صفقة باريس..أمريكا وإسرائيل بعد هزة أكتوبر
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
شبكة الخامسة للأنباء _غزة
كتب فراس ياغي
تشير التقديرات الاولية إلى أن صفقة تبادل الأسرى، أو ما يعرف بِ “إتفاقية الإطار” في باريس، تواجه صعوبات جمة، وتعقيدات ترتبط بالأساس في الواقع الإسرائيلي أولاً وقبل كل شيء.
ويبدو أن الإحتياج الأمريكي والدولي والإقليمي، والإنساني الغزاوي، وضغوط أهالي الأسرى في الداخل الإسرائيلي، عوامل لها وزن الريشة لدى صانع القرار الأول في إسرائيل “نتنياهو”، وفي نفس الوقت فما توصل إليه الوسطاء “قطر ومصر” في باريس مع “الأمريكي” و “الإسرائيلي” يصب في خانة إستمرار العدوان على قطاع غزة.
إن كل التسريبات التي تناولتها وسائل الإعلام حول “إتفاقية الإطار” ومن خلال مراحلها الثلاث توحي بعدم وجود صفقة شاملة، بقدر ما هي ثلاث صفقات في إطار واحد، وكل واحدة من الثلاث بحاجة لمفاوضات لكي يتم التوافق عليها، وبما يؤشر ذلك إلى أن إمتداد الهدنة لفترة طويلة مشكوك فيه، ومثلا، لنفترض انه تم التوافق على المرحلة الأولى من تلك التي تسمى “صفقة”، فهذا لا يعني مطلقا أنها سوف تمتد للمرحلة الثانية، لأنه وفق ذاك “الإطار الباريسي”، ففي آخر اسبوع مما قبل إنتهاء المرحلة الأولى تبدأ المفاوضات على المرحلة الثانية، بما يعني أن لا شيء مؤكد بخصوص كل مرحلة، فقد يقوم “نتنياهو” وبسبب الضغوط الأمريكية بالمضي قدما في الأولى وهو يضع بين عينيه تعطيل الثانية والثالثة.
في إتفاقية “الإطار” لا شيء ملزم لإسرائيل النتنياهوهية، فلا إتفاق شامل على وقف إطلاق النار، ولا إتفاق على عودة النازحين وإيواءهم، ولا إتفاق على الإنسحاب الشامل من كل القطاع، ولا إتفاق على ما بعد الحرب والإعمار، وكل ما هناك فقط الحديث عن زيادة المساعدات وتبادل أسرى دون تحديد للعدد والنوعية، وايضا موافقة على عموميات تتعلق بإعمار المستشفيات وزيادة المساعدات…الخ، وحتى إخراج الجرحى للعلاج عبر معبر رفح له تعقيداته التي ترتبط بالموافقة الإسرائيلية، أي لن يخرج أي جريح من معبر رفح دون ختم الموافقة الإسرائيلية.
وإذا أردنا عمل مقاربات لما يحدث على الواقع، فعلينا قراءة المشهد من زوايا كل طرف، واحتياجاته، وهل هناك إمكانية لأن يحقق كل طرف مبتغاه؟!!!، رغم أن مشهد الإطار في قراءته الاولية هو يحاكي الحد الادنى الإسرائيلي الذي قد تقبل فيه، أي أن لا غبار لديها على مجمل إتفاقية “,الإطار” ولكن تفاصيل الإتفاق سيحدث فيه عواصف رملية وبما يشمل كل البنود المطروحة وبالذات عدد الأسرى الفلسطينين ونوعيتهم ومكان الإفراج عنهم، والمواضيع الإنسانية من علاج ونقل جرحى ومساعدات…الخ.
ولكي نتوسع اكثر فلا بُدّ أن نشير للإحتياجات العاجلة لكل الأطراف المتعددة المشاركة في “إتفاقية الإطار” الباريسي، ونشير أيضا لاحقا لمكامن الخطورة، وماذا يمكن تحقيقه؟:
أولا- الإحتياج الأمريكي العاجل- وهذا يتمثل في رؤيتين ترتبطان ببعضهما البعض من حيث انهما جزء من إستراتيجية سابقة للسابع من اكتوبر، واصبحت اكثر أهمية بعده، بل أنهما أصبحا جزء لا يتجزأ من السياسة الامريكية في المنطقة، لذلك نرى التالي:
1-أمريكا لا تريد تصعيد يشمل المنطقة ككل وترى أن الحل لمنع ذلك هو في غزة وبما يستدعي توقيف المعركة او بالحد الادنى تخفيف حدتها.
2-إدارة بايدن وجدت ان طرح التطبيع بين إسرائيل والسعودية اصبح أكثر أهمية من السابق ولدرجة ربطه بوقف إطلاق النار وبحيث يؤدي ذلك لتحقيق الخطط السياسية المتعلقة بمحاربة المقاومة وبالذات “حماس”، أي إنهاء المقاومة وحكم “حماس” عبر خطة التطبيع والدولتين وضمن شروط تتحق فيها الأولى “التطبيع” وتصبح الثانية “وهم الدولتين” جزء من عملية سياسية وتفاوضية لا تنتهي، ولكن يحدث إعمار لغزة مقابل سلطة تسيطر على الأمن في القطاع وبطريقة الضفة، أي أمن مجزوء فيه اليد العليا لجيش وأمن الإحتلال.
3- التطبيع مقابل وقف إطلاق نار وتبادل اسرى وحديث مزعوم بلا أدوات فاعلة وضمانات واضحة لحل الدولتين، لتشكيل محور قادر على مواجهة المحور الإيراني، وأساسه وفق “توماس فريدمان” سحب الورقة الفلسطينية من الأيدي “الإيرانية”.
4-معضلة أمريكا في ما اسماه “فريدمان” بِ “عقيدة بايدن الإستراتيجية” للشرق الأوسط هي في “نتنياهو” وحكومة الإئتلاف الصهيو-ديني التوراتي، لذلك نرى الغضب الذي ينتاب الرئيس “بايدن” من “نتنياهو” مع عدم القدرة على فعل شيء، سوى إرسال “اليهودي الصهيوني” وزير الخارجية الأمريكي “بلينكن” للضغط عليه ليحصل على موافقته والتي تعني بالنسبة إلى “نتنياهو” نهايته الشخصية والسياسية، وهذا ما لا يمكن أن يوافق عليه “نتنياهو”.
5- الرئيس بايدن يحاول ان يحقق إنجاز يستخدمه في حملته الإنتخابية من حيث التطبيع والإستراتيجية الجديدة لمنطقة الشرق الاوسط وما تعنيه من مواجهة مع “الصين” و “روسيا”، لأن السيطرة على منطقة المشرق العربي “غرب آسيا” ككل وبما تحويه من ثروات وممرات برية ومائية ستعطي ميزة كبرى لأمريكا في مواجهة المنافسين.
ثانيا- الدول الإقليمية- وهنا نشير إلى أن هذه الدول تنقسم لمحورين، الاول وهو الغالبية ويدور في الفلك الأمريكي، والثاني هو الداعم للمقاومة في غزة وفي المنطقة وبما يسمى “محور المقاومة” او “إيران وحركات المقاومة في المنطقة- أذرع إيران”.
المحور الاول يعمل لتطبيق الرؤيا الأمريكية ويحاول جهده خاصة “الوسطاء” تقليب كل الأحجار للوصول لصيغ توافق عليها الإدارة الأمريكية، وتحدد من خلال ذلك مقاربات تؤدي لنزع سلاح المقاومة في النهاية عبر خطط غامضة وغير واضحة، خاصة وأن الإسرائيلي حدد أهدافه، والامريكي يريد تحقيقها مقابل إستراتيجية جديدة في المنطقة أساسها التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وما يعني ذلك من تحولات إستراتيجية للمنطقة ككل.
المحور المقاوم المشتبك مع الإسرائيلي والأمريكي يحاول أن يحقق بالحد الأدنى دور مركزي ويعمل لإستغلال ما يحدث لطرد الأمريكي من العراق وسوريا، وتثبيت المقاومة في غزة حتى لو انزلق ذلك للمنطقة ككل.
ثالثا- الواقع الفلسطيني الذي يعيش حالة عدوان شاملة في غزة وحتى في الضفة الغربية، ومحاولة مستميتة لفرض واقع أمني جديد في غزة كما الضفة عبر القوة العسكرية وعبر محاولة خلق إنزياح ديمغرافي وجغرافي خاصة في قطاع غزة “المنطقة العازلة”، إضافة إلى الفاتورة الكبيرة من التضحيات ومن التدمير، وبما يفرض على المقاومة الأخذ بعين الإعتبار هذه الإحتياجات، مع الأخذ بعين الإعتبار التالي:
1- صفقة واحدة شاملة حتى لو كانت على مراحل، شرط ان تكون واضحة ومفصلة ولا تحتاج لمفاوضات على بنودها، بما يعني ذلك الإتفاق اولا على تفاصيل كل مرحلة من المراحل، لا الذهاب لتفصيل مرحلة وترك اخرى للمفاوضات.
2- يجب ان يكون هناك ضمانات لا جدال فيها لأن تؤدي تلك المراحل بعد تطبيقها إلى وقف إطلاق نار دائم، وهذا يستدعي التوافق على مقاربات سياسية تعتمد على خارطة طريق تؤدي لقيام دولة فلسطينية.
3- عودة النازحين لشمال القطاع متطلب وأولوية، ويجب عدم الموافقة على التلاعب فيه تحت بند أن منطقة الشمال لا تصلح للعيش وأن لجنة أممية ستقوم بزبارتها لتقييم وضعيتها الحياتية.
4-المستشفيات والجرحى والمساعدات الإنسانية متطلبات عاجلة ويجب ان تكون دائمة وغير مرتبطة بمراحل الهدن، بحيث ترتبط بالقانون الدولي الإنساني اولا وأخيرا.
5- تبادل الأسرى يكون متساوي من حيث لا فيتو إسرائيلي على أي اسير فلسطيني، وضرورة تحديد الأعداد لكل مرحلة من المراحل وعدم التعامل بأن كل مرحلة هي صفقة منفصلة بحد ذاتها.
6- ما بعد الحرب هي مسألة فلسطينية يتوافق عليها الفلسطينيون وبحيث يكون هناك مرحلة إنتقالية تسبق الإنتخابات العامة، وتأتي في سياق خارطة طريق واضحة وملزمة تؤدي لقيام دولة فلسطينية.
الخلاصة
تكمن مخاطر “الإطار الباريسي” أن كل بند فيه بحاجة لتفاوض وممكن ان يفسر بالطريقة التي يرتأيها كل طرف، وهذا ما يريده الإسرائيلي وبالذات “نتنياهو”، وايضا الضمانات غير واضحة وكأن الكل سوف يعتمد على حسن النية لدى “نتنياهو” أو على “الأمريكي” غير القادر على إدخال القمح إلى شمال غزة، وبالتالي فإن أي إتفاق يجب أن يكون مكتوب ومفصل وقانوني وبضمانات دولية وليس أمريكية.
أما ماذا يمكن تحقيقه؟ فهذا مرتبط بقدرة المقاومة على الصمود وعلى إيقاع الخسائر البشرية والإقتصادية لدى الإحتلال، وعلى إستمرار الإشتباك في كل الجبهات مع الأمريكي والإسرائيلي، مما قد يؤدي لفقدان صبر أمريكا والرئيس “بايدن” تجاه التعامل مع “نتنياهو” وتغيرها بما يؤدي إما لإسقاطه أو فرض الموافقة عليه لوقف شامل لإطلاق النار وإنسحاب شامل من القطاع وتبادل أسرى، وعودة النازحين وإيوائهم والذهاب لعملية الإعمار، وفرض الوحدة بين الضفة وغزة من خلال التفاهم الفلسطيني-الفلسطيني على رؤيا تتحاوز كل الفيتيوات السابقة.
أخير، أنصح بأن يتم الحديث علنا مع الحاضنة الجماهيرية وبشفافية حول كل ما يجري من مفاوضات حول الهدن والصفقات وتبادل الأسرى، وشرح تفصيلي للمخاطر قبل الإنجازات، وأنصح بعد التعامل مع المواضيع تحت بند النصر من عدمه، فالتضحيات كبيرة وكبيرة، والكل يعلم ما قامت فيه ولا تزال المقاومة وفي المركز منها القسام.