فادي أبوبكر: المناورات الإسرائيلية – الأميركية وخيار ضرب إيران
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
إنطلقت يوم الثلاثاء الموافق 29 تشرين ثاني/ نوفمبر 2022 مناورات أميركية إسرائيلية جوية مشتركة تحاكي ضربات هجومية ضد البرنامج النووي الإيراني، اعتُبرت الأكبر خلال سنوات. واستمرت المناورات مدة ثلاثة أيام فوق البحر الأبيض المتوسط وشملت رحلات طويلة المدى مثل تلك التي قد يحتاجها الطيارون الإسرائيليون للوصول إلى الجمهورية الإسلامية[1].
وتأتي هذه المناورات وسط ارتفاع حدّة التوترات حول برنامج إيران النووي والعداء الإقليمي، وتصاعد التهديدات من طرف كبار الضباط من المعسكرين حول قدرة كل طرف على ضرب الآخر، ما يثير تساؤلات حول دلالات توقيت هذه المناورات وأبعادها، وفيما إذا كان خيار ضرب إيران أقرب من أي وقت مضى؟
أكثر من 20 عاماً على المناورات المشتركة
تجري كل من “إسرائيل” والولايات المتحدة الأميركية منذ العام 2001، تدريبات عسكرية مشتركة تحمل إسم “جونيبر كوبرا”، بشكل دوري كل عامين، تهدف إلى محاكاة تنفيذ هجوم على أهداف “طويلة المدى” وإلى تحسين العلاقات بين الجيشين أيضاً.[2]
في آذار / مارس 2018، تم إجراء مناورة أميركية – إسرائيلية مشتركة تحاكي هجوماً إيرانياً صاروخياً بالستياً كبيراً ضد “إسرائيل”، وبحسب هيئة البث الإسرائيلية الرسمية أجرى الجيش الإسرائيلي في شباط/ فبراير 2022، مناورة سرية تحاكي تنفيذ هجوم على إيران، بعشرات الطائرات بحضور ضابط عسكري أمريكي، حيث أجريت هذه المناورة بالتزامن مع نهاية محادثات البرنامج النووي الإيراني في فيينا.[3]صحيح أن تدريبات “جونيبر كوبرا” العسكرية يتم إجراؤها كل سنتين، وقد تم التخطيط لها مسبقاً ، إلا أن التركيز في محاكاتها لتنفيذ هجوم ضد إيران، في السنوات القليلة الماضية، وسط التوترات المتصاعدة مع إيران ، وما تبعها من احتدام الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي، بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بداية عام 2022، يجعل سيناريو ضرب إيران أكثر ترجيحاً من أيّ وقت مضى.
حكومة نتنياهو والتفجير المزدوج في القدس
ولعلّ ما يجعل هذا السيناريو ممكناً، حقيقة أن المناورات المشتركة الأخيرة جاءت في ظروف تحيطها العديد من التساؤلات والشُبهات. حيث تم تنفيذها بعد أسبوع واحد فقط من وقوع تفجير مزدوج في القدس لم يحدث مثله منذ عدة سنوات ( ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه)، وجاءت العملية بالتزامن مع المشاورات التي يجريها بنيامين نتنياهو مع حلفاء لتشكيل حكومة يمينية جديدة تضم أعضاء من الأحزاب الدينية واليمينية المتطرفة، كما وحدثت العملية التفجيرية أثناء وجود رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي في واشنطن، حيث اجتمع مع كبار المسؤولين الأمريكيين بمن فيهم رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي وقائد القيادة المركزية الجنرال مايكل كوريلا. هذا فضلاً عن نشر مجموعة هاكر إيرانية تطلق على نفسها “عصا موسى” تسجيلاً للحظة الانفجار.
كل هذه المؤشرات تقود إلى افتراض استنتاجي مفاده أن هذه العملية التفجيرية هي في صالح بنيامين نتنياهو بالدرجة الأولى، لما ستشكّله من دفعة نحو تقوية ائتلافه اليمني المتطرف الجديد، إضافة إلى تعزيز رؤيته ومشروعه الذي يقوم على وجوب ضرب المنشآت النووية الإيرانية.
