خطة الفقاعات الإنسانية.. التفاصيل الكاملة للمشروع الإسرائيلي القادم في غزة
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
تدرس إسرائيل استخدام شركات أمنية خاصة لتوصيل المساعدات إلى غزة، ضمن استراتيجية ستكون بمثابة اختبار لخطة لـ”اليوم التالي” للحرب، حسب ما أكدت صحيفة “الغارديان” البريطانية. ويأتي ذلك بالتزامن مع انتشار مقابلات وأخبار وتقارير، تروج لما يعرف بخطة “الفقاعات الإنسانية”، وهي خطة ستحول قطاع غزة في حال تطبيقها إلى غيتوهات مغلقة، تدار عبر مرتزقة غربيين. ويصف صاحب الشركة الأميركية، التي من المرجح أنها ستدير توزيع المساعدات في غزة حسب الخطة، العدوان على شمال قطاع غزة، بأنه “تنظيف لشمال غزة. حتى نتمكن من إنشاء أحياء محمية للمواطنين”.
النشر العلني لخطة استخدام شركات أمنية، جاء بعد أقل من شهر من اعتراف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن تل أبيب حاولت، دون جدوى، توزيع المساعدات على الفلسطينيين في قطاع غزة من خلال العشائر، وقال خلال جلسة مغلقة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست: “كانت هناك محاولة للسماح للقبائل في غزة بتوزيع المساعدات الإنسانية، لكنها لم تنجح”. وكانت مصادر من قطاع غزة، قد أكدت لـ”الترا فلسطين” فشل خطة إسرائيلية لإدارة شؤون قطاع غزة عبر العشائر.
وبحسب مسؤول إسرائيلي، ناقش مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي (الكابنيت) هذه القضية، يوم الأحد، قبل التصويت المتوقع في الكنيست الأسبوع المقبل على مشروعي قانون من شأنهما منع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من العمل في إسرائيل.
وقال رجل الأعمال الإسرائيلي- الأميركي مردخاي “موتي” كاهانا، الذي تتنافس شركته “جلوبال ديلفري كومباني” (جي دي سي) على عقد تسليم المساعدات إلى غزة، إن مجلس الوزراء الإسرائيلي لم يتخذ قرارًا رسميًا يوم الأحد، على أساس أن الأمر متروك لوزارة الأمن الإسرائيلية، والجيش الإسرائيلي. ويظهر كاهانا “حماسة تفوق، رغبة رجل أعمال بإنجاز صفقة تجارية”.
وحسب الصحيفة البريطانية، قال مسؤول اطلع على تفاصيل الاجتماع إن الحكومة ناقشت “آليات المساعدة” يوم الأحد لكن لم يتم اتخاذ قرار نهائي. وأحال “مكتب تنسيق أعمال الحكومة في المناطق”، الذراع العسكري الإسرائيلي الذي يعمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأسئلة إلى وزارة الأمن الإسرائيلية، التي لم ترد على طلب التعليق يوم الثلاثاء، لـ”الغارديان”. وقال متحدث باسم الوكالة الأميركية للتنمية الدولية: “لم تكن الوكالة على اتصال بأي مؤسسة ولم تمولها. ولم نناقش أي خطة من هذا القبيل مع الحكومة الإسرائيلية”. وأشار المتحدث باسم الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى “شركاء الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الموثوق بهم وذوي الخبرة”، مضيفًا أنه “يجب أن يضمن أي نوع من الترتيبات الأمنية أو السياسية الوصول المستدام للعاملين في المجال الإنساني وحرية التنقل للمدنيين، بما في ذلك العودة الطوعية والآمنة والكريمة أو إعادة التوطين”.
وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية قد ذكرت يوم الثلاثاء أن الجيش الإسرائيلي اختار شركة كاهانا لتتولى تسليم المساعدات إلى غزة، لكن كاهانا قال إنه لم يتلق تأكيدًا. وقال الأخير، الذي يروج للمشروع بحماسة مؤخرًا، إنه في حالة حصول شركة GDC على العقد، فإن تسليم المساعدات الفعلية إلى غزة سيتم من قبل شركة أمنية بريطانية تعمل الآن في العراق، والتي قال إنه لا يستطيع تسميتها حتى يتم الانتهاء من الاتفاق.وادعى “أنهم قوات خاصة بريطانية، وهم يعرفون ما يفعلونه”. وقال إن الشريك في هذه الخطة سيحتاج إلى 30 يومًا لنشر العناصر بعد الحصول على الضوء الأخضر.
وفي أيار/مايو الماضي، قدمت شركة GDC، التي تعود إلى كاهانا، اقتراحًا لتوصيل المساعدات إلى غزة، اطلعت عليه صحيفة “الغارديان”، يتضمن خطة تجريبية يتم بموجبها نقل الإمدادات عبر معبر إيريز إلى منشأة تخزين محمية في بيت حانون في شمال غزة، ثم نقلها من هناك إلى نقاط التوزيع القريبة. وسوف يتم توزيع المساعدات بواسطة فرق مسلحة بأسلحة خفيفة في شاحنات مدرعة صغيرة. وسوف تكون هذه الفرق مجهزة بـ”معدات مكافحة الشغب” لاستخدامها في السيطرة على الحشود، بما في ذلك الرصاص المطاطي ومدافع المياه. كما سوف تكون هناك “قوة احتياطية للرد السريع” على بعد كيلومتر واحد أو أقل، والتي سوف تتدخل بأسلحة أثقل إذا تعرضت فرق التوزيع للهجوم، وفق الخطة.
وقال كاهانا إن الجيش الإسرائيلي لم يكن مجهزًا أو مدربًا على تسليم مثل هذه المساعدات، مستشهدًا بما سمّاه الفلسطينيون “مجزرة الطحين” في 29 شباط/فبراير في مدينة غزة، حيث فتحت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي النار على حشد من المدنيين الذين كانوا يتجمعون لتسليم المساعدات، مما أسفر عن استشهاد 118 فلسطينيًا وإصابة 760 آخرين. وأضاف كاهانا: “ليس هناك حاجة لشباب في سن 18 أو 19 عامًا لإعطاء المصاصات للأطفال وجعل مائة طفل يقفزون عليه. إذا كان لديك جندي هناك، فسوف يصاب بالذعر ويبدأ في إطلاق النار ويموت الناس”.
وفي نهاية المطاف، تتضمن خطة GDC أن يتم توسيع مناطق التوزيع إلى “مجتمعات مغلقة” تحت حراسة مسلحة، وهي مكان “آمن لتوزيع المساعدات”، وهي قريبة من الخطة التي روج لها وزير أمن الاحتلال سابقًا، يوآف غالانت، وعرضها نتنياهو باعتبارها خطته، تحت اسم “الفقاعات الإنسانية”. ووصف كاهانا الفكرة، بقوله: “إنها مثل مجتمع ميامي المغلق، ولكن بدون حمام سباحة أو ملعب تنس أو ملعب جولف أو أي شيء آخر. الفكرة هي أن المجتمع مقفل وآمن. نحن فقط نوفر الأمن والناس يديرون حياتهم الخاصة، وننقل الإمدادات الإنسانية إلى مجتمعاتهم”.
استغلال المساعدات لتحويل القطاع إلى غيتوهات
وقبل أيام، كشفت القناة الـ13 الإسرائيلية، تفاصيل خطة أميركية تقوم على إدخال شركة أمنية أميركية إلى قطاع غزة، للإشراف على توزيع المساعدات وصولًا لإعادة إعمار غزة، وستخضع للتجربة، بشكل أولي، في حي العطاطرة شمال قطاع غزة. وبحسب شلومي إلدار، الصحفي في القناة 13 الإسرائيلية، فإن الخطة تقوم على إدخال ألف عنصر أميركي أكثرهم خدموا في جهاز “سي آي إيه” إلى حي العطاطرة في بيت حانون، والسماح لسكان الحي بالعودة إليه، وتقديم المساعدة لهم لإعادة بناء منازلهم والمباني العامة، وتعيين شخصية عشائرية في منصب رئيس المجلس في الحي.
وأضاف شلومي إلدار، أن العمل في حي العطاطرة سيخضع للتقييم، وفي حال نجاح التجربة فستكون النموذج التجريبي لإعادة إعمار غزة، وستؤدي إلى “تحييد” السلطة المدنية لحماس في قطاع غزة. وأوضح أن الخطة حصلت على موافقة حكومة نتنياهو، كما أن مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، ناقش التفاصيل النهائية للخطة مع أصحاب الشركة الأميركية في الأيام الأخيرة. ورد موتي كاهانا على شلومي إلدار، عبر منصة “إكس”، وأشار إلى أن الشركة تمتلك أكثر من 14 ألف عنصر.
