ديانا فخوري: مقاطعة وعقوبات ام مكافأة؟ بل هي.. من نعم الله.. نفع من حيث لا يحتسبون!
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
أوضح فريق من جامعة “ييل” يحتفظ بقائمة من الشركات التي لها وجود كبير في روسيا، أن حوالي 290 شركة أعلنت الانسحاب من البلاد منذ بدء العملية الروسية في أوكرانيا. وفي تتابع سريع، تم وقف أو تقييد او تعليق الأعمال – بما فيها عمليات شحن المنتجات – لشركات “ماكدونالدز” (850 مطعم)، “ستاربكس” (130 مقهى)، “كوكا كولا” و”بيبسي كولا”بما في ذلك “سفن أب” و”ميريندا”!
“وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”.. [البقرة : 216].
وكم أتى نفع الإنسان من حيث لا يحتسب! نعم أتى نفع أهل روسيا من حيث لا يحتسبون. فلكم حذّرت وتحّذر مراكز الدراسات العلمية، ومؤسسات الغذاء والدواء، ومنظمات الصحة العالمية من السموم الكامنة في هكذا منتجات فتُذكرنا بقول “كثير عزة” في مدح الخليفة الزاهد “عمر بن عبد العزيز”:
“فأعرضتَ عنها مشمئزّاً كأنّما … سقتك مدوفاً من سمامِ وعلقمِ”
(المدوف: المخلوط فى الماء، يقال «داف الطيب أو الدواء» أى بله بماء أو بغيره وخلطه به. السمام، بكسر السين: جمع سم).
وكان عمرو بن معد يكرب قد تطرق لمسألة الشكل والمضمون منذ 14 قرناً:
“ليس الجمال بمئزر … فاعلم، وإن رديت برداً
إن الجمال معادن … ومناقب أورثن مجداً”
فالشكل مغرٍ والطعم جذاب. اما المضمون فحدث بما تفيض به الأبحاث والدراسات، كما اسلفت، ولا حرج! وليت أمريكا تعاقبنا نحن بحرماننا من هذه المنتجات ومعها منتجات امبراطورية هوليوود (سوبرمان، رامبو، الكاوبوي، ورقصة الروك اند رول تحت شعار Joy marketing …) والتلقيح بمفاهيم مصطنعة للحداثة والأمركة، فنكفي ابنائنا والاجيال القادمة شر افساد ذائقتهم من ناحية وشر العبث بوعيهم من ناحية أُخرى وأٓهم!
انها امريكا زعيمة الدول المارقة “CRS – The Chief Rogue State” فتوقفوا عن استهلاك البروباغندا الغربية و”الاستسلام لسرديانها الزائفة بعيدا عن السياقين التاريخي و الاستراتيجي!
سمها ما شئت – سمها امريكا، سمها اميركا، سمها الولايات المتحدة الامريكية، سمها الويلات المحتدة الاميركية، سمها روما الجديدة، سمها الامبراطورية العسكرية العالمية، سمها الولايات الجماهيرية الشعبية الاميركية..
انها هي هي بحدود تمتد من الشمس شرقا الی القمر غربا و من المشتري شمالا الی البائع جنوبا .. انها الامبراطورية العسكرية العالمية التي تتمدد علی أكثر من 700 قاعدة في كافة زوايا الكرة الارضية يرفدها 40% من الانفاق العسكري الدولي .. اقتصادها هو الاكبر في العالم حيث يقدم 6% من سكان الارض 35% من الناتج البشري .. لها ثلث زراعة الارض و ربع صناعة العالم .. تزهو بأعظم اقتصاد مالي و تجاري، و أعظم قوة تكنولوجية .. تنتج سنويا ضعفي براءات الاختراع التي تسجلها كافة شعوب الارض مجتمعة .. اليها ينتسب نصف حائزي جوائز نوبل .. أما قوتها الناعمة فتتجاوز هارفارد الی هوليوود تدعمها وسائل التواصل أمثال جوجل، فيسبوك، مايكروسوفت، امازون ..الخ .. وان ننسی، لا ننسی الجينز و البيج ماك!
ألم يتحدث بابلو نيرودا عن “تلك الامريكا التي تقتل البريق الذي في عيوننا”؟! .. ألم يقل محمود درويش “أمريكا هي الطاعون و الطاعون امريكا”?!
هي الطاعون، و الطاعون هي من يوم التكوين الی يوم الدين .. فهل يعيدها “أهل البيت الأبيض” أرض ميعاد نقية صافية للامريكيين بلا مهاجرين ولا مسلمين وقد أحاطوا “البيت” بشخصيات من شأنها الإطاحة بمجموعة المصالح الاستراتيجية والمؤسسات المتنفذة؟!
ونظرة الی السياق التاريخي تُبيّن باختصار مايلي:
– مرحلة التأسيس حيث تمت ابادة الهنود الحمر، اهل البلد الاصليين ..
– مرحلة التكوين التي اتسمت بالحروب الاهلية ..
