مقالات الخامسة

غزة على شفا الدمار: صفقة أم كارثة؟

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

الكاتب: أشرف العجرمي

خلال اليومين الماضيين ساد تفاؤل كبير بالتوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة «حماس»؟، والسبب هو تراجع «حماس» عن بعض تحفظاتها السابقة والموافقة على صيغة مقترح المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، التي تتحدث عن صفقة جزئية تستمر لمدة 60 يوماً قابلة للتجديد طالما استمرت المفاوضات اللاحقة التي ستبدأ مع تنفيذ الصفقة.
وفي إطارها يتم الإفراج عن عشرة محتجزين إسرائيليين أحياء وثمانية عشر آخرين من الأموات، مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين وانسحاب إسرائيلي من جزء كبير من مناطق قطاع غزة المحتل، وإدخال المساعدات بشكل كبير ويكفي لسد حاجة المواطنين.
وما يدعو للتفاؤل هو أن الشارع الإسرائيلي بدأ بالتحرك بصورة مكثفة وقوية للضغط على حكومة بنيامين نتنياهو.
وهناك أخبار صحافية إسرائيلية عن ضغوط كبيرة يمارسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على نتنياهو للقبول بالصفقة علماً أن «حماس» وافقت على مقترح ويتكوف الذي قبلت به إسرائيل.
لكن الأمور ليست بهذه البساطة. نتنياهو يتعرض لضغوط كبيرة من شركائه في الائتلاف الحكومي وعلى وجه الخصوص من الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين يعتقدان أن أي صفقة جزئية لا تحرر جميع المحتجزين ستفضي إلى وقف الحرب دون تحقيق أهدافها وخاصة القضاء على حركة «حماس» وتجريدها من السلاح وإنهاء سلطتها في غزة.
والشارع الإسرائيلي منقسم بين رغبة في تحرير جميع «الرهائن» دفعة واحدة لإنقاذهم حتى لو كان ذلك بثمن إنهاء الحرب والانسحاب الشامل من قطاع غزة وبين من يقول لنأخذ ما هو ممكن حتى لو كانت صفقة جزئية.
وهناك طرف ثالث يؤيد استمرار الحرب حتى تحقيق أهدافها بصرف النظر عن تحرير المحتجزين.
ويبرر هؤلاء موقفهم بأن الضغط العسكري وحده سيحل مشكلة الرهائن.
من الواضح أن خطة إسرائيل المقرة باجتياح مدينة غزة ومناطق المحافظة الوسطى وقلبها مدينة دير البلح هي التي حركت ملف الصفقة.
فمن جهة، كانت هناك ضغوط هائلة على «حماس» من الفصائل الفلسطينية التي ترى في استمرار الحرب وتنفيذ خطة تدمير غزة خطراً كبيراً داهماً وكارثة كبرى جديدة. وبالتالي طلبت من «حماس» القبول بالصفقة دون أي تحفظات أو تعديلات لمنع إسرائيل من تنفيذ مخططها التدميري. وكانت ضغوط كبيرة أيضاًَ مورست من قبل الوسطاء مصر وقطر وكذلك من تركيا.
وفي المقابل تمارس ضغوط دولية هائلة على إسرائيل من قبل أطراف دولية عديدة وخاصة من الدول الأوروبية وغيرها من خلال بيانات الرفض والتحذير من مغبة تطبيق هذه الخطة التدميرية. بالإضافة إلى موقف أهالي الأسرى الإسرائيليين وغالبية الجمهور المؤيد للإفراج عنهم، من أجل أن يوافق نتنياهو على الصفقة.
في الواقع، نتنياهو الذي يحاول استثمار موافقة «حماس» على أنها نتيجة للضغط العسكري ولسياسته الحكيمة التي تؤثر على موقف الحركة، هو في نفس الوقت يماطل ويحاول التلاعب مرة بوضع شروط جديدة ومرة بالحديث عن صفقة شاملة. ولكن يبدو أنه لن يتملص من استحقاق الصفقة بعدما قدمت «حماس» ردها للوسطاء دون أي تحفظ أو تعديل.
ويظهر أن حرية المماطلة لديه باتت محدودة في ظل هذه التطورات.
وسيكون من الصعب عليه جداً تفويت هذه الفرصة التي من ناحية تخفف الضغوط الداخلية، وكذلك الخارجية المفروضة عليه وبالذات بسبب تجويع الفلسطينيين في غزة وتحديد كمية المساعدات التي تدخل، ومن ناحية ثانية، يستطيع التنصل من أي التزام بمواصلة وقف إطلاق النار بعد انقضاء فترة الستين يوماً التي هي مدة تنفيذ الصفقة.
المشكلة الأبرز في التعاطي مع ملف الحرب في غزة هي موقف الرئيس الأميركي من المسألة. ففي حين يبدو كمن يضغط من أجل صفقة وحتى لوقف الحرب تماماً، يبدو في أحيان كثيرة كمن يعطي نتنياهو الضوء الأخضر لمواصلة الحرب وتصريحه على منصته للتواصل الاجتماعي أول من أمس الذي قال فيه إن عودة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة «لن تتحقق إلا بمواجهة «حماس» وتدميرها»، هو في غاية الغرابة والتناقض حتى مع الجهود التي يبذلها الوسيط ويتكوف. فمثل هذا الموقف يوحي لنتنياهو بأن عليه أن يواصل الحرب إلى ما شاء الله.
وفي الواقع، حصل نتنياهو على موافقة ترامب على خطته الجديدة لاجتياح مدينة غزة والمحافظة الوسطى، حتى لو قيل إنه قد طلب من رئيس الحكومة الإسرائيلية أن يفعل ذلك بسرعة.
والجيش الإسرائيلي حدد ثلاثة أشهر لتنفيذ المرحلة الأولى من الخطة.
ونحن الآن في الواقع في مرحلة تبادل المواقف بين إسرائيل و»حماس» حتى يتم تبين مصير الصفقة، هل ستتم كما هي مقترحة من قبل ويتكوف أم ستجري عليها تعديلات بموافقة الطرفين، أم ستفشل الجهود وتستمر الحرب والكارثة.
والحقيقة نحن بحاجة لخطة شاملة لوقف الحرب. وفي هذا السياق، يمكن لحركة «حماس» أن تلعب الدور الرئيس في وقف الحرب بالاستجابة للمطالب العربية والدولية بالتخلي عن حكم غزة وتتنازل عن السلاح، حتى لو كان من خلال وضعه وديعة لدى مصر كما يقترح الأشقاء المصريون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى