مقالات الخامسة

صبري صيدم: ماذا عن 1701 قرار تناساه نتنياهو؟

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

توجه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو مؤخرا بدعوة للبنان لتطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 1701، وهو القرار الذي يدعو فعلياً إلى استبدال وجود حزب الله في جنوب لبنان بانتشار الجيش اللبناني، وفق نص القرار الذي أعقب التوترات المتصاعدة بين إسرائيل وحزب الله، وفي إطار الجهود الدولية لضمان الاستقرار في جنوب لبنان، إبان حرب عام 2006.

لكن المثير للدهشة اليوم أن شهية نتنياهو بخصوص هذا القرار باتت مفتوحة، بل يطالب لبنان والعالم الآن بتطبيقه وهو (أي نتنياهو) الذي لم يُظهر على مدى سنواته في السلطة، أي التزام بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة أياً كانت، لا في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولا حتى في مناطق أخرى تتعلق بالصراعات في محيطنا العربي.

ومنذ توليه منصبه، تبنى نتنياهو وحكوماته المختلفة سياسات تتسم بالرفض والاحتقار لقرارات الأمم المتحدة، وغالبا ما ترى إسرائيل هذه القرارات على أنها منحازة ضد مصالحها الأمنية، فريق نتنياهو نفسه يتبنى نظرة تشكك في الأمم المتحدة كهيئة دولية، متهما إياها بالتحيز إلى جانب الفلسطينيين، وصولاً إلى خروج مندوبه في المؤسسة الأممية عن أدب الخطاب عدة مرات، عبر إصراره على إهانتها واتهامها بالفساد والتواطؤ والانجرار وراء ما سماها بأحلام الفلسطينيين. لذا، فإن تناقض دعوة نتنياهو لتنفيذ قرار 1701 مع عدم إلزام نفسه بتنفيذ أي من قرارات الشرعية الدولية يثير تساؤلات حول مدى جديته في تحقيق هذا الهدف، فنتنياهو لا ينظر إلى قرارات الأمم المتحدة إلا عندما تتماشى مع مصالحه السياسية والأمنية.

لقد تبنت الأمم المتحدة، ومنذ تأسيسها العديد من القرارات، التي تدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، إلى جانب وقف سياسات الاستيطان. ومع ذلك، لم تنفذ إسرائيل هذه القرارات، بل واصلت تعزيز وجودها في الضفة الغربية بما فيها القدس وفرض حصارها على قطاع غزة. لذلك، فإن طلب نتنياهو من لبنان الالتزام بقرار دولي في حين يتجاهل وحكومته ما يزيد عن 1701 قرار من القرارات الصادرة عن مؤسسات عربية وإقليمية ودولية والمتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يجعل من هذه الدعوة أمرا ملتبسا، بل يزيد من الشكوك حول نواياه الحقيقية.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

على صعيد آخر، دعا نتنياهو سكان جنوب لبنان مؤخرا إلى النزوح إلى مناطق آمنة، في إطار التحضيرات لعملية عسكرية محتملة في المنطقة. هذه الدعوة جاءت بعد تصاعد الحرب بين إسرائيل وحزب الله، وتهديدات متبادلة بشن هجمات، لكن هنا تكمن المفارقة الكبيرة: فعندما دعت إسرائيل سكان قطاع غزة في أكثر من مناسبة إلى النزوح إلى أماكن يُزعم أنها آمنة، خلال العمليات العسكرية المتكررة في القطاع، تعرضت تلك المناطق للقصف بشكل مباشر، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين. ولم تقتصر المأساة على القصف فقط، بل لم يتمكن السكان الذين نزحوا من العودة إلى أراضيهم ومنازلهم في معظم الأحيان، بسبب الدمار الهائل والحصار المستمر.

واليوم يتحدث نتنياهو عن «إعادة السكان إلى أراضيهم» بعد انتهاء العملية العسكرية في جنوب لبنان، ولكن هذا لم يكن هو السيناريو الذي حصل في غزة كما أسلفت، فأهالي غزة الذين نزحوا إلى أماكن أُعلن عنها بأنها آمنة أصبحوا وقوداً لحرب نتنياهو، ولم يتمكنوا من العودة إلى حياتهم الطبيعية، بل ربما لن يعودوا بعد انتهاء العمليات العسكرية. هذا النمط المتكرر إنما يؤكد عدم جدية إسرائيل في حماية المدنيين وضمان عودتهم إلى منازلهم بعد الحروب. التجربة الغزية تظل حاضرة في الأذهان، إذ يعيش القطاع تحت حصار خانق منذ سنوات، وتعاني المناطق التي دُمرت بفعل العمليات العسكرية من محو مستمر لمعالمها.

وعليه فإن الدعوات المتكررة التي وجهتها إسرائيل لسكان غزة للنزوح إلى مناطق آمنة لم تكن إلا غطاءً لتبرير العمليات العسكرية واسعة النطاق التي دمرت البنية التحتية وألحقت أضرارا جسيمة بالمدنيين، لذا، فإن دعوة نتنياهو لسكان جنوب لبنان للنزوح تبدو وكأنها تكرار للسيناريو نفسه الذي عاشه أهل غزة.

في ضوء هذه التجارب، يمكن القول إن دعوة نتنياهو لسكان جنوب لبنان تحمل في طياتها التناقضات والازدواجية نفسها، التي ميزت سياساته تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فالدعوة إلى النزوح تحت ذريعة توفير الأمان تأتي في سياق استخدام القوة العسكرية التي لم تترك مجالاً للحلول الدبلوماسية أو السياسية. كما أن الوعود بإعادة السكان إلى أراضيهم بعد العمليات العسكرية، لا تحمل في الواقع أي ضمانات، خاصة في ضوء التجارب السابقة التي عاشها الفلسطينيون في غزة، حيث ما زالوا يعانون من آثار الدمار والنزوح بعد سنوات من الحروب.

خلاصة القول تكمن في كون سياسات نتنياهو تجاه لبنان وغزة متماثلة في جوهرها، فهي تعتمد على استخدام القوة العسكرية كأداة رئيسية لتحقيق الأهداف السياسية والأمنية، في حين تتجاهل الحقوق الإنسانية الأساسية للسكان المدنيين. هذا التناقض بين الدعوة إلى الالتزام بقرارات الأمم المتحدة في لبنان، وخاصة قرار 1701، والتجاهل الصريح لقراراتها الخاصة بفلسطين، يجعل من الصعب رؤية تلك الدعوات كجزء من استراتيجية شاملة لتحقيق السلام والاستقرار.

نتنياهو الثعلب لا يمكن أن يؤمن بالشرعية الدولية ولا بحقوق الإنسان وهو الذي دأب على قتل مكونات الحياة الآدمية انتصاراً لغرائزه وسحقاً لحقوق البشر من فلسطينيين وعرب. فهل نرى في محفل الأمم المنعقد الآن مع كتابة هذه الكلمات تغيراً جذرياً في التعامل مع الاحتلال؟ أم تعيش البشرية قاطبة جولة جديدة من إخفاقات الماضي والحاضر، التوقعات ليست مرتفعة طبعاً، لكن علينا أن ننتظر ونرى !

ملاحظة: المقال مدعم بتقنيات الذكاء الاصطناعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى