تقاريرثابت

رمضان في غزة.. نار الأسعار تحرق الفقراء وسط حصار خانق

رمضان في غزة تقرير خاص إعداد: نسرين موسى

يحل شهر رمضان المبارك، هذا العام على الفلسطينيين في قطاع غزة، في ظروف استثنائية صعبة، هي الأسوأ منذ سنوات.

وذلك بعد توقف إطلاق النار الذي أعقب حربًا عنيفة بدأت في السابع من أكتوبر، دمرت خلالها آلاف المنازل والبنية التحتية، مما ترك السكان بلا مقومات أساسية للحياة. اليوم، يعيش معظم الغزيين في خيام لا تحميهم من برد الشتاء أو حرارة الشمس، في وقت يواجهون فيه تحديًا أكبر وهو الجوع، نتيجة الحصار المشدد ومنع دخول المساعدات الغذائية والإنسانية.

رمضان للعبادة وليس للأكل

المواطنة سعاد الشنطي، التي نزحت من منزلها المدمر وتعيش في خيمة بمنطقة المواصي قالت: “رمضان هذا العام مشابه للعام الماضي، فنحن لا نزال نعيش كنازحين، وما نحصل عليه من مال لا يكفي إلا لشراء الضروريات الأساسية.”

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

وأضافت، والألم والحسرة تعتصر قلبها: “بمجرد أن يسمع التجار بإغلاق المعابر، ترتفع الأسعار على الفور، وكأننا عدنا إلى زمن أبو لهب”.

وتابعت الشنطي حديثها: “لقد حاولنا إقناع أطفالنا أن رمضان هو شهر عبادة فقط، وليس شهرًا للطعام. فإن حصلنا على مساعدة، تناولنا الطعام، وإن لم نحصل، نتدبر أمرنا بالمعلبات.”

أسعار المواد الغذائية.. نار تلتهم الفقراء

الارتفاع الجنوني في الأسعار جعل الحصول على الغذاء الجيد والصحي رفاهية للكثير من الأسر الغزية، تقول إسلام حسن، أم لثلاثة أطفال: “الخضار أصبحت الآن من الكماليات، على سبيل المثال، وصل سعر كيلو الخيار إلى 22 شيكل، وكيلو الطماطم إلى 15 شيكل، بينما بلغ سعر البطاطا 12 شيكل. أما البيض واللحوم، فصارت من أحلامنا.”

وأضافت بغضب: “التجار لا يرحمون، ولا توجد أي رقابة عليهم. الجميع في السوق يبيع بأسعار مرتفعة دون أي رقيب أو حسيب.”

أما السيدة سلوى إبراهيم، من قرية القرارة، فتتحدث عن المخللات، التي تعتبر من أساسيات مائدة الإفطار الرمضانية: “من الطبيعي ألا أشتري المخللات الآن، فقد أصبح سعر بضع قطع منها 10 شواكل. في السابق، كنا نشتري كميات كبيرة من المخللات والمأكولات الرمضانية، ولكن الوضع الآن أصبح مختلفًا تمامًا، فلا يمكننا تحمل هذه الأسعار المرتفعة. لقد استغنينا عن معظم الأطعمة الرمضانية التي كانت تزين مائدتنا، وأصبحنا نكتفي بالقليل لتلبية احتياجاتنا اليومية.”

وتابعت حديثها: “العديد من العائلات في مثل وضعنا لا تستطيع شراء ما كانت تعتبره من الأشياء البسيطة التي تميز شهر رمضان، وتقتصر على الطعام الأساسي فقط. وفي بعض الأحيان، نضطر للاستغناء عن الكثير من الأطعمة الصحية بسبب غلاء الأسعار، مما يجعلنا نعاني أكثر في هذه الظروف الصعبة.”

أسواق غزة في رمضان.. حركة ضعيفة وأسعار مرتفعة

على الرغم من أن شهر رمضان يعتبر موسمًا للشراء والاستهلاك، إلا أن الأسواق في غزة تعكس واقعًا مختلفًا تمامًا، حيث تسود حالة من الركود وضعف الإقبال بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق.

التاجر سعدو اللمداني، صاحب “مول اللمداني” في خانيونس يصف حالة الوضع قائلاً: “منذ بداية شهر رمضان، البضائع لا تصل إلينا، ولم نحصل على التصاريح اللازمة لإدخالها، ناهيك أن المواطن في قطاع غزة خرج من الحرب بلا مقومات، والكثير فقدوا وظائفهم، لذا فإن حركة الشراء ضعيفة للغاية”.

وأضاف: “لا يوجد إقبال على المواد الغذائية، ومن يشتري يقتصر على كميات قليلة. أما المكسرات واللحوم والمثلجات، فلا أحد يشتريها. الوضع في السوق غير طبيعي، فحتى في بداية رمضان لا يوجد سوى خمسة أشخاص في متجري، فهل هذا يعكس طبيعة السوق في هذا الشهر؟”.

التاجر يتأثر

الركود التجاري لا يؤثر فقط على المواطنين، بل يضر أيضًا بالتجار الذين يعانون من تراكم بضائعهم دون وجود مشترين. يقول التاجر أحمد الهسي، بائع الأدوات المنزلية: “هذا العام، لا يوجد الإقبال المعتاد من النساء كما في السنوات السابقة. الزبائن يسألون عن الأسعار ثم يغادرون دون شراء، رغم أنني أبيع بأسعار أقل من الجملة”.

وأضاف: “نحن التجار في وضع صعب، فبضائعنا تتكدس ونحن غير قادرين على تعويض خسائرنا، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف النقل وندرة السلع.”

إغلاق المعابر.. سياسة إسرائيلية لتجويع غزة

تستمر سلطات الاحتلال الإسرائيلي في تشديد حصارها على قطاع غزة، حيث أصدر رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، قرارًا بوقف إدخال المساعدات والبضائع إلى القطاع بشكل كامل، مما زاد من تفاقم الأزمة الإنسانية.

وأغلقت قوات الاحتلال معبر كرم أبو سالم، الذي يعد المنفذ التجاري الوحيد لغزة، ومنعت دخول جميع الشاحنات، بما في ذلك شاحنات الوقود.

وأكد إسماعيل الثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، أن المساعدات التي دخلت إلى غزة منذ بدء وقف إطلاق النار لا تغطي سوى 20% من الاحتياجات الأساسية.

وأشار الثوابتة إلى البروتوكول الإنساني في اتفاق وقف إطلاق النار ينص على إدخال 600 شاحنة يوميًا، ولكن الاحتلال سمح بدخول أقل من 300 شاحنة يوميًا فقط. وكان من المفترض إدخال أكثر من 25 ألف شاحنة منذ بدء الاتفاق، ولكن ما تم إدخاله لا يتجاوز النصف.

التجويع كأداة للضغط السياسي

يعتمد الاحتلال الإسرائيلي على سياسة التجويع كوسيلة للضغط السياسي على الفلسطينيين، حيث يواصل منع إدخال الوقود، سيارات الدفاع المدني، والآليات الثقيلة، بالإضافة إلى منع دخول 260 ألف خيمة وكرفان، مما زاد من تفاقم الأزمة الإنسانية في ظل نزوح مئات الآلاف من السكان.

وفقًا للتقارير الحقوقية، ارتكب الاحتلال 962 خرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار من خلال استهداف المدنيين، واستمر في فرض سياسة الحصار والتجويع كوسيلة للابتزاز السياسي.

رمضان هذا العام في غزة يختلف بشكل جذري عن الأعوام السابقة، فبدلاً من الاستعداد للسهرات الرمضانية والمأكولات الخاصة، يعيش الفلسطينيون في القطاع تحت وطأة الحصار والجوع، حيث يكافحون للحصول على أبسط مقومات الحياة.

وفي ظل استمرار إغلاق المعابر واحتكار التجار للسلع الأساسية، يبقى المواطن الغزي هو الأكثر تضررًا، محرومًا من حقه في العيش بكرامة. ورغم غموض الأيام المقبلة، فإن المؤكد أن غزة بحاجة إلى تدخل عاجل لإنقاذ سكانها من كارثة إنسانية وشيكة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى