
الخامسة للأنباء – تقرير محمد الذهبي:
في الحادي عشر من مايو 2022م، اخترقت رصاصات الاحتلال الإسرائيلي الغادرة صدر الحقيقة الفلسطينية، حيث ارتقت الإعلامية المعروفة شيرين نصري أنطون أبو عاقلة شهيدة وشاهدة على جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
من هي شيرين أبو عاقلة؟
ولدت شيرين نصري أنطون أبو عاقلة في 3 نيسان/أبريل 1971 في مدينة القدس المحتلة لأسرة مسيحيّة تعود جذورها إلى مدينة بيت لحم.
تخرّجت من مدرسة راهبات الوردية في بيت حنينا في القدس، ودرست في البداية الهندسة المعمارية في جامعة العلوم والتكنولوجيا في الأردن، ثم انتقلت إلى تخصص الصحافة والإعلام – فرعي العلوم السياسية، وحصلت على درجة البكالوريوس من جامعة اليرموك في الأردن عام 1991.
حياتها المهنية..
عادت بعد التخرج إلى فلسطين وعملت في عدة مواقع مثل: وكالة الأونروا، وإذاعة صوت فلسطين، وقناة عمان الفضائية، ثم مؤسسة مفتاح وإذاعة مونت كارلو.
انتقلت للعمل في عام 1997 مع قناة الجزيرة الفضائية، حيث عملت أبو عاقلة على تغطية أحداث الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كافة حتى اغتيلت برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في 11 أيار/ مايو 2022.
أبرز التغطيات الصحفية التي قامت بها..
الوقائع اليومية للانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي والتي بدأت في 28 أيلول/سبتمبر من العام 2000.
العملية العسكرية الواسعة التي أطلقها الاحتلال في الضفة الغربية في 29 آذار/مارس 2002، والتي أسماها آنذاك “الدرع الواقي” وشارك فيها أكثر من 30 ألف جندي إسرائيلي، وتمّ فيها فرض حصار على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في مقر إقامته برام الله، واجتياح مخيم جنين بالضفة الغربية في الثالث من أبريل/نيسان إضافة لحصار كنيسة المهد في بيت لحم والذي استمر 40 يوماً انتهى في 10 أيار/مايو وكله في العام المذكور.
الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة في سنوات 2008، 2012، 2014 و2021.
“مسيرات العودة” التي شهدها قطاع غزة والاشتباكات مع الجنود الإسرائيليين في المناطق الحدودية.
المواجهات والاشتباكات التي ما برحت تندلع بين الحين والآخر بين الفلسطينيين وبين جنود الاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة وفي المسجد الأقصى والبلدة القديمة.
الحرب الإسرائيلية على لبنان سنة 2006.
في يوم العمال العالمي.. العامل الفلسطيني بين حصارٍ ظالم وقانونٍ جائر
وقد شاركت الصحفية أبو عاقلة في التغطيات الخارجية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وأبرز الأحداث العربية والأجنبية كما في مصر وقطر والأردن وسورية ولبنان والولايات المتحدة الأمريكية والعديد من البلدان الأوروبية.
وكانت أول صحفيّة عربيّة يسمح لها بالدخول إلى سجن عسقلان في عام 2005، حيث أجرت مقابلات مع الأسرى الفلسطينيين الذين صدرت بحقهم أحكام طويلة بالسجن.
كما أنها صنفت ضمن أبرز الصحفيين في العالم العربي، وهي مراسلة مخضرمة، حيثُ وُصفت بعد وفاتها بأنها من أبرز الشخصيات في وسائل الإعلام العربية.
استشهادها..
في يوم الأربعاء، الحادي عشر من مايو 2022م، استشهدت مراسلة فضائيّة الجزيرة الصحفيّة شيرين أبو عاقلة عن عمرٍ يناهز (51 عاماً) في مخيّم جنين للّاجئين، وأصيب زميلها الصحفيّ علي سمودي (55 عاماً) في كتفه.
وبعد الحادثة مباشرة سارعت إسرائيل إلى التنصّل من أيّة مسؤوليّة وزعمت أنّ أبو عاقلة قُتلت جرّاء نيران فلسطينيّة، ولكن سرعان ما دُحض هذا الادعاء، ومنذ ذلك الحين غيّرت إسرائيل روايتها عدّة مرات.
ومنذ استشهاد الزميلة أبو عاقلة، أجرت وسائل إعلامية عالمية عدّة من بينهاسي إن إن، إي بي الفرنسية، وواشنطن بوست وغيرها، تحقيقات معمّقة استندت إلى تسجيلات فيديو صُوّرت قبل إطلاق النار وفي أثنائه وبعده، وإلى تحليل شريط الصّوت في الفيديوهات كما إلى إفادات شهود عيانن إلى جانب تحقيق آخر قامت به مندوبة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
نتائج التحقيقات..
جميع هذه التحقيقات وكذلك تحقيق بتسيلم -المركز الإسرائيلي للمعلومات عن حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة-، أقرّت بأنّ جميع المؤشرات تدلّ على أنّ النيران التي قتلت شيرين أبو عاقلة أطلقها جيش الاحتلال الإسرائيلي من الموقع الذي وقفت فيه المركبات العسكريّة، على بُعد نحو مائتي مترٍ من شيرين.
كذلك لم تجد هذه التحقيقات أيّ توثيق يبيّن وجود مسلّح فلسطيني بين الصحفيين والمركبات العسكريّة، حيث أن جميع المسلحين الذين تمّ توثيقهم خلال الحادثة كانوا في أماكن لم يظهر بينها وبين مجموعة الصحفيّين أيّ خط إطلاق نار أو كانوا على مسافة لا تتّسق وتحليل شريط الصّوت في تسجيلات الفيديو.
كيف جرت الأحداث؟
ووفقاً لجميع التحقيقات آنفة الذكر، فقد جرت الأحداث وفقاً للتسلسُل التالي..
قرابة الساعة 5:00 فجرًا اقتحمت قوّات الجيش مخيّم جنين للّاجئين، وبعد دخولهم المخيّم المكتظّ وقع تبادُل إطلاق نار في أزقّة المخيم بين مسلّحين فلسطينيين وجنود الاحتلال.
في السادسة صباحاً وصل إلى المكان عدد من الصحفيّين من بينهم شيرين أبو عاقلة لتغظية الأحداث قرب الدوّار المجاور للمخيّم على بُعد نحو مائتي متر من قافلة مركبات عسكريّة.
بعد ذلك بدقائق عدّة سار الصحفيّون راجلين صعوداً في الشارع، في اتّجاه الجنود، وهُم يرتدون خوذاً وسترات واقية كحليّة مكتوب عليها “Press”.
وبعد أن تقدّم الصحفيّون نحو عشرين متراً أطلقت نحوهم ستّ رصاصات من ناحية الجيبات العسكريّة، حيث أصابت إحدى الرّصاصات كتف الصحفيّ علي سمودي، الذي أسرع نحو سيارة كانت متوقفة في مكان قريب.
الصحفيون الثلاثة الآخرون عادوا إلى الخلف، ومن ضمنهم شيرين أبو عاقلة التي حاولت أن تختبئ قرب شجرة على جانب الشارع، وفي هذه المرحلة أطلقت نحوهم سبع رصاصات أخرى فأصيبت شيرين أبو عاقلة وتهاوت.
نتائج التشريح لدى الصحة الفلسطينية..
وقد اتضح من نتائج تشريح الجثّة التي أعلنتها وزارة الصحة الفلسطينيّة، أنّ الرّصاصة أصابتها في مؤخّرة رأسها، وبعد دقيقتين على إصابتها حاول شابّ من أهالي المخيّم يدعى شريف العزب (20 عاماً)، أن يسحب شيرين من الموقع ولكن أطلقت نحوه آنذاك ثلاث رصاصات أخرى أعاقت نقلها.
وفي نهاية المطاف تمكّن الشبّان من نقل جثمان أبو عاقلة إلى مستشفىً في جنين، وهناك أعلنت وفاتها.
