عربي ودولي

عودة «داعش» والثغرات الأمنية تزيد تعقيد المشهد السوري

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

أطلّ الإرهاب برأسه في سوريا مجدداً، بعد شهور من الإطاحة بنظام الأسد وحلفائه، عبر هجوم إرهابي استهدف كنيسة للروم الأرثوذكس في قلب العاصمة دمشق، في ما اعتُبر أول تحرك منظم لتنظيم «داعش» الإرهابي ضد السلطة الانتقالية الجديدة. 

الهجوم أعاد إلى الأذهان مشاهد الدم التي طبعت سنوات تمدد التنظيم بين عامي 2014 و2019، حين تحولت مناطق شاسعة من سوريا والعراق إلى ساحة مفتوحة أمام آلة قتل لم تعرف حدوداً، ما استدعى تشكيل «التحالف الدولي لهزيمة داعش» بقيادة الولايات المتحدة، وهو التحالف الذي لعب دوراً محورياً في إنهاء وجود السيطرة الجغرافية للتنظيم.

وتأتي هذه العملية الإرهابية في لحظة شديدة الحساسية بالنسبة إلى حكومة دمشق الجديدة، التي لا تزال تخوض معركة الاعتراف والشرعية في المحافل الدولية. فمع بدء المرحلة الانتقالية.

حثّ المجتمع الدولي والموفدون الغربيون الذين زاروا دمشق السلطات الجديدة على ضمان تمثيل الأقليات، وحمايتهم، ومنحهم دوراً فاعلاً في رسم مستقبل البلاد.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

وكانت هناك خطوط مبكرة لإغلاق ثغرات الانقسام المجتمعي. ومع أن بعض المناطق شهدت أعمال عنف، فقد أبدى المسيحيون السوريون ثقة بالسلطة الجديدة، رغم تعرضهم لمضايقات متفرقة من أفراد خارجين عن أوامر القيادة، ما جعلهم مكوّناً رئيسياً يمكن الرهان عليه في ترسيخ التعددية.

لكن المخاوف في سوريا لا تقتصر على الجانب الأمني، رغم أولوية هذا البعد، بل تشمل أيضاً تعطيل المسار الاقتصادي الذي شهد حراكاً مبشراً في أعقاب رفع تدريجي للعقوبات، وبدء مؤشرات انفتاح دولي على البلاد.

وكان من المفترض أن تشهد سوريا عقود عمل واستثمارات أجنبية في قطاعات الطاقة، والبنية التحتية، والخدمات العامة، إلا أن التطورات الإقليمية، ولا سيما التصعيد الإيراني – الإسرائيلي.

وتحديداً الهجوم الإسرائيلي الأمريكي المشترك على منشآت البرنامج النووي الإيراني، تسببت في إرباك هذا المسار. ويخشى أن يؤدي الهجوم الإرهابي الأخير إلى مزيد من التأخير أو التجميد الكامل لهذا الانفتاح، ما لم يتم احتواؤه بسرعة وحزم.

لذلك، الهدف الأعمق لتنظيم داعش من هذا التحرك، ليس فقط زعزعة الأمن، بل تجريد الحكومة السورية الجديدة من الزخم الدولي والدعم السياسي، خاصة في ظل وجود إشارات أمريكية مشجعة على إعادة الاندماج السوري في النظام الدولي. وسبق للتنظيم أن استخدم هذا النوع من الهجمات التكتيكية لتعطيل أي انتقال سياسي، أو لإفشال جهود إعادة الإعمار في المناطق المحررة سابقاً. 

ومع استمرار إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وعدم اكتمال تأهيل الشرطة المحلية ومؤسسات حفظ النظام، فإن البيئة الراهنة تبقى قابلة للاختراق، ما يضع الحكومة أمام اختبار حقيقي لقدرتها على الردع والسيطرة.

وتزداد التحديات تعقيداً مع تعدد جبهات العداء التي يخوضها داعش حالياً داخل سوريا، إذ يعادي التنظيم كلاً من قوات سوريا الديمقراطية، والجهات المحلية المسلحة في السويداء، وحكومة دمشق نفسها.

لكن رغم هذا التلاقي الموضوعي في العداء، لم تنجح هذه الأطراف الثلاثة بعد في بلورة تنسيق أمني أو سياسي متين. ومع تزايد الحاجة إلى جبهة داخلية موحدة ضد الإرهاب، يبدو أن تجاوز الخلافات السياسية والمطالب المتعلقة بالتمثيل والحقوق هو الشرط الأساسي لإنشاء آلية دفاع مشترك فعالة، تقطع الطريق أمام خلايا التنظيم وتمنع إعادة انتشاره في جيوب خارجة عن السيطرة.

ويُعد ملف الأمن الداخلي من أكبر التحديات أمام السلطة الجديدة، خصوصاً أن هناك مناطق واسعة لا تزال خارج سيطرة الدولة أو تخضع لنفوذ غير مركزي هش، فضلاً عن عودة أنشطة التنظيمات المتطرفة بطرق غير تقليدية. 

وسبق أن حذر المرصد السوري لحقوق الإنسان من أن «داعش» انتقل من العمليات العشوائية إلى «عمل مدروس»، ما يُشير إلى عودة محتملة لمرحلة الخلايا النائمة.

وقد تبنّى التنظيم، في أواخر مايو، أول هجوم معلن له ضد قوات الحكومة الجديدة، تمثل بتفجير لغم استهدف دورية أمنية في محافظة السويداء، أسفر عن مقتل عنصر، وفقاً لتقارير «المرصد» وموقع «سايت» المتخصص في متابعة الجماعات الإرهابية.

كما أعلنت السلطات أنها أحبطت هجمات كانت قيد التحضير عبر تفكيك خلية قرب دمشق، وقتل أربعة عناصر في اشتباك مع قوات الأمن في حلب. في ظل هذا المشهد، تبدو سوريا مقبلة على مرحلة دقيقة:

إما تثبيت أمن واستقرار يعزز فرص التعافي والانفتاح، أو بقاء الثغرات التي يستغلها الإرهاب لعرقلة كل المكتسبات التي تحققت في الشهور الماضية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى