عوني المشني: طريق النهضة والسعودية مصاعب وفرص
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
لا يكفي ان تمتلك مشروع نهضوي ، وحتى بامتلاك مثل هذا المشروع وادواته والارادة السياسية لتحقيقه فذلك لا يكفي ايضا ، فقد بات واضحا ان النهضة تحتاج الى تذكرة مرور من القوى المهيمنة عالميا ، او قدرة وطرائق ابداعية للتملص من تلك القوى المهيمنة ، في التاريخ هناك نماذج كثيرة المانيا بعد الحرب العالمية الثانية وهي رابع اقتصاد عالمي دفعت ثمنا باهظا من اجل نهضتها فقد تحولت الى قاعدة امريكية ، كذلك اليابان ثالث اقتصاد عالمي وكوريا الجنوبية عاشر اقتصاد عالمي هي ايضا قاعدة امريكية فهي تدفع نقدا ثمن ماليا ثمن الحماية المفروضة عليها .
الدول التي لم تخضع لامريكيا دخلت في صدام وخضعت الى عقوبات وحصار وتجويع ، ايران ، كوريا الشمالية ، ابرز الامثلة على ذلك . التجارب العربية الحديثة مع مشاريع النهضة اجهضت من القوى الاستعمارية ، التجربة الاولى والتي قادها محمد علي اجهضتها بريطانيا وفرنسا وهزموا محمد علي واجهضوا مشروعه ، اما التجربة الاحدث فهي تجربة صدام حسين فحطموا العراق عبر هجمة امريكية غير مسبوقة استباحت العراق واعادته الى مصاف الدول الفاشلة . التجربة الناصرية كانت استقلالية وحدوية اكثر من كونها نهضوية ومع ذلك تم احباطها وبقوة الاستعمار حتى وصل الامر الى حد الشبهة باغتيال الزعيم جمال عبد الناصر .
الصين كان تطورها بموافقة القوى المهيمنة وذلك اعتقادا من امريكيا في بادئ الامر ان سحب الصين من الكتلة الشرقية يستدعي انفتاحها على الاقتصادات العالمية وجرها الى الاقتصاد الراسمالي الحر كذلك التطور الصيني الهادئ والغير معادي وبدون تصادم ولسنوات طويلة ، وعندما بدى لامريكيا خطورة هذا نصبت للصين العداء وحاولت وتحاول كبح هذا التطور بكل السبل . تركيا نموذج اخر فقد اخذت تركيا مسارا مهادنا في تطورها وتسللت الى عالم التطور تحت ساتر الناتو في البداية ثم حاولت الموازنة بين تطورها وعلاقاتها الدولية وواجهت محاولات كبح تطورها بذكاء وقوة الا انها تصطدم الان بمحاولات اجهاضها عبر مؤمرات داخلية وخارجية .
كل ذلك توطئة لرؤية المسار الذي يأخذه محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في القيام بنهضة قومية كبيرة ، فقد بات واضحا ان محمد بن سلمان يرى في السعودية القاطرة التي ستجر المنطقة العربية للتطور وقد قالها صراحة ان الشرق الاوسط هو اوروبا المستقبل ” ستكون دول الشرق الاوسط هي اوروبا في السنوات القادم وخذوا علي عهدا ان ذلك سيكون قبل وفاتي وانا متأكد من النجاح “
من اجل ذلك تبنى حديثا سياسة ” صفر مشاكل ” اعتقادا منه ان نجاح اي مشروع نهضوي يحتاج الى امن واستقرار ، فذهب لاتفاقية مثيرة مع ايران ، واتى ببشار الاسد الى الجامعة العربية وها هو يحاول جاهدا اخماد النزاع في السودان ، اكثر من ذلك فقد اخمد النيران التي تشتعل في اليمن . ويقال اكثر بانه يعيد تقييم العلاقات في لبنان وبالتحديد مع حزب الله .
الخطوة الاهم لمحمد بن سلمان انه يخرج من تحت العباءة الامريكية ويقيم علاقات شبه متوازنة مع كل من الدول الاقطاب الكبرى ” روسيا والصين وامريكيا ” وهذه خطوة استراتيجية ومن العيار الثقيل .كل ذلك يصار بالتوازي مع تغييرات جذرية على مسار الاقتصاد والاداء السعودي برمته ، تجديد في مختلف المجالات ، وتوجهات تنموية متصاعدة ، وشراكات اقتصادية واستثمار .
المريب ان امريكيا لم تبد ردود افعال تتناسب مع هذا الحجم من المتغيرات ، الامتعاض الامريكي الخجول لا يعبر عن حقيقة الموقف الامريكي ولا يمكن ان يكون هو الرد ” المناسب ” . هذا الامتعاض ليس اكثر من ساتر دخاني يخفي خلفه ردود افعال قد تكون عاصفة ، فسياسة ” الفوضى الخلاقة ” الامريكية والجشع الاسرائيلي الاستيطاني هي النقيض المباشر لسياسات بن سلمان ، لذلك فان امتلاك امريكيا قنابل تفجير مختلفة الانواع والشدة في عالمنا العربي قد تكون اهم المخاطر امام بن سلمان ، ربما التفجير الاخير في السودان يمثل مناورة بالذخيرة الحية لمثل تلك القنابل ، ولكن تقاطر المدمرات والولوج الحربية الامريكية الى مياه الشرق الاوسط يأتي كتحضير او كانذار اخر . وتأجيل الردود الامريكية مرده الانشغال الامريكي بمعارك اكثر اهمية ، اوكرانيا بالدرجة الاولى ، التوتر المتزايد مع الصين ، الازمة الكورية …. الخ . سبب اخر لهذا لتأخر في الردود الامريكية وهو احتياج امريكيا واوروبا لمصادر الطاقة الخليجية من نفط وغاز خاصة في ظل الحرب الاوكرانية وسياسات الحصار لروسيا .
الشيئ الاكيد ان سياسات ولي العهد السعودي تمثل نقلة نوعية باتجاه نهضة غير مسبوقة ، وهذا يتعارض مع مصالح ورغبات امريكيا والغرب .
التوازن الدولي الناشئ عن بروز اقطاب دولية جديدة وتهاوي سياسة القطب الواحد قد تحدث شقوقا في حائط الصد الغربي تساعد ولي العهد السعودي على المرور من خلالها . لكن مخاطر اجهاض هذا المشروع ليست بالهامشية او القليلة . بن سلمان لا يمتلكك حكمة الصينيين وقوة صبرهم ، ولا قوة التحدي التي تمتلكها كوريا الشمالية لكنه يمتلك قوة اخرى مختلفة ، يمتلك الهيمنة على اوبيك والتي تمثل شريان الحياة للعالم الصناعي وبالتحديد اوروبا واليابان ، وهذا سلاح اذا احسن استخدامه قد يمثل قوة جبارة لتحييد المعارضة الامريكية ، هناك مسألة اخرى يحاول بن سلمان استخدامها ، ففي ظل جنون الرغبة الاسرائيلية في التطبيع مع السعودية فان اجراء مساومات مع الادارة الامريكية تحقق تطبيعا بقدر ما يساوي التغاضي عن سياسات السعودية النهضوية قد يكون عاملا مساعدا وان كان بقدر محدود ولمدة محدودة ، ومع ذلك لا زالت عملية اغتيال الملك السعودي فيصل شاخصة رغم ان وقف تصدير النفط هو اقل خطورة بكثير من مشروع النهضة الذي يحمله بن سلمان .
الاشهر او السنوات القادمة ستكون حبلى بالتطورات ، النجاح السعودي يكمن في استمرار مشروع النهضة ولو بخطى حثيثة وتجنب الصدمات المدمرة لهذا المشروع ، واحداث توازنات في العلاقات ، هذا يستدعي تسويات ودرجةً من التنازلات التكتيكية ، وربما اكثر من ذلك ربما الانحاء قليلا حتى تمر العواصف . بحكمة فيلسوف وجرأة فارس وتصميم ثائر قد ينجح بن سلمان في سياساته وحينها سيدخل التاريخ من بابه الواسع كرائد النهضة القومية .