تنصّل الاحتلال من الجريمة..
تنصلت إسرائيل من أيّة مسؤوليّة، زاعمةً بأن أبو عاقلة قتلت جرّاء نيران فلسطينيّة، كما نشرت تسجيل فيديو أخذته من شبكات التواصل الاجتماعي لفلسطيني يطلق النار أثناء الحادثة.
بتسيلم قالت في أولى تحقيقاتها أنّه وفقاً للإحداثيات والمواد المصورة لا يمكن أن يكون إطلاق الرّصاص الموثّق في الفيديو الذي نشره الاحتلال هو الذي أدّى إلى مقتل أبو عاقلة وإصابة زميلها.
وأشارت بتسيلم حينها إلى أنّه لم يظهر في هذه المنطقة خط إطلاق نار أيّاً كان في اتّجاه المكان الذي كان فيه الصحفيين الفلسطينيين.
وفي البداية صرّحت إسرائيل بأنها تفحص ملابسات الحدث، لكنها ادّعت بأن عدم التعاون من قبَل السلطة الفلسطينية ورفضها تسليم الرصاصة التي قتلت بها شيرين أبو عاقلة لإسرائيل، يمنعها من إتمام التحقيق، لكن وبفعل ضغط أمريكي (حيث كانت شيرين أبو عاقلة حاملة للجنسية الأمريكية كجنسية ثانية)، سلّمت السلطة لاحقاً الرصاصة للأمريكيين بهدف إجراء فحص بالستي.
نتائج التحقيقات الأمريكية..
في الرابع من يوليو 2022م، نشرت الخارجيّة الأمريكيّة تصريحاً بخصوص نتائج الفحص البالستيّ الذي جرى تحت إشراف المنسّق الأمنيّ الأمريكيّ.
وقد ورد في التصريح حينها أنه لا يمكن التوصّل إلى استنتاج قاطع حول مصدر الرّصاصة بسبب وضعها والضرر الذي لحق بها، ومع ذلك فقد جاء في التصريح الأمريكي، استناداً إلى تحقيقات الاحتلال الإسرائيليّ والتحقيقات الفلسطينيّة، أنّه “من المعقول أنّ إطلاق النار من النقاط الإسرائيليّة هو المسؤول عن موت شيرين أبو عاقلة”.
لكنّ المنسق زعم، ودون أن يذكر كيفية وصوله إلى هذا الاستنتاج، على أنه لم يجد “أيّ سبب يدعوه ليصدّق” أنّ قتل أبو عاقلة كان “متعمداً”.
وفقًا لهذه الادعاءات، كان مقتلها نتيجة “ظروف مأساوية” حدثت خلال عملية عسكرية قادها جيش الاحتلال ضدّ مجموعات تابعة للجهاد الإسلاميّ في جنين.
وبالرغم من المطالبات الدولية والعربية والفلسطينية، بإجراء تحقيق مستقل ونزيه، إلا أن الولايات المتحدة وضعت نفسها مجدداً في السادس من أغسطس 2022، إلى جانب إسرائيل ووفرت غطاء لتنصّل إسرائيل من أية مسؤولية تخص جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة.
جنازة مهيبة جابت شوارع العاصمة المحتلة..
رصدت وسائل الإعلام أثناء تغطية الموكب الجنائزي المهيب الذي جاب شوارع القدس المحتلة أعمال عنف شنتها شرطة الاحتلال الإسرائيلي في محاولةٍ منها لتفريق المشيعين ومنعهم من المرور عبر حي الشيخ جراح بالأعلام الفلسطينية، حيث دفعت شرطة الاحتلال حملة الجثمان نحو البوابات باتجاه الشارع ولاحقوهم بالهروات.
لم يتمكن الاحتلال الإسرائيلي من ثني المشيعين عن إرادتهم، حيث جاب جثمان الشهيدة أبو عاقلة شوارع القدس المحتلة وحي الشيخ جراح رفقة الأعلام الفلسطينية.. لتصدح صورة الحقيقة إلى الأبد بأن القدس فلسطينية عربية حرّة.