أقمار الصحافةالرئيسية

شهيد الكاميرا والقضية: إسماعيل الغول يرقد صامتا وزينة تناديه

عاش ليروي الحكاية وارتقى وهو يرويها..

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

إسماعيل الغول من رواية الحقيقة إلى أن أصبح عنوانها.. إعداد: آمنة غنام

لم يكن إسماعيل الغول مجرّد صحفي ينقل ما يحدث في غزة، بل كان صوتًا وصورةً لوجع الناس وحقيقتهم. عاش يحمل ركام البيوت وأشلاء الضحايا أمام الكاميرا، حريصًا على أن تصل القصة كما هي، بلا تحريف أو تزييف.

وُلد الشهيد إسماعيل ماهر الغول في الرابع عشر من يناير عام 1994م  في مخيم الشاطئ بمدينة غزة ، ترعرع في حارات المخيم ودرس على مقاعده الدراسية ، ثم تحصل على شهادة بكالوريوس من الجامعة الإسلامية بغزة.

تزوج من ملك الزرد وأنجب طفلته الوحيد “زينة ” التي حُرم من رؤيتها بعد شهرين من انطلاق طوفان الأقصى بسبب ظروف عمله وأوامر الإخلاءات والنزوح المتكرر.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

عمل الشهيد الغول في مجال الصحافة المكتوبة مراسلًا لصحيفتي الرسالة وفلسطين المحليتين، ليلتحق فيما بعد بالعمل التلفزيوني من خلال عمله مع العديد من شركات الإنتاج الإعلامية في قطاع غزة.

كانت بداية عمله في فضائية الجزيرة نقل الأخبار من خلال مداخلات هاتفية، لاحقا مع اشتداد وتيرة الحرب أصبح يظهر في بث مباشرة من قلب مدينة غزة ومناطق الشمال.

الظهور الأخير..

في يوم 31 /7/2024 ظهرَ إسماعيل الغول على شاشة قناة الجزيرة في بثّ مباشر في نشرة أخبار الظهيرة حيث ظهر من أمام منزل إسماعيل هنية المدمَّر في قطاع غزة متحدثًا عن مشاعر الغزيين وردود فعلهم حين سماع خبر اغتيال القائد في حركة حماس إسماعيل هنية في غارة إسرائيلية بالعاصمة الإيرانية طهران.

لم يكد يمرُّ الكثير من الوقت بعد ظهور الغول على شاشة الجزيرة حتى نفذت إسرائيل بُعيد الخامسة مساءً بقليل (توقيت فلسطين) غارة جويّة بجوار منزل إسماعيل هنية في مخيم الشاطئ وهو الموقع الذي كان فيه إسماعيل الغول ورفيقه المصوّر رامي الريفي.

استهدفَ القصفُ سطح منزل مجاور لمنزل الشهيد إسماعيل هنية وذلك خلال وجود عددٍ من الصحفيين، ثم أغارت المسيّرات الإسرائيلية عبر صواريخها على كل من حاول الهروب من موقع القصف.

 حاول إسماعيل ورفيقه المصوّر الفرار عبر سيّارتهما لكنّ المسيّرة الإسرائيلية تعقبتهما وأغارت عليهما عمدًا وهما المعروفانِ لديها واللذان يرتديانِ ملابس الصحافة. تسبّبت هذه الغارة في مقتل مراسل الجزيرة إسماعيل الغول والمصور رامي الريفي في عينِ المكان.

فتحت قناة الجزيرة تغطية مباشرة مع الصحفي الفلسطيني الآخر أنس الشريف والذي وصل لمكان المجزرة في حقّ الصحفيان. كان أنس متأثرًا وغير قادرٍ على الكلام فيما الدموع تمتلئ في عيناه، وخلال تقديمه لإيضاحات وأجوبة للصحفية رولا إبراهيم في استوديو الجزيرة وهو على مقربةٍ من جثمان رفيقه قال الشريف إنّه لا يستطيعُ رفع القماش عن الجثة بعد كل التشويه الذي طالها من جرّاء القصف الإسرائيلي المتعمَّد بل إنّ رأس إسماعيل قد انفصلَ بالكامل عن جسده.

المزاعم الإسرائيلية

عقبَ اغتيال إسماعيل، نشرَ الناطق باسم جيش الاحتلال ما قال إنّه “دليل” يُؤكّد أن إسماعيل الغول مقاتلٌ في صفوفِ نخبة القسّام وشارك في عملية طوفان الأقصى مدعيًا أنه كان مسؤولًا عن تدريب المقاتلين على كيفية تصوير العمليات. الدليل بحسبِ المخابرات الإسرائيلية هو كشفٌ بأسماء مقاتلي حماس يعود إلى عام 2021 وقد عُثر عليه في غزة.

تعرّض الناطق الإسرائيلي ومن خلفه جهاز المخابرات الإسرائيلي للكثير من السخريّة بسبب هذا الدليل الذي يسهل تصميمه أساسًا. يظهرُ في الدليل الإسرائيلي اسمُ إسماعيل الغول وأنه قد انضمَّ لكتيبة الهندسة رغم أنه متخصصٌ في الإعلام. ليس هذا فحسب، بل ظهرت معلومات غير منطقيّة إطلاقًا في الدليل المزعوم منها أنّ الغول أصبحَ جنديًا في القسام في الأول من تموز/يوليو 2014 (كان عمره حينها 17 سنة)، لكن الأكثر إثارةً للاهتمام هو تاريخ حصوله على رتبة جندي والذي يعود للأول من تموز/يوليو عام 2007 حين كان عمر الصحفي 10 سنواتٍ فحسب.

فارس الكلمة

إسماعيل على مدار عشرة أشهر ينقل حقائق لم تُرِد إسرائيل لها أن تظهر على الشاشات، ولم تُرِد لها الوصول إلى الرأي العام الدولي. ومثَّلت تغطياته المباشرة عين العالم على حقيقة ما يجري، وقدمت دليلا دامغا على ما تكذب إسرائيل بشأنه، بالتزامن مع القيود التي تضعها على الصحافة الأجنبية بمنعها من الوصول إلى تغطية ما يحدث داخل غزة.

وشكَّلت تقاريره المصورة شهادات موثقة على ما يرتكبه الاحتلال من مجازر وانتهاكات خطيرة بحق الإنسانية، وهو ما تسعى إسرائيل دوما لحجبه عن الرأي العام الدولي. فلولا وصول إسماعيل لموقع حادثة قتل الطفلة هند رجب حمادة التي حاصرتها دبابات الاحتلال لاثني عشر يوما، وتوثيقه بالكاميرا مسرح الجريمة للجثث المتحللة لها ولعائلتها ولسيارة إسعاف الهلال الأحمر المستهدفة بجانبهم، لنفى الجيش الإسرائيلي مسؤوليته الكاملة عن ارتكاب هذه الجريمة البشعة.

وكان إسماعيل شاهدا على محو عائلات كاملة من السجل المدني، واستهداف التجمعات المدنية والأبراج السكنية المكتظة، وتدمير مراكز ومدارس الإيواء التابعة لمنظمة الأونروا فوق رؤوس قاطنيها من المدنيين العزل. وكان شاهدا أيضا بصوته وكاميرته على أحداث مفصلية في حرب الإبادة، مثل حصار مستشفى الشفاء الأول، الذي راح ضحيته قرابة 100 شهيد؛ إذ وثق معاناة النازحين والمرضى والمصابين الذين اضطروا إلى المغادرة للنجاة بأرواحهم. ووثق كذلك اقتحام مجمع الشفاء الثاني الذي عاد إليه بعد أيام من الإفراج عنه؛ لينقل لنا الدمار الكامل الذي لحق بالمكان من حرق لمرافق المستشفى ونبش للقبور داخلها وسرقة بعض الجثث، ودفن بعض المصابين أحياء.

لولا وصول إسماعيل لموقع حادثة قتل الطفلة هند رجب حمادة التي حاصرتها دبابات الاحتلال لاثني عشر يوما، وتوثيقه بالكاميرا مسرح الجريمة للجثث المتحللة لها ولعائلتها ولسيارة إسعاف الهلال الأحمر المستهدفة بجانبهم، لنفى الجيش الإسرائيلي مسؤوليته الكاملة عنها.

زوج وأب.. ثم شهيد..

زوجته ملك الزرد قالت في حديثها للخامسة للأنباء:” كنت أخاف من عمله كمراسل لقناة الجزيرة حيث أعلم تمامًا ما هي تبعات العمل خاصة أن الاحتلال يتعمد استهداف الصحفيين بشكل مباشر خاصة مراسلي الجزيرة “، مشيرة إلى أن الشهيد إسماعيل كان مهتم أن يوصل صوت ومعاناة في قطاع غزة للعالم ويوصل الحقيقة للناس فكانت هذه رسالة بالنسبة له أكثر من عمل ومصدر رزق، حيث رفض النزوح وأصر على البقاء في مدينة غزة لتغطية الأحداث.

أما صغيرته ” زينة” مازالت في حالة بين الوعي واللاوعي أن والدها رحل ولن يعود مرة أخرى معتقدة أن بإمكانها الذهاب إليه وقتما تشاء، لكن عند زيارة قبره تدرك تلك الصغيرة أن والدها غير موجود ولم يتبق منها غير صورة وذكرى.

رسالته لوحيدته

(وكبرت زينة، زينة الحياة والقلب) في بداية الحرب ومنذ اليوم الأول نزحت ابنتي زينة ووالدتها قصرا بعد قصـ ف البناية التي نتواجد بها، لم ألتق بهم منذ ذلك اليوم، وكانت قد بدأت تدرك من هم حولها، كانت تعانقني هي البكر وطفلتي الأولى كنت فرحًا بها كثيرا في تلك اللحظات، بدأت أحبها على مشارف العام.

في تلك الأيام كانت تحبوا وتزحف وتنطق بعض الحروف من كلمة بابا، لكنها كانت تلفتني بحركاتها كنت سعيدا في كل لحظة تكبر بها زينة أمام عيني، وجمعيكم يعلم جمال البيت حين تتواجد فيه طفلة.

مع الحرب، بدأ الحزن يجتاح قلبي، زينة بعدت وسط أجواء من الخوف والرعب من سيعيش أو من سيبقى مشاعر متضاربة كعدد الغارات الجنونية التي تسقط في كل لحظة، لم يكن التواصل مع زوجتي كأي تواصل فهي تعاني كغيرها لا يوجد كهرباء لا يوجد في الهاتف شحنات، الاتصالات مقطوعة في منطقة السكن بسبب تدمير قوات الاحتلال الشبكة.

انقطع الاتصال مع زوجتي 3 أشهر، وفي كل لحظة القلب والعقل ليس في مكانهما هما حيث تتواجد زينة وأمها، في كل غـارة تسقط هناك أجرى اتصالات لمن الغارة اترقب كل خبر حتى أطمئن، هذه الأيام ليست كأي يوم كل يوم يساوي سنة.

قسوة الظروف كانت أشد من كل المشاعر، لكن نحن بشر، اجتمع النزوح والجوع، والقصـ ف، وأهمية الرسالة وواجب تأديتها في التغطية، ما لبثت زينة حتى بدأت تنادي خلال مشاهدتها لي على الشاشة بكلمة “بابا” عرفتني، عرفت من أكون، الشعور كان رائع لكنه لم يستمر.

طالت الأيام هذه 9 شهور بدأت زينة تركض، تتكلم ، تسأل ، تعرف كل شيء، تسأل وين بابا، صعب الشعور أن زينة بعيدة عني، تكبر دون أراها.

لكن العزاء أننا تركنا كل شيء في سبيل هذا الطريق وهذه الرسالة، ولعل الله يعيد لنا الأمان وتعود زينة ويعود كل غائب ويلتقي الأحبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى