شبكة الخامسة للأنباء - غزة

الخامسة للأنباء – تقرير روان الرنتيسي
يقف رجال الدين ومثقفو المجتمع عاجزين أمام ظاهرةٍ تمتهن كرامة المرأة، وهي ظاهرة زواج الشغار او ما يعرف باسم “زواج البدل”، وهي من التقاليد الاجتماعية القديمة التي يعتقد معظم الأهالي أنها تزيد علاقات الأهل قوةً ومتانة، مما يجعلهم أكثر ترابطًا فيما بينهم، إلا أنها ازدادت ظهورًا في وقتنا الحاضر لأسباب عدة، منها توفير مال المهر كما هو معروف حاليًا، والذي يعتبر هدية للمرأة، وبالتالي تقليص تكاليف الزفاف.
ويرى كثيرون بأن هذا الزواج ما هو إلا إهانة للمرأة ويتعامل معها كـ”سلعة تجارية” يمكن مقايضتها بسلعة أخرى دون الرجوع إليها، وهي ظاهرة خطيرة تقود في كثير من الحالات إلى العنف والقتل والانتحار.
من جهته، عرَّف -رئيس قسم الشريعة الإسلامية في الجامعة الإسلامية بغزة- الدكتور ياسر فوجو زواج الشغار بأنه” أن يقول الرجل لآخر أزوجك ابنتي على ان تزوجني ابنتك، أو أزوجك أختي على أن تزوجني أختك، أي يجعل المبادلة بين الزوجات”.
وذكر “فوجو” صور أخرى لزواج البدل وهي ” أن يقول الرجل أزوجك ابنتي بمهر 2000 دينار مثلاً، على أن تزوجني ابنتك بمهر 2000 دينار، فالصورة الأولى كانت كل واحدة من المعقود عليهن مهرٌ للأخرى، أما الصور الثانية فالشرط هو ما أفسد العقد وهي صورة باطلة في الحالتين”، على حد تعبيره.
⭕ما حكم زواج الشغار؟
وأضاف “فوجو”” نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن زواج الشغار، وعلة التحريم بذلك: أولًا من ناحية القواعد، فلا يجوز التداخل بين العقود، حتى في التجارة فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة، وهنا العقود متداخلة، بمعنى صورتين زواج بعقد واحد، وهذا لا يجوز من حيث التأصيل والقواعد”.
وتابع” اما من حيث الإنسانية والواقع ففيه امتهان للمرأة، فالإسلام جاء وأعز المرأة ورفع من شأنها وأثبت لها الحقوق وأثبت عليها الواجبات وأنقذها من السقوط الأخلاقي والاجتماعي والتهميش والظلم”.
ونوه فوجو إلى أن العبرة من المهر في عقد الزواج الصحيح” هو اعزاز للمرأة ورفعة لها، بمعنى أن المرأة انسانة تستحق المهر، وهو هدية لها وليس أجر أو ثمن، ويدلل على شأنها العظيم وأنها تستحق، وقد أوجب لها النفقة والاهتمام والتقدير والاحترام وأباح لها الاستمتاع بزوجها كما أباح للزوج الاستمتاع بزوجته”، مبيناً ان هذا العقد ” الشغار” ينافي تكريم المرأة واعزازها وينافي المقاصد التي جاء بها الإسلام لتكريم المرأة.
• هل من سبيل لمن وقع في هذا الزواج؟
واسترسل “فوجو” قائلًا: في حال وقع هذا الزواج فإنه يمكن تصحيحه بأن نعقد على كل واحدة من المعقود عليهن بعقد مستقل وجديد ونصحح هذه العلاقة لا أن نفرق بينهم، والأولى تصحيح العقد بدلًا من التفريق، خاصةً إذا حدث دخول بين الزوجين، فنوجد لهم الحل الشرعي بأن هناك فرصة لتصحيح العقد وجعله شرعي”.
وقال:” إن زواج الشغار ينسف حقوق المرأة، فعندما يكون مهر الزوجة الأولى هو الزوجة الثانية فقد ضاع مهر المرأة وذهب اعزازها، لذلك فالمهر من حق الزوجة ولا يجوز لكائن من كان أن يدير هذا المهر، فهي المالكة المتصرفة، وهي التي تستطيع أن تديره، دون أن يملي عليها أحد بكيفية التصرف فيه، لأنه حق خالص للزوجة”.
وأضاف “فوجو”: يمكن توعية الشباب من خلال الدور الاجتماعي والدعوي والمؤسسات الخاصة، والأصل أن تقوم المحاكم الشرعية بعمل منشورات بشكل دوري، وتوعية الشباب المقبلين على الزواج، وعلى الخطباء في المساجد عمل نشرات تثقيفية، بحيث تُبنى مثل هذه العلاقات على أسس متينة شرعية، أو من خلال سؤال المأذون للخاطبين عن ماهيّة هذا الزواج؟ هل هو زواج صحيح أم زواج شغار فإذا وجد المأذون شيء من هذا القبيل عليه أن يوقف هذا الزواج”.
واسترسل ” نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن زواج الشغار، ويكفي شرفًا للنساء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة الوداع ” استوصوا بالنساء خيرًا”، ثم قال عليه الصلاة والسلام: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي، أي لزوجاتي، فالإنسان ان كان لابد من تقديم شيء طيب، فأهل الرجل “زوجه وأفرد أسرته” أحق الناس بهذا، سواء كان كرم في النفقة أو في الابتسامة، أو في الكلمة الطيبة”.
وذكر فوجو” في هذه الأيام نجد الكثير من الرجال خارج البيت مبتسمًا وضحوكًا وصاحب فكاهة حتى إذا ما دخل البيت تعامل بكشرة وجدِّية، والأولى أن يحصل العكس، فكل هذه الأحاديث بوصاية النبي تدلل على كيفية بناء العلاقة الزوجية على أسس متينة والبعد عن الأشياء المحرمة”.
وأشار إلى أنه يمكن أن يكون الزواج الطبيعي حرام وان كانت صورة العقد صحيحة 100%، مع وجود الايجاب والقبول و الشهود والولي، وكتب الكتاب والمهر، مستدلاً على ذلك بقوله :” ففي حال تزوجتُ امرأة واضمرت في نيتي ومتيقن بأني سأظلمها أو ألحق الضرر بها، لتصفية حسابات مع أهلها فهذا حرام، وان كان مكتمل الشروط والاركان، فحتى الزواج الشرعي في بعض الصور يأثم فاعله ، فكيف بزواج غير مشروع أصلا”.
كما قال رسولنا الكريم:” لا نكاح الا بولي وشاهدي عدل، وفسر الفقهاء “لا نكاح” أي ليس له أثر ولا وجود له أصلًا اذا اختل أي شرط او ركن من الأركان، فكيف بنكاح الشغار والذي في الأصل باطل”.
وختم فوجو: “هناك من يسمي زواج الشغار بزواج البدل، بمعنى أن يقول الناكح أزوجك ابنتي على ان تزوجني ابنتك، حتى وان كان كل واحدة منهما في مهر مستقل، فهو باطل لأنه يوجد هنا شرط، أو يتم تصحيح العقد ونبطل الشرط بمعنى أنت مخير أن أردت أن تتزوج ابنتي”.
وذكر أن هذه التصرفات تؤثر سلبا على المجتمع، فمثلا ” هناك بعض الحالات قد تم التناسب فيما بينهم قدرًا بمعنى أن النساء أصبحوا بدائل دون اشتراط فلو حصلت مشكلة مع أحد الطرفين ستؤثر على الطرف الآخر، لذلك يكره البدل من غير الشغار، فلا بد من الاستقلالية الكاملة في عقود الزواج، ولا تكون متشابكة لأن أثرها الاجتماعي سيء والنواهي الشرعية نهت عن هذه الصورة”.
“فرح” ٢٥ عاما قالت ل-الخامسة للأنباء- :” لم يكن لي من اسمي نصيب بعد قيام والدي بتزويجي لابن عمي، وتزويج أخي بابنة عمي كزواج بدل بيننا، فمنذ أيام خطبتي وأنا أعاني من تفكير ونظرة ابن عمي لي، وقد كان يُهينني بعبارة أني حصلت عليك “ببلاش”، وكانت حياة اخي وزوجته هادئة كون أمي تخاف على بيت أخي فلم تتدخل في حياتهم، وفي اليوم الذي قررت الانفصال عن ابن عمي، فقد وقف في وجهي أبي وأخي، وطلبوا مني الصبر والاحتساب حتى لا يهدم بيت أخي، وأنا الآن أعيش أسوء أيامي ومجبرة على البقاء على وضعي”.
من جهته قال- دكتور الخدمة الاجتماعية في الجامعة الإسلامية- الدكتور أحمد الرنتيسي، :”إن زواج الشغار أو البدل يعد ظاهرة اجتماعية عمت المجتمعات العربية قديما ومازالت منتشرة حتى وقتنا الراهن، وبالاضافة إلى اني لا أتفق عليها ولا أفضلها لما لها من آثار اجتماعية سليبة على طرفي الزواج، فإن بعض المذاهب حرمتها لتداعياتها السلبية على المرأة وحقوقها.
وأوضح الرنتيسي: “هناك العديد من الأسباب التي تدفع العائلات للاتجاه نحو زواج البدل، منها أسباب اجتماعية كوصية الاهل على ابنتهم وأنهم أصحاب الكلمة الفصل في تقرير مصيرها، بالإضافة إلى انتشار الفقر، حيث تفضل بعض العائلات زواج البدل للتهرب من المهور المرتفعة والاقتصار على مبالغ مالية رمزية بين الأزواج”.
واشار الى ان “ارتفاع نسبة العنوسة في المجتمعات دفعت العائلات لتزويج بناتهم بأقل التكاليف، بالإضافة لانتشار الجهل بحقوق الأزواج، وعدم ادراكهم لخطورة زواج البدل على بناتهم في المستقل.
ونوه الرنتيسي”إلى من وقع ضحية لزواج البدل عليه أن يصبر ويحتسب، خاصة وإن كان بينهم أطفال، بالتالي فإن الانفصال أو الطلاق له آثار سلبية على الأطفال، وبالتالي تفكك الاسرة والمجتمع.
وذكر الرنتيسي العديد من الشروط الواجب توافرها ليكون زواج البدل صحيحًا وهي “الموافقة والرضا التام من قبل طرفي الزواج على زواج البدل، بحيث يكون المقبلين على زاوج البدل راشدين مدركين لهذه الخطوة، وأن يقرن زواج البدل بمهرين مختلفين يحدده كل طرف على حدا، مع عدم اقران استمرار زواج البدل باستمرار الطرف الاخر، فقد يطلب أحد الطرفين الانفصال مع عدم الاشتراط بأن يؤدي هذا الانفصال الي انفصال الطرفين الاخرين، مع وجود شهود على هذا الزواج، وإعطاء جميع الأطراف في زواج البدل حريتهم وحقوقهم في تقرير مصيرهم.
ولفت الرنتيسي إلى أن” هناك صعوبات ومشاكل قد تترتب على زواج البدل أهمها انعكاس الخلافات الأسرية لدى أحد أطراف زواج البدل على الأطراف الأخرى، كأن يهدد الزوج بتطليق زوجته وفي المقابل يهدد الزوج الآخر بتطليق زوجته والتي تكون اخت الزوج في الطرف الأول، ووجود التوتر لأقل الأسباب خوفًا من الانفصال نتيجة للخلافات الواقعة، بالإضافة إلى الغيرة والمقارنات التي يمكن ان تحصل بين طريفي الزواج كأن يقارن أحد الاطراف حياته بحياة الطرف الآخر، والتفكك العائلي في حالة حدوث طلاق بين أطراف زواج البدل.
وأكد الرنتيسي على ضرورة توعية الآباء والشباب المقبلين على زواج البدل بالآثار السلبية له” من خلال تبصيرهم بالحالات التي وقعت بهذا النوع من الزواج والفشل الذي تحقق منه، كما يجب على الخطباء والأئمة في المساجد بالتوعية بخطورة هذا النوع من الزواج، وكذلك دور وسائل الاعلام الجديد في هذا الجانب”.
وحمّل الرنتيسي مسؤولية هذا الزواج لعدة اطراف “اولهم: الوالي أو الوصي على الابن أو البنت في زواج البدل والذي من المفترض ان ينظر لخطورة هذه الظاهر ويبتعد عن الحسابات والمكاسب الشخصية والذاتية من زواج البدل وأن يعطي للأطراف حرية الاختيار وحرية تقرير مصيرهم، أما الطرف الثاني وهي المسؤولية الحكومية من خلال وزارة الأوقاف والشؤون الدينية والمحاكم الشرعية أن توقف تشريع هذا النوع من الزواج، بالإضافة لطرف الثالث وهو الشخص نفسه (الفتي ، الفتاة) المقبل على زواج البدل بأن يرفض هذا النوع من الزواج إذا كان يتمتع بالحرية وتقرير المصير، والطرف الرابع هم المخاتير والوجهاء في المجتمع لهم دور كبير ويتحملون جزء من المسؤولية في هذه الظاهرة.
وطالب الرنتيسي بضرورة التوعية بخطورة زواج البدل من خلال تنظيم ندوات ولقاءات توعوية بخطورة هذه الظاهرة، من خلال الاعلام الجديد فقد يمكن عرض العديد من الحالات التي وقعت بزواج البدل والحالات التي توصلوا لها نتيجة هذا الزواج.
ووجه الرنتيسي بعض الرسائل لشباب المقبلين على الزواج بأن يرفضوا هذا النوع من الزواج لخطورته الاجتماعية والنفسية على حياة الفرد، والتفكير بالزواج بعيدًا عن زواج البدل، وأن يكون لدى الشخص الحرية الكاملة بتقرير مصيره بشكل مطلق عند الاقدام على الزواج وألا يكون مسلوب الإرادة، وان يتقدم للزواج من الفتاة التي يرغب في الزواج منها دون أي قيود خارجية (اسرية عائلة، مجتمعية)، بالإضافة إلى ان يتم الزواج بالرضى المطلق بين الطرفين على الزواج، وأن لا يسمحوا طرفي الزواج للأهل والعائلة في تقرير مصيرهم في الزواج وان يتزوجوا وفقاً لرغباتهم ومصائرهم.