تقاريرثابت

شهود تحت النار.. كيف غطت الصحافة حرب غزة وما الذي تغير بفعل صورها؟

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

كيف غطت الصحافة حرب غزة.. تقرير خاص إعداد: طارق وشاح

منذ انطلاق شرارة الحرب على غزة في السابع من أكتوبر 2023، تحوّلت غزة إلى بؤرة اهتمام إعلامي عالمي، لكن هذا الاهتمام لم يكن متكافئًا: فبين صحافة فلسطينية محلية تروي القصة من قلب الكارثة وسط ظروف بالغة القسوة، وإعلام دولي واجه قيوداً خانقة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، هذه الديناميكية أثّرت بعمق على الرأي العام العربي والعالمي، وأشعلت موجات احتجاج ومقاطعة، ودفعت نحو تحولات دبلوماسية لافتة.

صوت الحقيقة وسط الركام : كيف نقل الإعلام الفلسطيني الأحداث؟

في ظروف لا يمكن وصفها إلا بالكارثية، كان الصحفيون والمؤسسات الإعلامية الفلسطينية هم العين الأساسية للعالم على ما يحدث في غزة، رغم انقطاع الكهرباء، وشح المعدات ورغم حصارٍ للمستشفيات ونقص فادح في المعدات، محولين قصص الموت والمعاناة اليومية إلى مواد مصورة ونصوص تصل إلى الملايين، قد قدموا معظم اللقطات المصورة والشهادات المباشرة التي اعتمدت عليها القنوات العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي.

الإعلام العالمي يعتمد على المراسل المحلي: بسبب منع دخول الصحفيين الأجانب، أصبح العالم كله أسيراً للرواية الفلسطينية. اللقطات المرتجلة من الهواتف، الصور الذاتية من داخل المستشفيات، البث المباشر من بين الأنقاض، كلها أصبحت مواداً ثمينة تتناقلها أكبر وسائل الإعلام العالمية.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

سياسة منع الصحفيين الأجانب: لماذا منعت الكاميرات الدولية؟

فرضت قوات الاحتلال الإسرائيلي قيوداً صارمة منذ اليوم الأول للحرب على دخول الصحفيين الدوليين إلى قطاع غزة، وسمحت بدخول مجموعات صغيرة تتبع لهم تحت إشراف عسكري مشدد، وفي أحيان كثيرة أُغلق المعبر بالكامل، هذه السياسة أثارت استنكاراً واسعاً من نقابات الصحافة والمنظمات الدولية، التي طالبت بـ “حق الوصول” واعتبرت المنع حرماناً متعمداً للعالم من شهادة مستقلة.

عندما يصبح الصحفي هدفاً

سجلت هذه الحرب رقماً غير مسبوق في عدد الصحفيين الذين استشهدوا أثناء تغطية الحرب. وفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة. بلغ عدد الصحفيين والشهداء من العاملين في المجال الإعلامي الذين استشهدوا في قطاع غزة أكثر من 255 صحفيًا من بين الضحايا 27 صحفية. إضافة إلى 433 مصابا و48 معتقلا من خلال تغطيتهم للعدوان الإسرائيلي. وتصف منظمات مثل “لجنة حماية الصحفيين” و”اليونسكو” ما حدث بأنه “الأكثر دموية بحق الصحفيين في تاريخ النزاعات الحديثة”.

تدمير وسائل الإعلام: إسكات صوت الحقيقة

لم يقتصر الأمر على استهداف الصحفيين فقط ، بل تعرضت البنية التحتية للإعلام في غزة لتدمير منهجي. دُمّرت مكاتب المؤسسات الإعلامية وخيام الصحفيين ومستودعات المعدات، وبحسب بيانات رسمية فلسطينية. دمّر الاحتلال 12 مؤسسة صحفية ورقية و23 رقمية و11 إذاعة و16 فضائية. إضافة إلى 5 مطابع كبرى و22 مطبعة صغيرة و53 منزلا لصحفيين، هذا التدمير أفقد الإعلام المحلي قدرته على العمل بفاعلية، وزاد من اعتماد العالم على المعلومات المتفرقة واللقطات القصيرة من منصات التواصل، بدلاً من التقارير المتكاملة.

تأثير الصورة: كيف هزت المشاهد الرأي العام وأشعلت الحراك؟

كانت الصور ومقاطع الفيديو القادمة من غزة هي الوقود الذي أشعل مشاعر التضامن في الشارع العربي والعالمي. تلك المشاهد المروعة للمدنيين والأطفال تحت الأنقاض حولت الإحصاءات المجردة إلى مأساة إنسانية ملموسة، مما ضغط على الحكومات للتحرك.

صحوة شعبية وطلابية: انتشرت موجة من المظاهرات والاعتصامات غير المسبوقة في الجامعات والساحات العامة من الولايات المتحدة إلى أوروبا والعالم العربي، حمل المتظاهرون لافتات تطالب بوقف الحرب ودعم الحقوق الفلسطينية، ووصلت الاحتجاجات إلى حد الاعتصامات الطلابية المطولة التي سلطت الأضواء مجدداً على القضية.
مقاطعات ذات تأثير حقيقي: تحول الغضب الشعبي إلى فعل، من خلال حملات مقاطعة واسعة للشركات والمنتجات التي يُنظر إليها على أنها داعمة للاحتلال. وكذلك مقاطعات في المجالين الثقافي والأكاديمي. على الصعيد الرسمي، دفعت هذه الضغوط بعض الحكومات لإعادة النظر في مواقفها. بل والبدء في خطوات دبلوماسية للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

مواقف عالمية: من يدعم حق الصحفي في الرواية؟

دانت الأمم المتحدة ومنظمات مثل “اليونسكو” و ” مكتب حقوق الإنسان ” استهداف الصحفيين بشكل متكرر. وطالبت بتحقيقات مستقلة وحماية للعاملين في الإعلام، كما دعت إلى رفع الحصار الإعلامي عن غزة. و تضامنت أكثر من 100 وسيلة إعلامية كبرى في حملة مشتركة للاحتجاج على منع الوصول واستهداف الزملاء. مطالبين بالحق في تغطية الحرب دون خوف.

في النهاية، أثبت صحفيو غزة أن الحقيقة لا تموت، رغم كل المحاولات لإسكاتهم، استمروا في النقل، في التصوير، في الكتابة. كانوا يعلمون أنهم قد يدفعون حياتهم ثمناً لكل صورة، كل تقرير، لكنهم آمنوا بأن رسالتهم أهم من حياتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى