مقالات الخامسة

شذى أبو سلعة: ماذا يعني أن تكون صحفيًا؟

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

ماذا يعني أن تكون صحفيًا..

لم نكن مجرد ناقلي أخبار، بل شهود عيان على جرح لا يتوقف عن النزف.

عامان من الحرب على غزة لم يتركا خلفهما الركام فقط، بل تركانا نحمل في أرواحنا ما هو أثقل من الكاميرا، وأقسى من الشهادة الصحفية؛ تركونا نحمل الحصار والمجازر والمجاعة والفقد.

كنا نخرج للتغطية ونحن جوعى..لا مبالغة في هذا، فكثير من الأيام لم نملك سوى نصف رغيف خبز نتقاسمه بين الزملاء في المشفى التي نغطي فيها، أو قطعة تمر صمدت من مساعدات وصلت.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

الجوع كان واضحًا في عيوننا، لكنه لم يظهر في تقاريرنا، كنا نترك ألمنا جانبًا لننقل ألم الناس.

نتنقل بين المستشفيات وخيام النزوح، نغطي المجازر، نركض خلف الإسعافات والاستهدافات. ولا نعلم ان كنا سنعود أم سيكون مصيرنا مثل زملاءنا الذين سبقونا.

أذكر أنني في إحدى المرات كنت أغطي المجاعة في مخيم للنازحين في وسط القطاع. وأحد الأطفال أعطاني حبة تمر قديمة قائلاً”خذيها، انتو كمان لازم تاكلوا” ، لم أستطع الرد، كنت جائعة فعلًا. شعرت أن الكاميرا ثقيلة، أن الصوت لايخرج، أنني انا من تُوثق الآن، لا العكس.

نقلنا مشاهد مؤلمة لا تُنسى، أطفالاً يموتون من الجوع.. نساء يُغمى عليهنّ من شدة الجوع، أمهات يبكين لأن الحليب مقطوع، وأكباد تتقلب على الأرض في انتظار اي شيء. كانوا الناس يهربون من مكان الحدث ونحن نتسابق اليه لننقل الحدث كما هو.

كنا هناك دومًا؛ نحاول أن نبقي الكلمة حية، حتى لو بُح الصوت من التعب.

اليوم وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، نظرها انتهت.. لكنها تركت فينا أشياء لا تزول، كصحفية لا أنسى من فقدت من زملاء. ولا اللحظات التي كنا نرتجف فيها من الخوف والجوع ونُكمل البث المباشر وكأننا بخير.

نعم، نحن الصحفيين في غزة نجونا.. لكن بالكلمة وحدها.

كلمة حملناها فوق الجوع، والقصف، والمجازر، لنقول للعالم:

نحن هنا، نكتب لنعيش ، ونروي لنُبقي الحقيقة على قيد الحياة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى