مقالات الخامسة

فكرة السفر من غزة .. ما أضناها

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

كتب: عدلي صادق

في حوارات التواصل والمواساة، مع الذين يعانون في قطاع غزة بسبب وقائع حياتهم الشقيّة التي يعلمها الجميع، لا سيما حياة الذين دُمرت بيوتهم ولا يجدون بديلاً لها سوى الخيام الرثة؛ ينتقل الحديث من منحى إلى آخر، إذ لا يُعتبر وقف الحرب خاتمة العذاب. فحتى النجاة من الموت، لا تكتمل بمجرد وقف إطلاق النار. والغالبية العظمى من الناس تريد أن تسافر.

هنا تصبح فكرة السفر ممزوجة غصباً وخطأً بفكرة الهجرة. ويبدو من خلال تفحص المشهد الإقليمي كله، أن المغادرة الطوعية تُلامس الهجرة القسرية، إن لم يكن قرينة التهجير غصباً. فشروط الحياة نفسها أصبحت تمثل عنصراً طارداً للناس من أرضها. والأكثر إيلاماً أن فكرة منع التهجير، وهي ممتدحة، ستظل تقف عائقاً في وجه السفر عندما يُفتح المعبر للضرورات المقررة أمنياً وإدارياً!

سكان قطاع غزة الذين وقعت الفاجعة على رؤوسهم يستحقون حرية الحركة، وكون المعبر الوحيد أمامهم هو الخروج إلى مصر، فإن التدبير الحتمي لإنصاف الناس لن يكون إلا على المستوى السياسي، لفتح المجال لسكان قطاع غزة لكي يحصلوا كرعايا سائر الشعوب على تأشيرات الدخول لجميع دول الإقليم، وبخاصة العربية الإسلامية. فمن الظلم وضع التدابير المعيقة لحركة الفلسطينيين من غزة وتواصلهم في الإقليم، على أساس أنهم عنصر خطير، دونما أية أمثلة تعزز هذه الفكرة. ومن المفارقات، للأسف، أن هذه الدول عندما تختلف على كل شيء، تتفق على الاستثناء السلبي ضد فلسطينيي قطاع غزة، وبعض الدول تستزيد، فتحرم من يحمل إذن الإقامة فيها، من دخول أراضيها، كون غزة هي مكان الميلاد المسجل في جواز السفر. كذلك من المفارقات أن سلطنة عُمان الشقيقة، التي لم يكن الفلسطيني يقترب منها في سالف الأيام، هي التي فتحت للفلسطيني أبوابها، على النحو الذي يليق بسلطانها الشاب الواثق من نفسه ومن وزن بلاده هيثم بن طارق.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

إن ظن أحد الفلسطينيين بأن الطنين الثوري عبر قناة تلفزة عربية يوحي بأنه سيكون في موضع الترحيب في بلاد القناة التلفزيونية، سرعان ما يكتشف أن وراء “دعم” المقاومة، منعٌ مطلق، لإصدار تأشيرة لفلسطيني من غزة، بينما لا يكون المنع مطلقاً لدى من لا “تدعم” قنواتهم أي مقاومة!

من حق الشعب في غزة، بعد كل المعاناة، أن يمتلك حرية الحركة في الإقليم كله، جيئة وذهاباً، لكننا منكوبون على المستوى السياسي، وليس لنا ولي أمر يمكن أن يطرح قضية تخفف عن أي شريحة من الناس. فالعبد لله يعرف عباس جيدا وقد تابع سلوكه قبل أن يُبتلى به شعبنا رئيساً. فلم ينطق مرة واحدة، بحرف يتعلق بمظلمة او صعوبة يلقاها شعبنا أو مطلباً أمام أي مسؤول في أي بلد آخر، وأعرف عدداً من السفريات والزيارات التي قام بها وكلفتها طبعاً على حساب الشعب الفلسطيني، فقط لكي يوصي أو يطلب شيئاً لأحد نجليه، وهو في هذا الأمر لا يستحي، وفي المجمل كل مصروفاته لا عائد منها على الإطلاق وهي مخصومة من خبز الفلسطينيين ومن دوائهم وكانت تنمية القطاع الصحي أولى بها. وللأمانة، هو لا يزعم أنه مهموم بهذه الخراريف، أو إنه معنيٌ بأحوال شعبه أصلاً، لأنه ببساطة ارتضى على كل صعيد بأن يظل طوال الحياة وإلى الممات كتلة عفونه مجففة معلومة ومشهودة، لا يمتدحها سوى الكاذبين السحيجة.

ما أضنى فكرة السفر المأمول، بعد الفتح المأمول للمعبر. ففي اتصالاتي الشخصية، مع أي “مختنق” في غزة، ينتظر فتح المعبر للسفر طلباً للتعافي، اتحدث بتفاؤل، وربما اطرح افكاراً عن لقاءات عاجلة مع أصدقاء في الجزائر مثلا، التي اشتغلت فيها وتعرفت على قادتها، علماً بأنني لا استطيع ـ كفلسطيني ـ السفر اليها بأي جواز سفر. فالتفاؤل يحافظ على الصحة ولا يضرها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى