غزة: بين الصفقة والحرب طويلة الأمد
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

مصطفى إبراهيم
يشهد المشهد الإسرائيلي تبايناً متطوراً داخل المنظومة الأمنية والسياسية حول مسار الحرب على غزة، بين خيار صفقة جزئية للإفراج عن الأسرى وخيار التصعيد العسكري الواسع للسيطرة على المدينة. هذا ما ظهر بوضوح في اجتماع الكابينيت الأمني والسياسي الأخير، حيث برزت اختلافات بين قادة الأجهزة الأمنية ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وإن لم تصل إلى مستوى الانقسام الحاد.
حتى الآن، لم يقدم الجيش والأجهزة الأمنية خطة متكاملة لإنهاء الحرب، وهو ما يفسَّر إما كجزء من سياسة مقصودة لإبقاء حماس في حالة غموض، أو نتيجة قصور في تقدير الموقف. ومع ذلك، فإن أولويات المؤسسة الأمنية تبدو واضحة: استعادة أكبر عدد ممكن من الأسرى قبل استئناف العمليات العسكرية.
في المقابل، ترى حماس أن أي صفقة جزئية ليست أكثر من هدنة مؤقتة، سرعان ما تعقبها عودة إسرائيل للحرب، كما تؤكد التصريحات السياسية والعسكرية الإسرائيلية. وبالتالي، لا تملك الحركة دافعاً حقيقياً للموافقة، وحتى إن فعلت، فإن مصير بقية الرهائن سيبقي الأزمة مفتوحة على انفجار جديد.
صحيفة هآرتس كشفت أن قادة الأجهزة الأمنية – رئيس الأركان إيال زامير، ورئيس الموساد دافيد برنياع، ورئيس الشاباك بالإنابة – أوصوا بالصفقة الجزئية، محذرين من أن العملية العسكرية الشاملة لن تحقق حسماً على حماس، بل ستُثقل كاهل إسرائيل بخسائر بشرية وزمنية، وربما تفرض حكمًا عسكريًا طويل الأمد في القطاع.
أما نتنياهو، فقد رفض هذا المسار بشكل قاطع، معتبراً أن الردع الإسرائيلي على المحك، وأن أي صفقة جزئية ستُظهر إسرائيل كمن رضخ لحماس. وبحسب القناة 13، أشار إلى أنه يحظى بدعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمضي في عملية عسكرية واسعة، ما عزز موقعه أمام الوزراء.
النقاش داخل الجلسة لم يخلُ من محاولات لخلط الأوراق، إذ طرح وزراء من اليمين، مثل ياريف ليفين وبتسلئيل سموتريتش، فكرة استغلال فترة الصفقة الجزئية لفرض السيادة على الضفة، ما أثار انتقادات حادة.
في جوهره، الخلاف لا يعكس انقساماً جذرياً بقدر ما يعكس اختلافًا في ترتيب الأولويات: الأجهزة الأمنية تركّز على ملف الأسرى لتخفيف الضغط عن إسرائيل، فيما يصر نتنياهو على استمرار الحرب بلا سقف زمني، مدفوعا بحسابات الردع ومصيره السياسي مع اقتراب العام الانتخابي.
وفي النهاية، يبقى الفلسطينيون الحلقة الأضعف، يدفعون الثمن الأكبر من حياتهم ودمائهم وبيوتهم. ومع غياب أي أفق لتسوية أو لوقف شامل للحرب، تظل غزة على أعتاب عام آخر من النزيف العسكري والسياسي، بينما تزداد عزلة إسرائيل الدولية بين أهداف نتنياهو واستعصاء سياسي.