دلياني: تفكيك الأونروا هو البوابة الاسرائيلية لإعدام حق العودة
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

بداية، كيف تقيّمون اللحظة الراهنة التي تمرّ بها الأونروا؟ هل نحن أمام تهديد وجودي حقيقي للوكالة؟
ديمتري دلياني: “نحن في قلب منعطف خطير في تاريخ قضية اللاجئين. الاستهداف اليوم لم يعد حملة تحريض إعلامي أو ضغوطا مالية متفرقة، بل أصبح مشروعا متكاملا يجمع بين خنق مالي دولي منظم من جهة وحرب قوانين تشنّها دولة الإبادة الإسرائيلية داخل الكنيست من جهة اخرى. الأونروا تقف أمام عجز حاد في ميزانيتها الاعتيادية يقدّر بـ200 مليون دولار، يهدد قدرتها على تغطية تكاليف خدماتها الأساسية المقدّمة قرابة ٦ مليون لاجئ فلسطيني، وعلى دفع رواتب موظفيها في القدس وباقي انحاء الضفة، وقطاع غزة، والأردن، وسوريا، ولبنان، عن شهري تشرين الثاني / نوفمبر وكانون الأول / ديسمبر 2025 والربع الأول من عام 2026.
عندما تتزامن حرب الإبادة على شعبنا مع محاولة منظمة لتجفيف موارد الأونروا ومحاصرتها بسلسلة من القوانين الاسرائيلية المتجردة من اي قيم إنسانية، يصبح المستهدف هو الاعتراف الدولي بقضية اللاجئين وحق العودة. لهذا أقول إن ما يُستهدف اليوم ليس مؤسسة أممية فقط، بل الإطار القانوني والأخلاقي الذي يحفظ لللاجئ الفلسطيني صفته وذاكرته وحقه.”
ما الرسالة التي توجهونها للدول المانحة التي علّقت تمويلها أو قيّدته في ظل هذا العجز؟
ديمتري دلياني:
”رسالتي للدول المانحة صريحة ولا تحتمل الالتباس: من يعلّق تمويل الأونروا أو يربطه بحسابات سياسية يضع حياة وحقوق ملايين اللاجئين في خطر. دعم الأونروا ليس عملا خيريا، بل استحقاق قانوني وأخلاقي نابع من مسؤولية تعاقدية أقرّتها الأمم المتحدة منذ إنشاء الوكالة.
كما ان تمويل الأونروا حماية لحق التعليم والعلاج والحد الأدنى من متطلبات العيش في المخيمات، وحماية لقيم إنسانية تدّعي هذه الدول الدفاع عنها في المحافل الدولية. المطلوب خطوة واضحة نحو استئناف التمويل فورا ومن دون شروط سياسية، وإدراك أن حماية ولاية الأونروا هي مسؤولية جماعية.”
إلى أي مدى ما زالت الأونروا تحظى بغطاء سياسي في الأمم المتحدة، خاصة بعد إعلان نيويورك وتجديد التفويض؟
ديمتري دلياني:
“على الرغم من شراسة الهجوم الإسرائيلي، ما زال للأونروا سند مهم في المنظومة الأممية. فإعلان نيويورك ومرفقاته، الذي أقرّته الجمعية العامة في أيلول / سبتمبر الماضي، نصّ بوضوح في الفقرة 14 على أن دور الأونروا لا غنى عنه، وأعاد تأكيد التزام الدول الأعضاء بمواصلة دعمها، بما في ذلك عبر تمويل ملائم يمكّنها من تنفيذ ولايتها كاملة. وهذا الإطار السياسي يتكامل مع السلسلة التاريخية لقرارات الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، وفي مقدمتها القرار 194 الذي ثبّت مبدأ حق العودة والتعويض، والقرار 302 الذي أنشأ الأونروا وربط وجودها بالمسؤولية الدولية عن اللاجئ، والقرارات المتعاقبة بشأن الإغاثة والحماية مثل القرار 513، إضافة إلى قرارات تجديد التفويض السنوية وآخرها قرار الجمعية العامة بتجديد ولاية الأونروا حتى عام 2026.
غير أن الغطاء السياسي يفقد معناه إذا لم يُترجم إلى التزام مالي ثابت وإلى موقف صلب في مواجهة قوانين دولة الإبادة الإسرائيلية ومحاولاتها الدائمة لنزع الشرعية عن الأونروا. المعركة اليوم هي على مستوى النصوص الأممية وايضاً على مستوى القدرة على حماية هذه النصوص من التفريغ والتآكل.”
كيف تقرأون الحملة التشريعية في الكنيست ضد الأونروا؟ وما دلالات تسلسل القوانين التي استهدفت الوكالة؟
ديمتري دلياني: ”ما شهدناه في الكنيست الإسرائيلي منذ مطلع 2024 هو مسلسل تشريعي متدرّج يهدف إلى خنق الأونروا ثم طردها. بدأت العملية بمشاريع قوانين تمنع الوكالة من العمل داخل ما تسمّيه إسرائيل ’الأراضي السيادية‘، وتستهدف نزع الحصانات والامتيازات عن موظفيها، وتفتح الباب لوصم الأونروا نفسها بتهمة ’الإرهاب‘ في إطار القانون الإسرائيلي الجائر.
ثم جاءت محطة 28 و29 تشرين الأول / أكتوبر 2024 مع المصادقة على قانوني ’وقف أنشطة الأونروا‘ و’وقف أنشطة الأونروا’ في ما سمته الكنيست ‘أراضي الدولة‘ بأغلبية وصلت إلى 92 مقابل 10، لتُحكم القبضة القانونية: منع أي تمثيل أو نشاط أو خدمة للأونروا داخل ما تعتبره دولة الإبادة الإسرائيلية أراضيها، بما في ذلك القدس العربية المحتلة، وإلزام المؤسسات الرسمية الاسرائيلية بقطع التواصل مع الوكالة. ومنذ كانون الثاني / يناير 2025 بدأ تنفيذ هذه القوانين فعليا، فطُلب من الأونروا إخلاء مقراتها في القدس العربية المحتلة، واستُكملت الحملة بمشاريع إضافية تستهدف وقف تزويد الكهرباء والمياه التي تصل إلى منشآتها.
هذا التسلسل يكشف نية سياسية واضحة: تجريم وجود الأونروا كشاهد دولي، وتفكيك الإطار الأممي لقضية اللاجئين، وإعادة صياغة الواقع القانوني بحيث تختفي كلمة ’لاجئ فلسطيني‘ من سجلات الأمم المتحدة قبل أن تحاول دولة الابادة اخفاءها من الجغرافيا.”
في المقابل، ما أهمية الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بالنسبة للأونروا، خاصة في ظل الاتهامات الإسرائيلية لها؟
ديمتري دلياني:
”الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية يمثل نقطة ارتكاز قانونية وأخلاقية للأونروا ولشعبنا معا. المحكمة نظرت في جميع محاولات دولة الإبادة الإسرائيلية بكافة اجهزتها الإعلامية والدبلوماسية من تشويه، وخلصت إلى تأكيد حيادية الوكالة وطبيعتها الإنسانية، وفنّدت الادعاءات الاسرائيلية الكاذبة التي تتحدث عن ’تورط‘ موظفين في أحداث 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023. في المقابل، حمّلت سلطات الاحتلال مسؤولية التعاون مع هيئات الأمم المتحدة وضمان مرور المساعدات إلى المدنيين.
هذا الرأي لا يكتفي بحماية سمعة الأونروا، بل يضع سيفا قانونيا بيد الدول الأعضاء في الجمعية العامة، يمكن استخدامه لبناء تحرك جماعي لتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة، تحاسب دولة الإبادة الإسرائيلية على استهداف موظفي الوكالة وعلى تحويل المخيمات ومدارس الأونروا إلى ساحات جريمة مفتوحة.”
ماذا عن الثمن البشري الذي دفعته الأونروا في حرب الإبادة على غزة؟
ديمتري دلياني:
”يتجاوز العدد الإجمالي للشهداء في صفوف العاملين في وكالة الأنروا الـ410 خلال العامين الماضيين، إلى جانب مئات الجرحى والمختطفين. هذا الرقم غير مسبوق في تاريخ الأمم المتحدة، ويختصر مدى استهتار جيش دولة الإبادة الإسرائيلية بكل قواعد القانون الدولي الإنساني.