– مرحلة الامبراطورية التي اتسمت بالحروب الخارجية عبر العالم وصولا لقصف مطارات المنطقة ومرافئها، و، و، وتأملوا تصريحات بعض اهل البيت الأبيض بخصوص التحريض على قتل بعض رؤساء الدول (الرئيس الأسد مثلاً) .. انه السلوك العدواني الدموي المبدع في توظيف الارهاب الشامل سعيا لتحقيق الهيمنة الامركية الاممية وسحق أي مقاومة تعترض طريقها .. ولو عاد المسيح يوماً لما ترددوا بصلبه ثانية!
وها هم اليوم يحاولون الحيلولة دون الله والتواصل مع الكنيسة الاورثوذكسية ولم يتركوا يوماً الإشارة الى الصفقة المزعومة: الله لإدارة السماء والشيطان (أمريكا) لإدارة الارض، والملائكة تعمل لحساب الـ “سي آي. اي”!
كما لا يترددون اليوم بإنشاء آليات سرية لنشر مسببات الأمراض الفتاكة من خلال تشغيل مختبرات بيولوجية على الأراضي الأوكرانية والعديد غيرها (بعيداً عن حدود الولايات المتحدة الأميركية) لدراسة نقل مسببات الأمراض عن طريق الطيور البرية المهاجرة بين أوكرانيا وروسيا (مثلاً) والدول المجاورة الأخرى (مثلاً أيضاً)!
وكم غاب عنهم الوعي بجدلية التاريخ، وكم اغفلوا التداخل الديناميكي بين التفاعل التاريخي والتفاعل الجغرافي في العالم الامر الذي يدركه الكرملين ويحسن استثماره وقد ترعرع وتجذّر هناك بفضل التراث الماركسي .. وبعد، الم يصف “فرانز فانون” أمريكا بمطحنة التاريخ كونها مطحنة البشرية!؟
ثم ماذا عن السقوط الأوروبي في المقبرة الأميركية!؟
هذا “روبرت كاغان” (احد كبار منظري المحافظين الجدد) مثلاً لا يكتم ازدراؤه للأوروبيين اذ يكرر التساؤل “الى متى نحمل تلك الأحصنة الهرمة على ظهورنا”؟ وبالعودة لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، سارع العديد من الباحثين الأوروبيين الى التعليق: “هكذا تريدنا الولاِيات المتحدة، قبائل من الهنود الحمر، بعيون زرقاء، وقد تبعثرت على الضفاف الأخرى للأطلسي” .. ولم يعد مستغرباً ان نرى الكاوبوي يغتصب الموناليزا!
وكنت قد شبهت بعض مواقف الهيمنة و الغرور الامركيين بجملة اشتهرت عن المنتصر بالله احد نجوم الكوميديا المصرية: “ما أنا استغربت!”
امريكا، بمختلف قياداتها علی مر العهود: ما انا اعتذرت!
أبادوا 20 مليون من السكان الاصليين المعروفين بالهنود الحمر، ثم اعتذروا! .. فالولايات المتحدة الامريكية انما قامت علی ما غرسه البيوريتانز (الطهرانيون) الانجليز، وقد تمثلوا التوراة، في اللاوعي الامريكي من ثقافة الغاء الاخر علی طريقة داعش و ابن تيمية .. فأين ذهب أصحاب الارض الاصليون؟! الا يتماهی اغتصاب البيض لامريكا الشمالية مع اغتصاب الصهاينة لفلسطين؟!
أبحروا الی افريقيا و عادوا بالوف الافارقة فأسسوا أسواق النخاسة، ثم اعتذروا!
قصفوا اليابان بالنووي، ثم اعتذروا!
أبادوا قری عن بكرة أبيها في فيتنام، ثم اعتذروا!
دمروا العراق بحجة امتلاكه السلاح النووي و جعلوه يبابا، ثم اعتذروا!
اعتدوا علی الجيش السوري الملتحم مع داعش في دير الزور، ثم اعتذروا!
كم كررت و أعدت التكرار أنها “الويلات المحتدة الأمريكية” .. أنها الطاعون و الطاعون هي .. انها البلاء و البلاء هي .. بالأمس قلت أنها استحقت عن جدارة لقب “CRS – The Chief Rogue State”، و قدمت عينة قليلة قليلة من مئات المؤامرات و الأساليب القذرة التي حاكتها بحق شعوب و دول العالم على مدى قرنين من الزمن!
محمود درويش لم يعتذر، وقال لاَخره: لا تعتذر الا لأمِّك! .. اما أنا فاعتذر! اعتذر عن خظيئة كولومبوس المميتة!
نعم، اليوم أقدم اعتذاري عن خطيئة كولومبوس المميتة، حين ضل طريقه الی الهند لينتهي باكتشاف امريكا سيما وان الرحلة تمت بتمويل عربي .. نعم كان التمويل عربيا حيث غطتها ايزابيلا بالجواهر التي تركها العرب في غرناطة لينعم العالم ب “الويلات المحتدة الامريكية” .. فأمريكا هي الطاعون، و الطاعون أمريكا!