شبكة الخامسة للأنباء - غزة
تقرير خاص – سهر دهليز
لم يكن كسابقه من الأعوام، ففي الوقت الذي يصطف فيه الطلبة في الطابور الصباحي، يصطف طلبة غزة في طوابير للحصول على جالونات المياه والطعام الضروري لمواصلة الحياة.
طلبة غزة لا يزالون يواجهون حرب إبادة مستمرة منذ ما يقارب 11 شهراً، والتي أسفرت حتى الآن عن استشهاد الآلاف منهم ومن هيئة التدريس من معلمين وأساتذة جامعات.
630 ألف طالب محرومون من التعليم
فلم يعد أكثر من 630 ألف طالب وطالبة إلى مقاعد الدراسة للعام الثاني على التوالي رغم عدم تمكنهم من إكمال عامهم الدراسي الماضي (2023-2024)، بفعل العدوان الذي بدأ في السابع من تشرين الأول 2023، والذي استُهدفت خلاله 80% من المؤسسات التعليمية.
أكد محمد عبدالله والد الطفل حسن أنه منذ بداية الحرب العدوانية على قطاع غزة، نسيان أطفالهم المدارس والتعليم، بسبب عدم التحاقهم بالمقاعد الدراسية وذهابهم للمدارس، أو حتى الدروس والحصص التعزيزية للمنهاج المدرسي التي كانوا يوظبوا على حضورها، مشيراً إلى خطورة الوضع خلال حرب الابادة على قطاع غزة من موت ودمار ونزوح وخوف وقلق.
أضاف: “أن الالتزامات اليومية من توفير مياه الشرب والحطب لإيقاد النار وإعداد الطعام الذي يستنزف قوانا الجسدية والنفسية طيلة اليوم يفقدنا التفكير بكيفية تعويضهم عن ما فقدوه من التعليم والدراسة”، مشيراً إلى انه يحاول قدر المستطاع المراجعة وتدريس طفلة على اساسيات الكتابة والقراءة والحساب رغم روتين الحياة اليومي والنزوح الاجباري المتكرر الذي يميت الوقت دون جدوى.
وبالحديث حول قرار وزارة التربية والتعليم حول التعليم الإلكتروني قال عبدالله: “انه قرار جيد إلى حد ما وأفضل من لا شيء، كونه سيصبح إلزامي للطالب وأهله المتابعة اليومية للدراسة لتعويض ما سبق من الدروس والتعليم الذي لم يحصلوا عليه طيلة العام الماضي، وأنه سيعتبر جزء من برنامج الروتين اليومي رغم ثقله جسدياً ونفسياً ومادياً، كونه مهم جداً لإعادة ربطهم بالحياة التعليمية بأي شكل كان”.
الضغوط النفسية والطموحات المهدورة
تقول السيدة هبة عزاره والدة الطفل أيهم: “ابني ذو ال12 عاماً يعتبر من أوائل التلاميذ في المرحلة الدراسية التي وصل إليها، وكان يستعد بكل حماس ونشاط لتقديم اختبار مادة العلوم في السابع من أكتوبر من أجل الحصول على أعلى الدرجات كمل فعل في اختبارات المواد الاخرى ويبقى على تفوقه الدراسي ككل عام”، مؤكدة أن الحرب حطمت طموحي وطموح ابني في اتمام عامه الدراسي وحالات دون تحقيق ما كان يطمح له في تفوقه الدراسي.
وأضافت: “رغم الحرب العدوانية على قطاع غزة، لم أتوانى لحظة في المواظبة على تدريسه ومتابعة دروسه كما كنت أفعل طيلة الاعوام السابقة، لكن سرعان ما فقدت الأمل بعد هدم منازلنا والنزوح المتكرر والاجباري لنا من قبل الاحتلال الإسرائيلي و تدميره للمؤسسات التعليمية والمدارس بشكل مقصود من أجل تجهيل جيل بأكمله”.
وأشارت والدة الطفل أيهم إلى مبادرة “المخيم التعليمي” الذي سيقام بالقريب من مكان نزوحها بالحي النمساوي بمدينة خانيونس، وان طفلها كان سعيداً لعودته لمقاعد الدراسة من جديد، حيث ذهب للتسجيل بها من تلقاء نفسه دون اخبارها مسبقاً بذلك، وأنها مضطرة للقبول بها حتى وإن لم تكن أمنة في ظل القصف المتواصل على قطاع غزة والخوف الشديد من انتقال عدوى الأمراض التي تفتك بهم في ظل شح الامكانيات وقلة النظافة.
تحديات الثانوية العامة: قصة لمى
وبدأت الطالبة لمى اقطيفان (17 عاماً) بالاستعداد مبكرا للثانوية العامة واستغلال الإجازة الصيفية بالالتحاق بالدروس الخصوصية من أجل تحقيق حلمها بالتفوق ودراسة تخصص الطب بالجامعة، متسائلة أين هي هذه الاحلام التي ضاعت منذ بداية الحرب على قطاع غزة؟ فنحن الآن لا نفكر سوى بالنجاة بأرواحنا بعد النزوح المتكرر الذي أجبرنا عليه من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
نزحت لمى مع أسرتها المكونة من 6 أفراد من مدينة غزة إلى مدرسة شهداء دير البلح، ومن ثم إلى شاطئ البحر والعودة مرة أخرى للمدرسة رغم القصف والمطالبة بخلاء المدرسة من قبل الاحتلال الاسرائيلي، وذلك لعدم توافر أبسط الامكانات وهي الخيمة لاحتواء العائلة من البقاء في العراء على شاطئ بحر دير البلح، وانهم خاطروا بحياتهم بوجودهم داخل أسوار المدرسة على البقاء دون خيمة تأويهم.
بتنهيدة الحسرة والقهر تقول: “ضاعت أحلامي… لم استطع السنة الماضية تقديم امتحانات الثانوية العامة رغم مواصلتي طيلة فترات النزوح المتكرر وانقطاع الكهرباء والانترنت الحرص على الدراسة والاستعداد للامتحانات النهائية، لربما يحالفني الحظ وتنتهي الحرب وتعلن وزارة التربية والتعليم عن بدء تقديم الامتحانات النهائية، لكن للأسف لم يحدث ذلك، ولا أعلم إن كنت هذا العام استطيع تقديم الامتحانات في ظل استمرار الحرب العدوانية على قطاع غزة”.
وأكد الاخصائي النفسي والاجتماعي ورئيس مجلس الآباء بمدرسة مصطفي حافظ بمدينة خانيونس، الاستاذ إبراهيم مطر، على خطورة حرمان الأطفال من تلقي التعليم خاصة في مراحل التعليم الأولى، لما فيه خطر على المجتمع بأسره، حيث يزيد من حجم الأمية والبطالة بما يضعف بدوره من الوعى الثقافي والمعرفي، إضافة إلى ما يحدثه من زيادة في المشكلات الاجتماعية، وأهمها جنوح الأحداث وهو ما يهدر المزيد من الموارد على مراكز التأهيل والإصلاح عوضا عن الاهتمام بالتنمية والبناء.
وأشار مطر إلى التأثير السلبي للحرب وتدمير البنية التحتية للتعليم على الطلاب كونهم لم يحصلوا على أبسط حق لهم بالتعليم والالتحاق بالمقاعد الدراسية طيلة العام الماضي، وانهم فقدو ما تلقوه من تعليم بالسنوات السابقة من بشاعة الحرب العدوانية على قطاع غزة وانقطاعهم عن الدراسة لفترة طويلة، وانه من المتوقع بعد انتهاء الحرب ارتفاع نسبة التسرب من التعليم والجريمة، اضافة لما ستتركه الحرب من تأثير نفسي سيئ على الأطفال، خاصة من فقدوا عائلاتهم أو تسببت الحرب بتحويلهم إلى معاقين لما تبقى من حياتهم.
التعليم الإلكتروني كحل بديل
وأعلنت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، إطلاق موقع إلكتروني لتسجيل طلبة قطاع غزة في جميع المراحل التعليمية للتعلم في مدارس افتراضية(تعليم إلكتروني(، وأن ذلك يأتي تمهيدًا لإطلاق المدارس الافتراضية، ضمن سلسلة التدخلات المنوي البدء بها بالتزامن مع بدء العام الدراسي الجديد بالمحافظات الشمالية، بتاريخ 9/9/2024.
وفي تقرير سابق لها، قالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، وفقاً لمجموعة التعليم العالمية، إن أكثر من 76% من مدارس قطاع غزة بحاجة إلى إعادة بناء أو تأهيل بشكل كبير، لتتمكن من العمل مجددا.
كما حُرم 39 ألف طالب ثانوية عامة من قطاع غزة من التقدم لامتحان الثانوية العامة للعام الماضي بسبب العدوان الإسرائيلي، الذي أدى لاستشهاد قرابة 10 آلاف طالب من طلبة المدارس والجامعات، كما قتل الاحتلال 400 معلم و150 من كوادر الجامعات.
تعكس أزمة التعليم في قطاع غزة واقعاً مأساوياً تتشابك فيه معاناة النزوح والتشرد مع الحرمان من حق أساسي كالتعليم، في ظل استهداف الاحتلال المتكرر للمؤسسات التعليمية، يتكبد طلبة غزة خسائر مضاعفة، فإلى جانب فقدانهم لأعوام دراسية، يتفاقم الضغط النفسي والاجتماعي عليهم وعلى ذويهم، بينما تقدم محاولات التعليم الإلكتروني حلولاً مؤقتة، يبقى سؤال ذويهم قائماً: كيف يمكن لمستقبل أجيال بأكملها أن ينمو وسط هذه الأزمات المستمرة؟