يتزامن الحديث واسع النطاق حول هذه الخطة والشركة، مع محاولة نتنياهو “التخفف من عبء المساعدات في غزة”، والتأكيد على انعدام دخول المساعدات إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى كل الحديث الذي يُثار حول “خطة الجنرالات”، إذ لم تقدم إسرائيل أي أدلة على عدم تطبيق الخطة. وقال مسؤول أميركي لـ”سي إن إن”، إن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أثار بشكل مباشر أسئلة مع نتنياهو حول ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية تنتهج سياسة التجويع المتعمد وقتل الفلسطينيين الذين رفضوا مغادرة شمال غزة. وأوضح المسؤول أن نتنياهو ومستشاره الرئيسي رون ديرمر تعهدا خلال الاجتماع بأن هذه ليست سياستهما. وحثهما بلينكين على توضيح ذلك علنًا، قائلًا: “لذا، إذا لم تكن هذه هي سياستكم، فعليكم توضيح ذلك”. جاء ذلك بعد رسالة من بلينكن ووزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى إسرائيل، قيل فيها: “نريد أن نرى تغييرات في الوضع الإنساني بغزة فورًا ولا نريد الانتظار 30 يومًا”.
موتي كاهانا.. متحمسًا لـ”غيتو غزة”
في يوم أمس، أجرى مالك شركة الخدمات اللوجستية الأميركية مقابلة مع صحيفة “يديعوت أحرونوت”، وعلى مدار أسطر المقابلة “تباهى” كاهانا في الدور الذي سيلعبه، إذ إنه “لن يحل مكان الجيش الإسرائيلي، لكن سيتركه للتركيز على مهمة مكافحة الإرهاب”، وفق قوله. والشركة الأميركية، التي يمتلكها الإسرائيلي كاهانا، أجرت محادثات مع وزارة الأمن الإسرائيلية والولايات المتحدة، ولكن “الآن فقط نضجت الأمور في إسرائيل”، وفق تعبير “يديعوت أحرونوت”. ويجيء ذلك بالتزامن مع تفاقم المجاعة في غزة، وتكرار الحديث عن طلبات داخل إسرائيل بتولي الجيش “مهمة” توزيع المساعدات، وهو ما يرفضه جيش الاحتلال (نتيجة التكلفة والحاجة إلى قوى بشرية)، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل تقديم تفسيرات عن الحالة الإنسانية في قطاع غزة، مما يتيح إمكانية تأجيل البت في الأمر، أو إلقاء المسؤولية على الشركة الأميركية، التي يتكون طاقم عملها “من مقاتلين سابقين، وقدامى المحاربين في وحدات النخبة من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا”، ويتحدث صاحبها بأسلوب قادة الجيوش أو العصابات، ويهدد بإطلاق النار في غزة.
ولا يخفي كاهانا نيته “إزالة عبء” عن الجيش الإسرائيلي، بالقول: “عندما يقوم الجيش الإسرائيلي بتوزيع المساعدات سيكون هناك بالتأكيد حادث، كما حدث في الماضي وقُتل مدنيون”. وواصل شرح فكرته، بالقول: “أولًا، هناك فريق أولي يصل بمعدات وقائية ومعدات غير فتاكة. الفريق الأول لا يأتي للقتال. يمكنه الردع بالرصاص المطاطي والماء وإطلاق النار في الهواء. لكن إذا لم يساعد ذلك، سيصل الفريق الثاني”.
وبينما تسعى الشركة للحصول على عقد توزيع المساعدات في غزة، إلّا أن صاحبها الذي خدم في الجيش الإسرائيلي سابقًا، لم يفوت الفرصة لتهديد أهالي قطاع غزة، بقوله: “إذا حدث شيء ما، فسوف ننقل الرسالة إلى سكان غزة: لا تعبثوا معنا. سوف يفهمون أن عمدة جديدًا قد وصل إلى المدينة، ولكن المهم هو ذلك، سيكون هناك الطعام والمخابز وروضة للأطفال”، وختم هذه الفقرة، بالقول: “فلنستعد لليوم التالي في غزة”.
وأشار إلى أن الشركة ستعمل خلال المرحلة بشكلٍ تجريبي، لكن الهدف سيكون الانتشار في كافة مناطق قطاع غزة، وقال: “من المهم بالنسبة لي أن أؤكد أننا لا نتحدث عن غيتوهات. سيكون الناس قادرين على الخروج والدخول إلى الأحياء المحمية. سيكون لدى الحي الكثير من الطعام والمدارس الممتازة. وقريبًا جدا سوف ترغب كل غزة في أن تبدو كذلك”. وبينما يزعم أن حركة حماس تستولي على المساعدات في غزة، فإنه يقدم نفسه باعتباره “الحل لهذا الأمر”.
ووفق الصحيفة الإسرائيلية، فإن أحد شخصيات إدارة المشروع، التي وصفت بـ”غير العادية”، هي جاستن ساب. ووفق المصادر، فإن جاستن ساب، هو أحد قادة القوات الخاصة الأميركية سابقًا، وعمل لاحقًا مع “CIA”، ونشط أساسًا بعد تفجير 11 أيلول/سبتمبر، وتسلل إلى أفغانستان، قبل بداية الغزو إلى شمال البلاد مع فريق ألفا التابع لوكالة المخابرات المركزية وكان أول جندي يذهب خلف خطوط طالبان في عام 2001، واستمر بالعمل في القوات الأميركية حتى عام 2004، قبل تقاعده وتحوله إلى مستشار للشركات الأمنية. ويعمل بالأساس مع شركة كونستيليس، وهي الشركة الأم لشركة بلاك ووتر، سيئة السمعة، والمسؤولة عن ارتكاب الفظائع بالعراق، وتفاخر كاهانا بأن ساب، صاحب التاريخ العسكري، سيكون جزءًا من مشروعه. كما سيشارك بعض من كبار الإسرائيليين السابقين من الموساد، ووحدة اليمام الإسرائيلية، في هذه الخطة.
وأمضى كاهانا العام الماضي في محاولة حثيثة لإيجاد دور لشركته في حرب إسرائيل على غزة، ويقول صراحة، إن هذه الخطة طرحها من تشرين الأول/أكتوبر 2023، فيما يبدو بأنه “شخص يلتقط فرصة أي حرب للبداية بالعمل”، إذ “تفاخر” بعمل شركته في أفغانستان وسوريا والعراق وأوكرانيا، ولكن هذه المرة بحماسة أكبر. وفي غير مرة، وصف شركته بأنها “أوبر في منطقة حرب لنقل الأشخاص والبضائع”، فيما تسعى الشركة، ضمن طرحه عن المجتمع المغلق، أو “ميامي بدون مسبح”، كما يصفها، إلى نشر نظام فحص بيومتري من أجل الحصول على المساعدات الإنسانية، وهي تقنيات مراقبة تملك إسرائيل خبرة واسعة فيها.
وكاهانا، إسرائيلي المولد، كان قد نشر بعد شهر من بداية حرب غزة، صورة للنائبة الديمقراطية في الكونغرس رشيدة طليب، وكتب عليها: “هذه المرأة هي سفيرة حماس المعينة في الولايات المتحدة. فكرة أن لديها صوت يجب أن تزعج كل أميركي”. وفي اليوم نفسه، نشر على “إكس”، خارطة تظهر فيها الأردن، وقد وضع عليها علم فلسطين، وكتب على الخريطة، “علينا أن نساعد في تحقيق حلمهم: من البحر إلى النهر، وفق هذه الخريطة، من شرق نهر الأردن وحتى البحر الأحمر”، وعلق على الصورة بقوله: “فهل حان الوقت لنقل غزة إليهم؟ أنا كاهاني (في إشارة إلى عضو الكنيست العنصري مئير كاهانا) فقط من حيث الاسم الأخير”.
نتنياهو يخلق مأساة لأجيال
يظهر “إيمان” موتي كاهانا في المشروع من مهاجمته مقالًا نُشر على صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، صباح الثلاثاء، عدة مرات، إذ ينتقد مقال الرأي الذي نشر تحت عنوان “نتنياهو يبيع غزة للميليشيات الخاصة”. وقالت الصحفية نوعا لاندو، نائبة رئيس تحرير صحيفة “هآرتس”، إن “المعارضة الإسرائيلية (أو ما تبقى منها) تهاجم حكومة نتنياهو باستمرار لأنها تفتقر إلى الرؤية وخطة العمل. ولكن ما يغفله كثيرون هو أن افتقار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى الخطط المنظمة لا يعني افتقاره إلى السياسة. بل على العكس من ذلك، فإن سياساته تتحدد دائمًا من خلال الأفعال على الأرض، وليس من خلال الخطب أو التصديق الرسمي”. وأوضحت لاندو: “لقد استفاد نتنياهو طيلة سنوات حكمه من الغموض المتعمد، بما في ذلك الرسائل المتناقضة باللغتين العبرية والإنجليزية. ولكن الواقع لا يكذب. وهكذا تم ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، ببطء شديد، دون تشريعات ضخمة. وهذا بالضبط ما يحدث الآن في قطاع غزة”.
واستمرت في القول عن نتنياهو ومعارضته: “في حين ينتقده معارضوه بسبب افتقاره إلى أي خطة منظمة للتعامل مع غزة في اليوم التالي للحرب، فإن مثل هذه الخطة يتم تنفيذها عمليًا من خلال الأفعال. أولًا، يتم ذلك من خلال احتلال مساحات شاسعة من غزة، وطرد السكان، وتدمير منازلهم، وتعبيد الطرق الجديدة وبناء المواقع العسكرية وغيرها من البنية الأساسية في الأمد البعيد. والآن، يتم ذلك أيضًا من خلال دفع خطة لنقل السيطرة المدنية على غزة إلى شركات خاصة، والتي سيتم دفع ثمنها”.
وأضافت لاندو: “لقد ابتعدت الحكومة كثيرًا عن النية التي أعلنتها في شباط/فبراير تحت ضغوط أميركية شديدة، وهي نقل السيطرة المدنية على غزة إلى ’جهات محلية تتمتع بخبرة إدارية و”لا ترتبط بدول أو منظمات تدعم الإرهاب”. ثم جاءت الخطة التي تقضي بنقل المسؤولية عن المساعدات الإنسانية في غزة إلى القوات الإسرائيلية، وهو تعبير ملطف عن حكومة عسكرية. والآن، ونظرًا لمعارضة الجيش للتدخل في توزيع المساعدات، فقد بدأ يتبلور قرار بتعيين شركة إسرائيلية أميركية خاصة للتعامل مع هذه القضية”.
وحول الشركة الأميركية، التي هاجم صاحبها كاتبة المقال عدة مرات بعد نشره، قالت: إن “الشركة التي تم ذكرها مؤخرًا كمرشحة، وهي شركة جي دي سي، هي شركة مقاولات عسكرية من النوع الذي غمر العراق وأفغانستان أثناء احتلال أميركا لهذين البلدين. وقد وجدت الدراسات العديدة التي أجريت حول هذا النظام على مر السنين أنه ينطوي على مخاطر هائلة. وهذه الشركات هي شركات مرتزقة، وهناك تساؤلات كبرى حول مدى التزامها بالقانون الدولي والمعايير الدولية”.
ولفتت لاندو إلى أن هذه الخطوة من “شأنها أن تؤدي في الأساس إلى خصخصة الحكم العسكري في غزة من خلال تسليمها لشركات خاصة ذات مصالح مالية خاصة، وليس أكثر من ذلك. والهدف من ذلك هو نقل المسؤولية الأخلاقية والقانونية من إسرائيل إلى هذه الميليشيات المسلحة. والواقع أن موتي كاهانا، مؤسس الشركة ورئيسها التنفيذي، قال في مقابلة مثيرة للقلق في صحيفة يديعوت أحرونوت يوم الثلاثاء: “إذا حدث أي شيء، فسوف نرسل رسالة إلى سكان غزة مفادها أنكم لا تريدون التورط معنا’”. وعلقت لاندو: “هذا أسلوب أصيل من أساليب المافيا”.
وأشارت إلى أن الخطة تحول “غزة إلى عراق آخر، وهو ما سيكون بمثابة مأساة لأجيال قادمة”. واستمرت في القول: “يستفيد نتنياهو أيضًا من زرع الغموض حول موقفه من إقامة المستوطنات في غزة. فمن ناحية، يزعم أن هذا لن يحدث أو بالأحرى، أنه ’غير واقعي’. ولكن من ناحية أخرى، يدير حزبه فعاليات للترويج لهذا الحلم المسياني الخلاصي. وفي هذه القضية أيضًا، لن تكون الكلمات هي العامل الحاسم في نهاية المطاف، بل البؤرة الاستيطانية الأولى، التي ’سيكون من الصعب إخلاؤها’. في الممارسة العملية، تتألف خطة نتنياهو لقطاع غزة بعد الحرب من احتلال عسكري ومرتزقة ومستوطنات. وهذه وصفة أكيدة للكارثة التالية”.
خطط دون نجاح
يترافق الحديث عن هذه الخطة، مع سياق من نقاش اليوم “التالي في غزة”، إذ كشفت مصادر لـ”الترا فلسطين”، في وقت سابق من شهر تموز/يوليو، أن الاحتلال يسعى إلى استخدام ثلاث طرائق، بهدف تقويض حكم حركة حماس، وإحلال نماذج بديلة قد تؤسّس لحالة “فلتان أمني”.
وفق المصدر الّذي أوضح أنّ وسائل الاحتلال تتمّ من خلال التعاون مع المؤسّسات الدوليّة والإغاثيّة في القضايا الصحّيّة بدرجة أولى والمتعلّقة بإعادة تأهيل المستشفيات المدمّرة والخارجة عن الخدمة، وثانيًا فتح الطريق للتعامل المباشر بين الاحتلال والتجّار وشركات النقل والتوزيع في قضايا المساعدات الإنسانيّة والبضائع التجاريّة، وثالثًا إحلال معبر كرم أبو سالم بديلًا عن معبر رفح، وبالتالي تجاوز مؤسّسات الحكم في غزّة.
