غزة: من مأساة إنسانية إلى انفجار سياسي لا مفر منه
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

بقلم: هديل المزعنن
في أعقاب أي مواجهة عسكرية في غزة غالباً ما يتبدل المشهد الاخباري من وقع القذائف إلى سيمفونية عن وقف إطلاق النار ، المساعدات الإنسانية ، و وعود لإعادة الإعمار. لكن تحت السطح ، و في دهاليز السياسة المعقدة ، تتشكل حقيقة أشد خطورة ، فإن كانت الأزمة الإنسانية في غزة هي جرح عميق ، فإن غياب الحلول السياسية الجادة يحول هذا الجرح إلى قنبلة موقوتة ، قابلة للانفجار في أي لحظة ، محدثة تداعيات تتجاوز حدود القطاع.
تتحدث الأرقام بصوت صارخ عن دمار هائل: آلاف الشهداء و الجرحى ، بنية تحتية مدمرة بالكامل ، تهجير قسري لمئات الآلاف ، و اقتصاد منهار. هذه هي الصورة الإنسانية الصادمة التي تتصدر العناوين ، لكن الأزمة الحقيقية ، و المخاطر السياسية الأكثر استراتيجية تتشكل في الفراغ السياسي المطبق. فكل يوم يمر دون أفق حل سياسي حقيقي ، و كل مساعدات لا تترجم إلى خارطة طريق لمستقبل آمن ، تغذي ناراً سياسية ستتأجج حتماً ، و تنفجر في وجه كل الأطراف.
المواجهة الأخيرة لم تكن سوى حلقة جديدة في دائرة مفرغة من العنف و التدمير. كل جولة قتال تمحو ما تم بناؤه ، و تضاعف من مستويات اليأس و الإحباط ، و تشكل جيلاً كاملاً يترعرع على ثقافة “العنف هو اللغة الوحيدة”. فالأزمة الإنسانية ليست مجرد نتيجة ، بل هي الوقود المباشر للصدمة السياسية القادمة.
ما تشهده غزة يتجاوز كونها مجرد “كارثة إنسانية” ؛ إنه فشل ذريع للحلول السياسية المرحلية ، و دليل قاطع على استراتيجيات عقيمة. الأزمة الإنسانية هي العرض ، بينما العلة تكمن في غياب إرادة سياسية جادة نحو حل شامل و عادل. فبدون معالجة الأسباب الجذرية – الاحتلال المستمر ، الحصار الخانق ، و غياب كيان سياسي فلسطيني مستقل و قابل للحياة – ستبقى غزة برميل بارود سياسي ، جاهز للانفجار في وجه الجميع ، و ستتكرر فصول المأساة ، مهما بلغت سخاء المساعدات الإنسانية. إنه إنذار صارخ للعالم: إما تحرك سياسي حاسم ، أو مواجهة عواقب الانفجار السياسي القادم.