من المتوقع أن يزداد الضغط الإسرائيلي على الولايات المتحدة فيما يخص ضرب إيران، حال ما تسلّم نتنياهو رئاسة الحكومة، خاصة وأن “إسرائيل” قد رفعت من مستوى استعدادها بشكل كبير واتخذت خطوات متقدّمة في العام الماضي، أهمها رفع الموازنة المخصصة للجيش الإسرائيلي إلى 58 مليار شيكل مع التركيز على التهديدات التي تشكلها إيران في جميع أنحاء المنطقة ، مع حوالي 3.5 مليار شيكل مخصصة لهذا الغرض[4].
وفي نفس السياق، فإنه من الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة و “إسرائيل” كانتا قد وقعتا اتفاقية من شأنها أن تلزم الولايات المتحدة بمساعدة “إسرائيل” في الدفاع الصاروخي في أوقات الحرب، وهذه نقطة سيستغلّها نتنياهو حتماً، ولكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه: هل تخضع الولايات المتحدة للضغوط الإسرائيلية؟.
خيار ضرب إيران في ظل الصراع الدولي القائم
لا يمكن الحديث عن خيار ضرب إيران، بمعزل عن الصراع الدولي القائم، حيث قال مسؤولان أميركيان، يوم الجمعة الموافق 9 كانون أول/ ديسمبر 2022، إنّ “الولايات المتحدة تعتزم فرض عقوبات جديدة على روسيا والصين، تشمل معاقبة موسكو على استخدامها طائرات إيرانية مسيرة في حربها على أوكرانيا[5]“.
من جهةٍ أخرى، فإن قرار الحكومة اليابانية الأخير بتغيير السياسة الدفاعية لطوكيو، والذي وصفه محللون بالتغيير الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، والذي يتضمّن مضاعفة الإنفاق الدفاعي، واعتبار كل من الصين وروسيا وكوريا الشمالية مصادر تهديد لليابان[6]، يجعل الاستراتيجية اليابانية تتلاقى مع الاستراتيجية الأميركية ويجعل خيار ضرب ايران أكثر ترجيحاً في ظل وجود حليف للولايات المتحدة مثل اليابان التي ستصبح باستراتيجيتها الجديدة صاحبة ثالث أكبر ميزانية عسكرية في العالم بعد الولايات المتحدة والصين.
على الرغم من ذلك، فإن أسعار النفط ما زالت تنخفض رغم كل العقوبات على روسيا، هذا فضلاً عن فشل قادة دول الاتحاد الأوروبي في إقرار عقوبات جديدة على روسيا على هامش اجتماعهم الأخير الذي عقد في 15 كانون أول/ ديسمبر 2022[7]. ويضاف إلى ذلك أحزاب المعارضة اليابانية، وما قد تشكّله من اداة ضغط على الحكومة اليابانية والتي لا يمكن إغفال تأثيرها.
ويمكن القول أن الحرب الروسية الأوكرانية باتت تستنزف المعسكر الغربي اقتصادياً، ولم تؤتي العقوبات المختلفة أُكلها كما كان يطمح، والدب الروسي ما زال منتعشاً من الناحية العسكرية، ويتقدّم بنفس الوتيرة الثابتة التي رسمها منذ بداية الحرب.
خاتمة
إن جاهزية كل من “إسرائيل” والولايات المتحدة لضرب إيران، لا تعني عدم جهوزية الأخيرة، حيث أنها تمتلك كمّاً من الصورايخ الباليستية القصيرة والمتوسطة المدى، وحزب الله اللبناني يقدّر بأن لديه ترسانة من حوالي 150 ألف صاروخ، هذا فضلاً عن المعسكر الشرقي بقيادة كل من الصين وروسيا، اللتان لن تتركا إيران خلف الركب.
وإن كانت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية قد قالت في افتتاحيتها يوم 17 كانون أول/ ديسمبر 2022 أن ” حكومة نتنياهو تشكّل خطراً على إسرائيل”، فإننا نقول أنها تشكل خطراً أكبر على الولايات المتحدة أيضاً، في حال تماهت وتماشت مع هذه الحكومة المتطرفة، فالتاريخ يقول أن الأيديولوجيات الشمولية المتطرّفة لن يكون مصيرها سوى الفناء في نهاية المطاف.
كاتب وباحث فلسطيني