وقبل زيارة إسرائيل، يوم 22 تشرين الأول/أكتوبر، قال مسؤولون أميركيون، إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن يدرس خطة لما بعد الحرب على غزة تستند إلى أفكار طورتها إسرائيل والإمارات، على أن يقدمها بعد الانتخابات الرئاسية في حال الموافقة عليها، إذ إنها ما تزال تشكل محل خلاف كبير بين مستشاريه، وفق ما نشر موقع “أكسيوس” الأميركي. وقال مسؤولون أميركيون وإسرائيليون وإماراتيون، إن إدارة بايدن وإسرائيل والإمارات يناقشون أفكارًا مختلفة لخطط محتملة منذ شهور، وقد شارك في هذه المناقشات أيضًا رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.
وفي شهر تموز/يوليو الماضي، عُقِدَ لقاءٌ في العاصمة الإماراتية أبوظبي لمناقشة هذه القضية، جمعت كبير مستشاري بايدن لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، ومستشار وزارة الخارجية الأميركية توم سوليفان، بوزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، وهو أحد المقربين من نتنياهو، ووزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد. وفي وقت سابق، دعمت الإمارات خطوة إرسال “قوة دولية” إلى قطاع غزة، في “اليوم التالي” للحرب على غزة، مشيرةً إلى أنها خطوة ترتبط بـ”دعوة من سلطة فلسطينية موحدة ومجددة”، بحسب ما ورد في مقال لدبلوماسية إماراتية في صحيفة “الفايننشال تايمز” البريطانية.
ما هي خطة الفقاعات الإنسانية؟
جاء النشر الأوّل عن خطّة “الفقّاعات الإنسانيّة” في غزّة، في قناة كان الإسرائيليّة، يوم الجمعة 7 حزيران/يونيو، وقالت: “إسرائيل بدأت تنفيذ المشروع الهادف لتغيير حكومة حركة حماس في شمال قطاع غزّة تحديدًا، من خلال قيادات محلّيّة يؤمّن لها الجيش الإسرائيليّ الحماية”. مشيرة إلى أنّ الخطّة يطلق عليها اسم “الفقّاعات الإنسانيّة”. والغرض من الخطّة، وفق القناة الإسرائيليّة، السماح لأهالي شمال قطاع غزّة بإدارة أنفسهم تحت حراسة الجيش الإسرائيليّ، والمرحلة التالية من الخطّة الإسرائيليّة، ستكون السماح بوصول شاحنات المساعدات الإنسانيّة بالتنسيق مع الهيئات الدوليّة، الّتي ستنقل المساعدات إلى هيئة محلّيّة تكون مسؤولة عن التوزيع، على أن يواصل جيش الاحتلال منع حماس من العودة إلى تلك المناطق، وفرض سيطرتها هناك.
وبدا الكاتب الأميركيّ ديفيد إغناتيوس، المقرّب من دوائر وكالة المخابرات المركزيّة الأميركيّة “CIA”، مهتمًّا بشكل خاص بما يعرف بـ”اليوم التالي للحرب على غزّة”، وخلال شهر حزيران/يونيو، نشر مقالًا بعنوان “المفارقة المقبلة بالنسبة لغزّة: مرحلة ما بعد الحرب، إذ تستمرّ الحرب”، وبعد زيارة وزير الأمن الإسرائيليّ يوآف غالانت إلى الولايات المتّحدة، نشر مقالة أخرى في “الواشنطن بوست”، تحت عنوان “خصوم نتنياهو يتّجهون نحو غزّة ’اليوم التالي’ بدونه”.
وفي مقالته الأولى، ظهرت التفاصيل الأولى عن خطّة “الفقّاعات الإنسانيّة”، وأكّد ديفيد إغناتيوس على وجود “خطّة إسرائيليّة جديدة لليوم التالي في غزّة، أقرّها مجلس الوزراء الحربيّ (بما في ذلك نتنياهو) قبل استقالة بيني غانتس. واقترح الخطّة وزير الأمن يوآف غالانت. ويطلق عليها الاسم المختصر ’الفقّاعات الإنسانيّة’”. وشرح التصوّر الإسرائيليّ، بالقول: “الفكرة هي أن تبدأ إسرائيل عمليّة انتقاليّة أحاديّة الجانب في منطقة في شمال غزّة تكون خالية إلى حدّ كبير من مقاتلي حماس. وبعد إقامة محيط محكم هناك، سينسحب الإسرائيليّون ويتركون الحكم والأمن المحلّيّ لمجلس فضفاض يتألّف من عائلات محلّيّة بارزة وتجّار ونقابات عمّاليّة وأعيان آخرين”، وفق ما ورد. وأضاف: “لتوفير القوّة اللازمة لإبعاد حماس والحفاظ على النظام، ستعتمد هذه المجموعة الحاكمة على فلسطينيّين محلّيّين تمّ فحصهم ودعمهم بقوّة دوليّة، بما في ذلك بعض القوّات العربيّة ذات الخبرة من دول مثل مصر. ومن باب حسن التدبير، قد تقوم ’الفقّاعة’ أيضًا بتوظيف مقاولين أمنيّين غربيّين”، وفق قوله.
وتابع ديفيد إغناتيوس: “يرى المسؤولون الإسرائيليّون أنّ الفقّاعة ستكون نموذجًا تجريبيًّا قد يجذب الدعم تدريجيًّا من الفلسطينيّين الآخرين الّذين هم في أمسّ الحاجة إلى العمل والأمن. والهدف هو إضعاف حماس مع خلق مساحة سياسيّة بديلة حيث يمكن تسليم المساعدات الإنسانيّة على نحو آمن، ويمكن البدء في إعادة الإعمار. في هذه الأثناء، خارج الفقّاعة، ستستمرّ معركة القضاء على حماس”، وفق قوله.
المختلف في مقالته الثانية، كان الإشارة إلى قبول الولايات المتّحدة لهذه الخطّة وتقديم تفاصيل إضافيّة عنها، إذ قال: “سيشرف على عمليّة الانتقال في غزّة الّتي ناقشها غالانت في واشنطن لجنة توجيهيّة برئاسة الولايات المتّحدة وشركاء عرب معتدلين. وتتولّى قوّة دوليّة، من المحتمل أن تضمّ قوّات من مصر والأردنّ والإمارات العربيّة المتّحدة والمغرب، الإشراف على الأمن، في حين توفّر القوّات الأميركيّة القيادة والسيطرة والخدمات اللوجستيّة من خارج غزّة. وتدريجيًّا ستتولّى قوّة فلسطينيّة مسؤوليّة الأمن المحلّيّ”. وتابع: “يتّفق غالانت والمسؤولون الأميركيّون على أنّ هذه القوّة الأمنيّة الفلسطينيّة لا بدّ وأن تتلقّى التدريب في إطار برنامج مساعدات أمنيّة قائم للسلطة الفلسطينيّة، برئاسة الفريق مايكل فينزل، الّذي يتّخذ من القدس مقرًّا له كمنسّق أمنيّ لإسرائيل والسلطة. ويعكس غالانت هنا حكم المؤسّسة الأمنيّة الإسرائيليّة، على الرغم من رفض نتنياهو علنًا أيّ دور للسلطة الفلسطينيّة في غزّة بعد الحرب”.
وأضاف ديفيد إغناتيوس: “أخبرني المسؤولون الأميركيّون أنّهم يؤيّدون فحوى خطّة غالانت، لكنّ الحكومات العربيّة المعتدلة لن تدعمها ما لم تشارك السلطة الفلسطينيّة على نحو مباشر”. ويوضّح المقال: “إنّ خطّة الانتقال في غزّة [اليوم التالي] سوف تنفذ على مراحل، بدءًا من شمال غزّة وانتشارها جنوبًا مع تحسّن الظروف. ويتصوّر غالانت توسيع ’فقّاعات’ الأمن الّتي من شأنها أن تشمل في نهاية المطاف 24 منطقة إداريّة في غزّة. ويدعم مسؤولو إدارة بايدن هذه الفكرة، لكنّهم يشكّكون في إمكانيّة توسيع ’بقع الحبر’ الأمنيّة هذه بسرعة”.
وفي مقال سابق، قال الكاتب الإسرائيليّ ناحوم برنيع: “خطّة اليوم التالي هي تصوّر تجريبيّ وافق نتنياهو على تنفيذه في العطاطرة، وهي قرية صغيرة في الطرف الشماليّ من القطاع”. وأضاف: “ليست هذه هي الخطّة الّتي ستزيل حكم حماس في اليوم التالي، وتعطي مستقبلًا لغزّة”، وفق تعبيره. وفي السياق نفسه، قال الجنرال الإسرائيليّ السابق يسرائيل زيف، إنّه ساعد على تقديم أفكار لخطّة “الفقّاعات الإنسانيّة الخالية من حماس”، كما يطلق عليها.
وبحسب أشخاص مطلعين في إسرائيل تحدّثوا لـ”وول ستريت جورنال”، فإنّ الهدف من “هذه الخطّة هو العمل مع الفلسطينيّين المحلّيّين غير المنتمين إلى حماس لإنشاء مناطق معزولة في شمال غزّة”. ويقترح زيف، الّذي أشرف على خروج إسرائيل من غزّة في عام 2005، أن يتمكّن “الفلسطينيّون المستعدّون للتنديد بحماس من التسجيل للعيش في جزر جغرافيّة مسيّجة تقع بجوار أحيائهم السكنيّة، وتحرسها القوّات العسكريّة الإسرائيليّة. وهذا من شأنه أن يمنحهم الحقّ في إعادة بناء منازلهم”.
ووفّق “وول ستريت جورنال”: “أعربت الحكومات العربيّة عن استعدادها للّعب دور أكبر، حيث قدّم بعضها التمويل والجنود لإدارة الأمن. لكنّهم جعلوا هذا الدعم مشروطًا بمسار سياسيّ أوسع يتضمّن عودة السلطة الفلسطينيّة إلى غزّة والتزام إسرائيل بحلّ الدولتين”، وهو ما يرفضه نتنياهو. وبحسب صحيفة “فايننشال تايمز” فإنّ المخطّط التجريبيّ لـ”الجيوب الإنسانيّة”، لم يطبّق بعد، ولكنّه طرح للتطبيق في مناطق العطاطرة وبيت حانون وبيت لاهيا في شمال غزّة.
ووفق هذه الخطّة: “سيقوم الجيش الإسرائيليّ بنقل المساعدات من معبر إيريز إلى فلسطينيّين تُحقّق من هويّاتهم، والّذين سوف يوزّعون المساعدات وتوسيع مسؤوليّاتهم تدريجيًّا لتولّي الحكم المدنيّ في المنطقة. وسوف تضمن القوّات الإسرائيليّة، على الأقلّ في المرحلة الأوّليّة، الأمن”. وقالت مصادر الصحفيّة البريطانيّة: إنّ “المطروح مجرّد نسخة أخرى من المحاولات الإسرائيليّة السابقة، الّتي أفشلتها حماس بحكم الأمر الواقع”. وأضاف مسؤول إسرائيليّ كبير سابق ومطّلع على الخطط: “لقد جرّبنا هذا بالفعل في ثلاثة أجزاء مختلفة من وسط وشمال غزّة، بما في ذلك مع العشائر المحلّيّة. وقد تعرّضوا جميعًا للاستهداف أو القتل على يد حماس”. وزعمت الصحيفة اندلاع اشتباكات الأسبوع الماضي بين عائلة في وسط غزّة وأفراد من حماس بعد أن أعدمت الحركة زعيم العائلة بسبب “قبول التعاون مع الطرح الإسرائيليّ”
وأشارت الصحيفة إلى أن خطّة “الفقّاعات الإنسانيّة”، هي “جزء تكتيكيّ واحد من خطّة أوسع نطاقًا تتألّف من ثلاثة مستويات بعد الحرب. وبموجب الخطّة الكاملة، فإنّ تحالفًا دوليًّا واسع النطاق يضمّ “الدول العربيّة المعتدلة” من شأنه أن يوفّر الغطاء الدبلوماسيّ والماليّ الشامل لغزّة بعد الحرب. وسوف يتولّى مسؤولون من السلطة الفلسطينيّة وقادة محلّيّون آخرون داخل غزّة إدارة النظام الجديد”.
وقال العديد من الأشخاص المطّلعين على المناقشات إنّ هناك “خططًا لتدريب قوّة فلسطينيّة محلّيّة من داخل غزّة لتولّي مسؤوليّة الأمن في الفقّاعات الإنسانيّة”. وستتكوّن هذه القوّة من أفراد أمن سابقين في السلطة الفلسطينيّة، والّذين سيسافرون إمّا إلى الأردنّ أو الضفّة الغربيّة للتدريب تحت رعاية الجنرال الأميركيّ مايكل فينزل. وأوضحت “فايننشال تايمز”: “بدأ ماجد فرج، مدير جهاز المخابرات العامّة في السلطة الفلسطينيّة، في فحص المرشّحين من داخل غزّة، حيث تمّ تحديد عدّة آلاف من الرجال كمجنّدين محتملين”. وتشير المصادر إلى أنّ حكومة نتنياهو “تفضّل الجزء الأوّل من الخطّة، أي الفقّاعات الإنسانيّة”.