائيل ضمن المفاوضات الجارية في الدوحة بشأن اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، معتبرة أن الخطة الإسرائيلية لإعادة “التموضع العسكري” تمثل تحولًا خطيرًا يهدد استقرار المنطقة ويقوّض جهود التسوية السياسية، كما تضع مصر أمام تحديات أمنية ودبلوماسية غير مسبوقة.
وبحسب المصادر التي تحدثت لـ”العربي الجديد”، فإن الخريطة المقترحة، التي تسربت مؤخرًا إلى وسائل الإعلام، تتضمن الإبقاء على السيطرة العسكرية الإسرائيلية على نحو 40% من مساحة قطاع غزة، مع إعادة تمركز مئات آلاف النازحين قرب الحدود المصرية، في منطقة ضيقة غربي مدينة رفح، ما قد يؤدي إلى تغير ديموغرافي حاد على حدود مصر، ويفتح الباب أمام صدام مع السكان الفلسطينيين هناك.
قلق مصري من تقويض اتفاق السلام
وأوضحت المصادر أن استمرار العمل بهذه الخريطة “يهدد الأسس التي بُني عليها اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل”، خصوصًا مبدأ عدم تهديد الأمن القومي المصري أو فرض واقع ديمغرافي جديد في المناطق الحدودية. وأكدت أن هذا التوجه الإسرائيلي، إذا تُرجم فعليًا على الأرض، من شأنه أن يُزعزع أحد أبرز أعمدة الاستقرار الإقليمي.
دعم أمريكي ومخاوف من تهجير
القلق المصري تعززه مؤشرات متزايدة على دعم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لخطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن “إعادة ترتيب” قطاع غزة بعد الحرب، بما يشمل استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي، والسيطرة على محور صلاح الدين (فيلادلفي) الحدودي مع مصر.
وترى القاهرة، بحسب المصادر، أن الخريطة المطروحة لا تمثل انسحابًا تدريجيًا بقدر ما تعكس محاولة لإعادة رسم الجغرافيا السكانية والسياسية لغزة، في سيناريو يُنظر إليه باعتباره تمهيدًا لتهجير جماعي محتمل نحو سيناء أو عبر البحر، وهو ما تصفه مصر بـ”الخط الأحمر” للأمن القومي.
صمت تكتيكي وشراء للوقت
ورغم عدم صدور موقف علني مصري رافض للخريطة، يفسّر مراقبون هذا الصمت بأنه تكتيك دبلوماسي للحفاظ على خطوط التواصل مع تل أبيب وواشنطن، وعدم الانزلاق في صدام مباشر مع حكومة نتنياهو المدعومة أميركيًا. ويضيف الدعم الأميركي العلني لتوجهات إسرائيل في غزة مزيدًا من التعقيد على الموقف المصري.
وتؤكد المصادر أن القاهرة تسعى حاليًا إلى شراء الوقت بانتظار توازنات جديدة على المستوى الدولي، أو حلول مؤقتة تحافظ على الحد الأدنى من الاستقرار وتجنب انفجار الأوضاع على الحدود.
تحركات محتملة
مع استمرار التعثر في التوصل إلى اتفاق هدنة متوازن، واحتمال فرض إسرائيل أمرًا واقعًا جديدًا في غزة، تقول المصادر إن مصر قد تضطر إلى اتخاذ إجراءات ميدانية وسياسية أكثر حزمًا، من أبرزها:
تعزيز الانتشار الأمني والعسكري على طول الشريط الحدودي مع القطاع.
رفع الجاهزية اللوجستية والإنسانية تحسبًا لموجات نزوح مفاجئة.
طرح مبادرة سياسية بديلة عبر الرباعية الدولية (مصر، قطر، الولايات المتحدة، الأمم المتحدة)، تضمن انسحابًا كاملاً دون المساس بوحدة غزة الجغرافية.
القاهرة بين الدور الإقليمي والخطر الحدودي
تبدو مصر اليوم أمام معادلة دقيقة: التمسك بدورها كوسيط إقليمي فاعل في جهود التسوية، وفي الوقت نفسه التصدي لمخططات تهجير غير معلنة قد تنفجر عند حدودها الجنوبية. وتتابع دوائر صنع القرار في القاهرة بقلق تطورات المفاوضات، وسط إدراك أن المرحلة المقبلة قد تتطلب مواقف أكثر وضوحًا وحزمًا في مواجهة “خريطة إعادة التموضع” الإسرائيلية.