سائد أبو نبهان .. شهيد العدسة الذي سطر الحقيقة بدمه
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

سائد أبو نبهان.. إعداد: طارق وشاح
وُلد الصحفي الفلسطيني سائد صبري أبو نبهان في 12 نوفمبر 1999، في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، ونشأ في بيت بسيط حمل في جدرانه حب الوطن والصبر على الشدائد. تربّى سائد على الإصرار، وكبر وهو يحمل همّ شعبه ويبحث عن العدالة بعدسته.
ارتقى سائد شهيدًا تاركًا خلف طفله الوحيد “أنس”، الذي لم يكن قد تجاوز من العمر 18 شهرًا.
درس الإعلام في كلية العلوم التطبيقية بغزة، وعمل مصورًا صحفيًا في قناة “الغد”، حيث كان أحد أبرز من نقلوا بعدساتهم فصول المجازر والدمار في النصيرات والمناطق المنكوبة.
لم يعرف الخوف طريقًا إلى قلبه، فكان يتقدّم نحو مواقع القصف، يبحث بين الأنقاض عن حكايا من فقدناهم، ويُخلّد الحقيقة في صورٍ أراد الاحتلال الإسرائيلي طمسها.
من ذاكرة الزوجة.. براءة تكتب بالفقد ما يعجز عنه الكلام
تقول زوجته براءة حميدة:
“سائد كان قلبًا يسع الجميع. يطعم المحتاجين قبل أسرته. علاقتنا القصيرة كانت أجمل فصول حياتي: زوج حنون، أب عطوف، وسند لا يعرف اليأس.”
وتضيف بحرقة:
“يوم استشهاده مزّق روحي ما زلت أسمع صوته وأترقب خطواته. كان فرحتي وحبي، سقى الله وجهه البشوش من نهر الكوثر، وجمعني به في جنات النعيم.”
سائد لم يكن مجرد مصوّر، بل شاهد حيّ على الحقيقة، ومراسل كتب بدمه سطورًا خالدة عن غزة وألمها وصمودها.
رفيق الدرب: الصحفي محمود اللوح يروي ذكرياته مع سائد
“عملت مع سائد منذ بداية الحرب على غزة، كنا نتنقل بين الركام والدمار، نوثّق الألم والأمل. كان شعلة من النشاط، يسبق الجميع إلى قلب الحدث، وكأن عدسته تصرخ للعالم: هذه حكايتنا.. وهذا دمنا!”
يتذكر الصحفي محمود اللوح اللحظات التي جمعته بزميله الشهيد، ويقول:
“كنت مراسلًا لقناة الغد، ورشّحت سائد للعمل معنا لما رأيته فيه من موهبة نادرة. لم يكن مجرد مصوّر، بل عينًا لا تنام، وروحًا لا تكلّ. على مدى 4 أشهر، عملنا كتفًا إلى كتف، تشاركنا الوجع، والوجبة الواحدة، والانهاك… لكنه لم يشتكِ يومًا.”
ويتابع:
“كان سائد هادئًا، متواضعًا، خلوقًا، كريمًا، ومتعلقًا بطفله أنس حدّ الجنون. كثيرًا ما كان يمرّ لرؤية أنس أثناء التغطيات، يحتضنه لدقائق، يهديه لعبة بسيطة، ثم يعود للكاميرا كأن شيئًا لم يكن”.
ويختنق صوته وهو يقول:
“كان يحلم أن يرافق أنس في أول يوم دراسي، لكن الاحتلال سرق الحلم، وسرق صاحبه”.
في 10 يناير 2025، وأثناء تغطيته لعمليات إنقاذ بعد قصف عنيف استهدف مخيم النصيرات، تعمدت قوات الاحتلال إطلاق النار على الصحفيين وطواقم الإسعاف.
أُصيب سائد برصاصة في الظهر، أردته شهيدًا على الفور، وارتقت روحه وهو يُمارس رسالته بصدق.
في اليوم التالي، شيّعت غزة جثمانه في موكب جنائزي مؤلم، ودُفن في مقبرة الشهداء بالزوايدة، بين دموع والدته التي لم تودّع فقط ابنها، بل ودّعت الحلم والأمل والسند.
سائد… شهيد الكاميرا الذي لم تَمُت قصته
لم يكن سائد أبو نبهان رقمًا في قوائم الشهداء، بل صوتًا حيًا سطّر الحقيقة بدمه.
عدسته ستبقى شاهدة على بشاعة الاحتلال، وصوره ستظل وصمة على جبين الصمت الدولي.
غاب سائد، لكن إرثه الإعلامي سيظل حاضرًا، يُلهم من بعده أن الحقيقة لا تُكتم، ولو بالدم.