ذراع إسرائيل الطويلة وصلت إلى اليمن، لكن عينها على إيران ولبنان
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
عاموس يادلين
الهجوم الناجح لسلاح الجو، يوم السبت، كان خطوة مهمة لتعزيز الردع الإسرائيلي، ونموذجاً صحيحاً لاستخدام القوة الجوية ضد أهداف مهمة في البنى التحتية الوطنية، والتي تُستخدم لأغراض عسكرية. فالحوثيون، كجزء من المحور الإيراني، يطلقون منذ تسعة أشهر صواريخ ومسيّرات في اتجاه إسرائيل، وتسببوا بوقف الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، وبشلّ ميناء إيلات. بالإضافة إلى ذلك، هدد الحوثيون برفع درجة الهجمات على مرفأي حيفا وأشدود قبل الهجوم الإسرائيلي.
في الماضي، قررت إسرائيل عدم الرد على هجمات الحوثيين لثلاثة أسباب: حتى الهجوم الذي تعرضت له تل أبيب يوم الجمعة الماضية، فإنه لم يكبد إسرائيل أضراراً مهمة. لقد أخذت الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل، والدول الغربية على عاتقها مهمة إنشاء قوة خاصة لوقف الهجمات، ومهاجمة أهداف عسكرية في اليمن. ونجحت هذه العمليات في اعتراض أغلبية الصواريخ التي أُطلقت على إسرائيل، وقليل منها اعترضته منظومة دفاعنا الجوي. وكان القتال في غزة والشمال يبدو أكثر أهميةً وإلحاحاً، من وجهة نظر قادة القوات المسلحة، ولم يجدوا أنه من الصواب التوظيف في جبهة إضافية. لكن بعد مقتل مواطن إسرائيلي للمرة الأولى، وحقيقة أن الحوثيين يتوجهون نحو حرب استنزاف طويلة، حان الوقت للرد بقوة.
هناك 7 تبصرات مهمة بعد الهجوم على اليمن:
1- خطوة لترميم الردع وتعزيزه – انهار الردع الإسرائيلي في مواجهة “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وانضمام حزب الله والميليشيات العراقية والحوثيين في اليمن إلى الحرب، والهجوم الإيراني المباشر في نيسان/أبريل، رداً على اغتيال الجنرال الإيراني في دمشق، أمور كلها أثبتت أن الردع في هذه المجالات تضرر أيضاً. مع ذلك، من المهم أن ندرك أن الردع ليس مصطلحاً ثنائياً، بل هو حصيلة معقدة ومتعددة الأبعاد. المناورة البرية الناجحة في غزة، والدمار الهائل في القطاع، وتفكيك القدرات العسكرية لـ”حماس” وحجم خسائرها، والضرر الواضح الذي لحِق بالأرصدة العسكرية لحزب الله، وبقياداته ومقاتليه، بالإضافة إلى تقديم نموذج من القدرات الهجومية الاستراتيجية لإسرائيل في إيران في نيسان/ أبريل، وأمس (السبت)، في اليمن، كل ذلك هو تذكير مهم بقدرة إسرائيل على مهاجمة أعدائها، القريبين والبعيدين، وإصرارها على القيام بذلك. وهذا من شأنه أن يساعد في ترسيخ الردع الإسرائيلي.
2- سلاح الجو كعنصر مركزي في الأمن الإسرائيلي – لقد أثبت سلاح الجو، الذي نوظف فيه موارد كثيرة وقوة بشرية نوعية، مرة أُخرى، جاهزيته العملانية والاستراتيجية. إن القدرة على التخطيط والتنفيذ خلال وقت قصير جداً، لعملية كبيرة ضد بنى تحتية حكومية في دولة معادية وبعيدة، تُظهر بناء القوة الصحيح والتخطيط المسبق الذي دخل حيز التنفيذ في الوقت الصحيح. لقد بنى سلاح الجو، وحسّن خلال عقود، قدرة تقدّم لدولة إسرائيل قدرات عملانية واستراتيجية مميزة ومذهلة: ذراع طويلة قوية ومرنة تسمح بعمل متنوع. لقد جرى تنظيم المعركة وفقاً للمهمة وإطارها الجغرافي. طائرات “أدير” و”راعم” وصوفا”، أو “باز”، تدافع عن أجواء الدولة في مواجهة صواريخ كروز والمسيّرات، وتهاجم من أجل مساعدة القوات البرية في غزة ولبنان، وبمساعدة منظومات التزود بالوقود والاستخبارات، قادرة على الوصول إلى أيّ مكان في الشرق الأوسط وشنّ هجوم استراتيجي. إن منظومة الدفاع الجوي تمنع مهاجمة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، في ظل هجمات العدو التي لا تتوقف. مع ذلك، حتى في أحسن تنظيم، تقع أخطاء بشرية، وهذا يحدث معنا، ويجب أن نحقق فيها لنتعلم ونحسّن الأداء الذي يُعتبر جزءاً لا يتجزأ من تقاليد سلاح الجو.
3- الاشتباك مع الحوثيين هو أوسع كثيراً من تبادُل الضربات بين إسرائيل واليمن. يوجد في الخلفية صراعان كبيران: الصراع العالمي بين الدول العظمى، والصراع الإقليمي بين المحور الإيراني وبين المعارضين له. الضرر الذي تسبب به الحوثيون لإسرائيل هو أقل من الضرر الكبير الذي ألحقوه بالاقتصاد العالمي – إغلاق مسار الملاحة إلى أوروبا، ومن الشرق، إغراق سفن من دون تمييز، الإضرار بشدة بالعائدات المصرية من العبور البحري في قناة السويس، الإضرار بمرفأ العقبة في الأردن والمرافىء في البحر المتوسط. ومؤخراً، تحدث الحوثيون عن تطوير صاروخ يصل إلى أوروبا، وهذا تحذير من الآتي. روسيا تربح من ارتفاع أسعار النفط، ومن تحوُّل الاهتمام عمّا يحدث في أوكرانيا. وبحسب تقارير أميركية، يحصل الحوثيون على مساعدة من روسيا في مجال الاستخبارات، وربما أيضاً السلاح المتطور، رداً على المساعدات الغربية لأوكرانيا. وتبرز مساعدة إسرائيل في نضال الدول الغربية من أجل المحافظة على حرية الملاحة والتجارة العالمية في الانتقادات التي وردت على لسان قائد قوة “سانتكوس” بشأن القيود التي فرضها البنتاغون على المعركة في مواجهة الحوثيين.
4- في المعركة الإقليمية، يحصل الحوثيون على التمويل والسلاح والاستخبارات والتكنولوجيا من إيران. وبالنسبة إلى إيران، هم جزء لا يتجزأ من طوق الخنق والاستنزاف الذي تستخدمه إيران ضد إسرائيل، وفي الصراع مع السعودية والإمارات على النفوذ في الخليج الفارسي، وفي المنطقة. يهدد الحوثيون باستئناف الهجمات على هاتين الدولتين الخليجيتين اللتين تشكلان جزءاً من المحور المناهض لإيران في المنطقة. وهنا يثبت الهجوم الإسرائيلي تقدير إسرائيل للدول في العالم العربي التي تعاني جرّاء هجمات الحوثيين والإيرانيين، وتجد صعوبة في إيجاد الرد العملاني عليها. إن قدرة الدفاع الإسرائيلي والإقليمي التي ظهرت في نيسان/أبريل، والقدرات الهجومية التي ظهرت في الأمس، ستعزز اتفاقات أبراهام وتشكل العمود الفقري لبنية أمنية إقليمية، ولتطبيع مستقبلي مع السعودية.
5- الاستعداد لمواجهة الرد الحوثي. هدد الحوثيون بـ”ردّ قاس”، لكن قدرتهم محدودة، بعد أن أطلقوا على إسرائيل جزءاً كبيراً من مخزونهم من الصواريخ والمسيّرات. سلاح الجو مستعد لمواجهة هجوم معاكس، وأثبت قدرة اعتراضية مذهلة، حتى لو تكن مُحكمة تماماً. الرد الحوثي سيصطدم بخط دفاع الأسطولين الأميركي والبريطاني. لقد أوضح الهجوم الإسرائيلي للحوثيين مدى ضعفهم. ولمّحت إسرائيل إلى قدرتها على التسبب بأضرار لأرصدة استراتيجية أُخرى… مع ذلك، يجب الاستعداد لمعركة طويلة وكبيرة ستجري بمشاركة تحالُف غربي من خلال تحديد الأولويات في الوقت الحقيقي بين الساحات.
6- الاستعداد لردّ من المحور – في موازاة الاستعدادات في مقابل جبهة البحر الأحمر، يجب الاستعداد لارتفاع درجة التصعيد من جانب طرف آخر في هذا المحور- إيران و/أو حزب الله. يبدو أن حزب الله تجنّب منذ أشهر توسيع المعركة، ولم تتدخل إيران مباشرةً في القتال منذ نيسان/أبريل. ومع ذلك، حتى لو كانت الاحتمالات ضئيلة، من المهم الاستعداد، استخباراتياً وعملانياً، لرد من المحور.
7- في الختام، المفتاح يبقى في غزة، وفي صفقة المخطوفين. الهجوم على اليمن، مهما كان ناجحاً، لن يغيّر بصورة جوهرية الحرب المتعددة الجبهات التي تواجهها إسرائيل منذ تسعة أشهر ونصف الشهر. المفتاح في غزة، هناك بدأت الحرب، ووقف الحرب هناك، سيؤدي إلى نهايتها. لقد صرّح حزب الله والحوثيون بأنهم سيوقفون إطلاق النار، فقط عندما تتوقف الحرب في غزة. وتبقى صفقة المخطوفين واجباً أخلاقياً من الدرجة الأولى، وهي ليست فقط المفتاح لإنهاء الحرب، بل هي أيضاً خطوة استراتيجية واسعة النطاق وضرورية لترميم وتحسين الأمن في إسرائيل: وقف القتال في الشمال والجنوب، وعودة سكان النقب الغربي والجليل الأعلى إلى منازلهم، والدفع قدماً باتفاقات التطبيع مع السعودية، وإنشاء تحالُف لمواجهة التحدي الإيراني بكل أبعاده في التوقيت الصحيح، وبتعاون إقليمي ودولي.