سياسيا، هذا الثمن لا يجوز أن يُختزل في بيانات نعي او ادانة. المطلوب تحقيق دولي مستقل يربط بين استهداف موظفي الأونروا وبين محاولة إسكات الشاهد الأممي على حرب الإبادة، ويعيد تعريف المسؤولية الدولية تجاه حماية الطواقم الإنسانية في مناطق النزاع، خصوصا عندما يكون القاتل دولة تعلن احتقارها العلني لكل الآليات الدولية.”
هناك من يطرح سؤال الإصلاح داخل الأونروا. كيف ترون هذا النقاش في ظل حرب الإبادة والاستهداف التشريعي؟
ديمتري دلياني: ”الإصلاح الذي نحتاجه هو الإصلاح الذي يحمي التفويض ولا يحوّله إلى غطاء لتفكيك الوكالة. الأونروا أنجزت حتى الآن 20 توصية من أصل 50 وردت في تقرير كولونا، أي تقرير لجنة المراجعة المستقلة التي ترأستها وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا لتقييم حياد الأونروا وأدائها المؤسسي، وهذا عمل جدي يستحق التقدير. لكن البيئة التي تعمل فيها الوكالة تغيّرت جذريا بعد حرب الإبادة على غزة، وما كان كافيا قبل ٧ تشرين الأول / أكتوبر 2023 لم يعد كافيا اليوم.”
الميزانية البرامجية المقترحة للفترة 2026-2027 بحاجة إلى تحديث عميق يعكس حجم الدمار الذي يحدثه جيش الابادة الاسرائيلي في غزة والضفة، واتساع الاحتياجات التشغيلية والخدماتية، والحاجة إلى ملء الشواغر الوظيفية بصورة عاجلة. كما انه لا يجوز استخدام تقليص خدمات التعليم والصحة والإغاثة كأداة لإدارة العجز المالي.”
في ظل الخراب الهائل في قطاع غزة، ما الدور الذي يجب أن تضطلع به الأونروا في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار؟
ديمتري دلياني:”لا يمكن الحديث بجدية عن دور للأنروا في عملية التعاف وإعادة الإعمار في غزة بينما تُحاصر المنظمة الأممية و تُطرد ويُضيّق عليها من قِبَل دولة الابادة. هذه الوكالة تملك شبكة مدارس وعيادات ومراكز إغاثة ممتدة في غزة والضفة والأردن ولبنان وسوريا، وتملك معرفة متراكمة بمجتمع اللاجئين لا يملكها أي طرف آخر. منطق التخطيط الرشيد يفرض أن تكون الأونروا في قلب أي خطة لإعادة إعمار غزة في إطار تفويضها.
الدول المانحة مدعوة للتحرك في اتجاهين متلازمين: الضغط الجاد على دولة الإبادة الإسرائيلية لالغاء قوانينها وإجراءاتها التي تحظر أنشطة الأونروا وتقوّض عملها، وربط تجديد تفويض الوكالة في الأمم المتحدة بحزمة تمويل مستدامة وكافية، تضمن استقلالية القرار الإنساني في الأونروا وتحميها من الابتزاز المالي والسياسي.”
ما الرسالة الأخيرة التي تودّون توجيهها الرأي العام العربي والدولي بشأن الأونروا؟
ديمتري دلياني:
“من يدافع عن الأونروا لا يدافع عن مؤسسة بيروقراطية، بل يدافع عن حق العودة، وعن ذاكرة المخيم، وعن آخر اعتراف أممي مكتوب بأن اللاجئ الفلسطيني صاحب حق لا ملف مساعدات.
الدفاع عن الأونروا اليوم جزء لا ينفصل عن الدفاع عن الرواية الفلسطينية وعن مشروع التحرر الوطني، وعن حق أجيال لاجئينا في أن يعودوا إلى ديارهم.”
المصدر: صحيفة “الحدث الأفريقي”





