تقاريرثابت

شتاء غزة بين خيام وأنقاض… ملجأ بلا حماية

تقرير: سهر دهليز

رغم الهدنة الحالية، لا تزال تداعيات ومعاناة الحرب تلاحق النازحين في قطاع غزة، حيث مازال يعيش عشرات الآلاف من المواطنين في العراء بعد أن دُمرت منازلهم بسبب العدوان الأخير، بين ركام الذكريات والبرد القارس، يقضي هؤلاء النازحون لياليهم داخل خيام لا تقيهم المطر ولا تحميهم من الرياح العاتية. ومع دخول المنخفض الجوي، باتت هذه الخيام سجونًا من البرد تهدد حياة ساكنيها، حيث تبللت الأغطية، وغرقت الأمتعة، وتجمد الأطفال في حضن آبائهم العاجزين، و تسربت مياه الأمطار إلى داخل الخيام، وتطاير بعضها مع الرياح، تاركة الأسر بلا مأوى تحت سماء لا ترحم.

أسوأ من اتفاق الهدنة

يقول المواطن عبدالله صبح النازح في منطقة مواصي خانيونس بالقرب من ميناء الصيادين: “ظننت أن الأسوأ قد انتهى بعد اعلان اتفاق الهدنة ووقف القصف الإسرائيلي، لكن البرد والمطر أكملا ما بدأته الحرب، في الساعات المبكرة من الليل اشتدت سرعة الريح واقتلعت أوتاد الخيمة وتمزقت، وسقطت الأخشاب والأغطية المحيطة بالأرض التي نقيم بها خيمتنا”.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

وأضاف: “لم يكن لدينا وقت لتأمين خيامنا عندما بدأ المنخفض، فجأة ضربت الرياح خيامنا وسقطت فوق رؤوسنا حاولنا إعادة نصبها، لكن المطر كان غزيرًا والأرض تحولت إلى وحل بسرعة البرق، وكما تطاير شادر المرحاض، وحتى هذه اللحظة مازلت أقطن أنا وأطفالي وأمي المسنة المقعدة في العراء دون حول لي أو قوة، لاستمرار المنخفض برياحه القوية والمياه التي أغرقت الخيمة بما تحتويها”.

وأشار صبح والألم يعتصر قلبه، إلى أنه لم يستطع العودة لمنزله الذي دُمر بالكامل وسوي بالأرض، أو الوصول لبقايا أنقاضه بسبب تواجد آليات الاحتلال بالمكان كونه من سكان منطقة تل السلطان غرب مدينة رفح بالقرب من محور فيلادلفيا، والتي أعلنها الاحتلال بأنها منطقة “حمراء خطرة”.

منخفض وخيام لا تصلح للحياة

أما المواطن محمود المغاري النازح بمخيم الأصدقاء في مواصي رفح يروي قصة معاناته قائلاً: “كنت وعائلتي نستعد للنوم كالعادة في ساعات الليل، وإذا بموجه رياح قوية تحول دون ذلك لنبقى نصارع الرياح في الحفاظ على بقاء الخيمة التي تؤوينا، إلا أن مياه الأمطار اجتاحت خيمتنا لتغرقها بكل ما تحتويه من فراش وأغطية حتى الحطب الذي كنا نستخدمه للتدفئة أصبح رطبًا وغير صالح للاستخدام”.

وأضاف: “لم يكن الحال يقتصر على خيمتنا بل أن خيام المخيم الذي نزحنا فيه جميعها لا تصلح للحياة فهي مجرد قطع نايلون بالكاد تحمينا من الشمس، فكيف ستصمد أمام المطر؟ ليلة أمس، سقطت خيام وأخرى تطايرت من شدة الرياح، وبقينا طوال الليل في العراء دون مأوي يحمينا من الرياح والمطر، وكأننا تُركنا لنواجه الموت البطيء”.

ولفت المغاري إلى قيامه هو وشباب المخيم الذي يقطنون فيه بإعادة بناء بعض الخيام من أجزاء ما تبقى من الخيم المتطايرة من أجل إيواء النساء والأطفال من العراء والبرد والرياح الشديدة التي زادت الطين بله على أوضاعهم المأساوية التي يعانوا منها في ظل نزوحهم وعدم تمكنهم من العودة لأماكن سكناهم في مدينة رفح التي مازال الاحتلال الإسرائيلي يقطن بها ويصنفها بالمناطق الحمراء والخطرة.

وناشد المغاري جميع الجهات المعنية ومؤسسات حقوق الانسان والصليب الأحمر بالنظر لأوضاعهم بعين الرأفة والرحمة لمساعدتهم في إعادة بناء المخيم، وتحسين أوضاعه في ظل الشتاء والبرد القارص الذي يعانوا منه في ظل شح المواد والغلاء الذي طال كافة مناحي الحياة.

أنقاض منازل مدمرة

ولا يختلف الحال كثيراً مع آلاف الفلسطينيين الذين عادوا لمنازلهم المدمرة بعد اعلان اتفاق الهدنة والسماح لهم بالعودة لمناطق سكناهم في غزة وشمالها، ليجدوا منازلهم لم تعد تصلح للإقامة والحياة فيها؛ فالسقوف إما منهارة أو مليئة بالشقوق التي سمحت لمياه الأمطار بالتسرب، بينما الجدران التي لا تزال قائمة بالكاد تصمد أمام الرياح العاتية.

أم محمد تروي مأساتها قائلة: “بعد اعلان اتفاق الهدنة والسماح لنا بالعودة لمناطق سكننا السابق في مدينة غزة، جمعنا كل ما نستطيع حمله وعدنا لبقايا منزلنا المدمر من قبل الاحتلال الإسرائيلي، حيث لم يتبقَ من منزلي سوى بضع جدران متصدعة”.

وأضافت: “لم يكن لدينا خيار سوى العودة إليه بعد أن أصبح البقاء في الخيام مستحيلاً بسبب البرد وضيق مراكز الإيواء بالنازحين لكننا لم نتوقع أن تمطر السماء داخل بيتنا! المياه تتسرب من كل مكان، فلا يوجد سقف يحمي رؤوسنا، والبرد شديد، أطفالي ينامون متلاصقين لعلهم يشعرون بالدفء، لكن لا شيء يوقف البرد الذي يتغلغل في عظامنا”.

وأوضحت أم محمد أنها لا تملك إلا بعض البطانيات القديمة، وكلها تبللت بسبب المطر، وكنت أتمنى لو كنت وجدت منزلي الآمن بخير بجدرانه القوية التي تحمينا من البرد والمطر، لكن “هذا حلم بعيد المنال”.

الآثار الاجتماعية والنفسية

وعن الآثار النفسية والاجتماعية أكد الأخصائي النفسي والاجتماعي إبراهم مطر أن الوضع النفسي للعائلات النازحة بات مقلقًا، وأن العيش في خيام وسط البرد والمطر والظروف المعيشية الصعبة يزيد من حدة التوتر والضغط النفسي على الأسر، خاصةً بعد أن فقدوا كل شيء، ناهيك عن الأطفال الذين يعانون من هذه الظروف، حيث يفتقرون إلى بيئة آمنة وصحية للنمو.

وأضاف: “أن تأثير المنخفض القطبي على خيام النازحين في مدينة رفح يعكس حالة من التحديات الإنسانية المستمرة التي يواجهها سكان القطاع، خصوصًا النازحين الذين دمرت منازلهم في ظل هذه الظروف، حيث يبقى الحل الأكثر إلحاحًا هو توفير إغاثة عاجلة وتحسين الظروف المعيشية من خلال توفير الملاجئ المناسبة والمساعدة الطبية والنفسية”.

وتابع مطر: أن حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة في البنية التحتية ووفق الإحصاءات الحكومية، فقد تعرضت 161 ألفًا و600 وحدة سكنية في قطاع غزة، للهدم الكلي بفعل القصف الإسرائيلي، إلى جانب 82 ألفا أخرى أصبحت غير صالحة للسكن، و194 ألفًا تضررت بشكل جزئي بدرجات متفاوتة، ويترتب على تلك الإحصائية بقاء عشرات آلاف العائلات بلا مأوى يقي الصغار والكبار من حرارة الصيف وعواصف الشتاء.

لم تنتهِ معاناة أهالي قطاع غزة مع اعلان اتفاق الهدنة و توقف القصف الإسرائيلي، بل اتخذت شكلاً جديدًا مع برد الشتاء القارص، حيث مازال النازحين العائدين لمنازلهم المدمرة يواجهون يوميًا تحديات تهدد حياتهم، والنازحين الذين يقطنون الخيام يواجهون فصلاً أخر من المعاناة، ليبقى الحل الوحيد هو توفير مساكن آمنة قبل أن تزداد الأوضاع سوءًا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى