تقارير

اللايك هو السّبب.. فلاتر التواصل الاجتماعي.. متعةٌ جمالية أم كمين وخداع؟

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

“فلاتر سناب شات”- خاص الخامسة للأنباء – تقرير محمد الذهبي:

لم يعُد هناك حاجة إلى زيارة صالونات التجميل، العناية بالبشرة، أو حتى خبراء المكياج للظهور أمام الكاميرا.. قبل سنوات قليلة، كانت تذهب الفتاة إلى صالون التجميل من أجل أن تبدو بمظهرٍ لائق أمام الناس، أما اليوم.. فيكفيك أن تقوم بتشغيل سناب شات، ثم تفعيل أحد الفلاتر السحرية لتتحول فوراً إلى مُهنّد التّركي أو ليلى العامرية!

فلاترٌ سهلةٌ جداً، فحتى بإمكانها أن تُظهرك، كنت شاباً أو فتاة، بأحلى إطلالةٍ لك دون أن تغسل وجهك بعد النوم، أجل.. بل وتُرضي شغف السمراء بأن تتحول إلى بيضاءٍ بذات ملامحها الرقيقة، والبيضاء لتجربة لون البشرة السمراء إن رغبت.

مؤشر خطير على الصحة النفسية..

ولكن.. ما الذي تُخفيه هذه الفلاتر والتقنيات المتقدمة خلفها؟ فهل هي صحية وآمنة؟ أم أنها تحمل في طياتها مخاطر قد تودي بجيلٍ كامل وتجعله عديم الثقة بالنفس؟

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

لقد أكد خبراء السلوك وأمراض الإنترنت، على أن الغرور الفطري الكامن وسلوك الاستعلاء والتباهي يتضخم أكثر مع اتساع دائرة الأصدقاء والمتابعين في المحيط الجغرافي للمستخدمين، بسبب الاستعمال الدائم، والذي يتحول إلى إدمان فيما بعد على هذه الفلاتر والتقنيات التي تخفي كل العيوب وتظهر المستخدمين بصورةٍ مثالية، معتبرين أن تلك الظاهرة مؤشر خطير للانجراف وراء إعلانات التجميل وطرق أبواب عيادات الجمال وأطباء التجميل لمحاكاة ثورة الجمال الافتراضي تمرداً على الجسد، بإجراء عمليات ترميم وشطب ونفخ وتنحيف وتقطيع وتصغير وتكبير الملامح وأجزاء من الوجه والجسم.

هل الفلاتر مرض؟

يصنف عديد من الاختصاصيين حول العالم ذلك على أنه حمى مرضية، تفرز نسبة كبيرة من المشكلات والاضطرابات المزمنة والاختلالات السلوكية، مثل الاكتئاب والانطوائية التي قد تتطور إلى مقاطعة الأسرة والمجتمع والانعزال، بسبب فقدان التقدير والثقة بالنفس، حيث تؤكد دراسات على أنه من بين كل عشر حالات تجري عمليات تجميل متعددة في فترات متباعدة، هناك أربعة تبحث عن العلاج لدى العيادات النفسية فيما بعد.

اللايك هو السبب

تبين لدى بحثنا حول الموضوع، أن اللايك بات هوساً يسعى مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على أكبر قدر ممكن منه على الصور الشخصية، ومن أجل ذلك لا مانع لديهم من التوجه إلى الفلاتر، حتى وإن تطلب الأمر تغيير مظهرهم كلياً.

وقد أثبتت تقارير نفسية ودراسات، أن عدد اللايكات له علاقة في اختلال التوازن النفسي وازدياد موسوعة الأمراض النفسية حول العالم، كونها أدت إلى اضطرابات سلوكية، مما يستوجب بالضرورة، التوعية بأن الشخص والشكل والمكياج كلها مجرد عناصر فاعلة في عالم افتراضي فقط.

نظرية أخرى..

إحدى نظريات علم النفس الحديث المغايرة، رأت أن الغاية من استخدام تلك الفلاتر والحصول على صورةٍ أفلاطونية، يرجع إلى تنامي غريزة الغرور والتباهي الاجتماعي، التي تندرج ضمن نطاق الأنانية مفرطة، والتي يبتغي صاحبها جلب انتباه الآخرين واستعراض الذات، بينما يجب على المرء أن يقتنع بشكله ومظهره.

خطر على العلاقات الإنسانية..

يرى الشاب أحمد الدهشان، أن هذه الفلاتر خدعة كبيرة، يستخدمها الشباب والفتيات من أجل إشباع عواطف مفقودة لديهم، قائلاً: أعتقد أن نقصا عاطفيا عند هؤلاء الأشخاص يدفعهم إلى ذلك، فمن الممكن أن يكون الشخص فاقدا لوجود الاهتمام أو الحبيب ويبحث عن ذلك من خلال إظهار نفسه بصورة أجمل، أو من عشاق الشعور بأنه محور جذب لدى الآخرين.

واعتبر أن مشاكل مستقبلية تنطلي على هذه الخدع البصرية، حيث قال: لا أستطيع أن أتخيل، ماذا سيكون موقف شاب ارتبط بفتاة عبر الإنترنت، ثم توجه لخطبتها وتفاجأ بأنها كانت تستخدم فلاتر سناب شات أو غيره؟ ما شعور هذا المخدوع؟ وهل سيتقبل الفتاة بشكلها الذي بالتأكيد سيكون أقل جمالاً من الذي ظهرت عليه عبر الكاميرا؟ وماذا لو كان العكس؟ هل ستتقبل الفتاة الشاب بشكله غير المعتاد بالنسبة لها؟

نظرة علمية

ترى بعض الدراسات أن هذه الفلاتر، لم تتوقف عند كونها وسيلة ليبدو الشخص مشرقاً فقط، وأنها تجاوزت ذلك لتصبح أسلوب حياة، مما جعل أخطاره تتبلور شيئاً فشيئاً لتهدّد توازن البعض النفسي، وعلاقتهم بأنفسهم وبالآخرين.

وبينت مجلة لوبسيرفاتوار المعنية بالصحة النفسية، تأثيرها الضار على صورة الجسد واحترام الذات، لاسيما لدى الفئات الأقل وعياً بمخلفاتها المدمرة على الحياة النفسية.

عقدة السيلفي

من بعض المحاولات التي تناولت هذا الخطر محاولة المصور البريطاني رانكين، لإثبات تأثير تطبيقات، مثل فلاتر انستغرام وسناب شات، في الصحة العقلية للمراهقين، وفي هذا الغرض، رسم الفنان سلسلة من الصور لـ15 شاباً تراوحت أعمارهم ما بين 10 و18 عاماً، وطلب منهم بعد ذلك تعديل صورهم، للوصول إلى النتيجة التي كانوا سينشرونها على شبكات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم.

المثير للغرابة، أنه لم يحتفظ أي منهم بصورة رانكين الأصلية، فقد عمد كلهم دون استثناء إلى تنعيم بشرتهم، في الوقت الذي بادر آخرون إما لتكبير عيونهم، أو تضييق أنوفهم، وبهذا الأمر ما قبل وما بعد، وبمقارنة النتائج، تبرز عقدة السيلفي بين الشباب، بحسب عنوان مشروع المصور، الذي يستنكر بالتالي الآثار الضارة لوسائل التواصل الاجتماعي في الصورة الذاتية للأشخاص ،وتبرز معه ظاهرة الديسمورفوفوبيا، التي لطالما انكب على دراستها الطب المعاصر، وهي اضطراب وسواسي ونفسي يشعر فيه المصاب بالقلق بسبب عيب في شكل أو معالم جسمه، إذ يمكن مقارنة استخدام تطبيقات التنقيح، أو فلاتر سناب شات أو انستغرام بنوع من الجراحة التجميلية الافتراضية لإخفاء المظهر الحقيقي المعيب، أو حتى الدفع إلى جراحة حقيقية في أحيانٍ كثيرة.

ويقول رانكين في دراسته، أنه انطلاقاً من هنا، يمكن تفهم إشكالية الإدمان على تعديل الواقع الشخصي للناس، فعندما نقف أمام شاشتنا، يرسل لنا انستغرام مثلاً، نسخة مصححة من أنفسنا، فهل هذا مرادف لفكرة أن وجهنا لم يكن جميلاً بما يكفي مثلاً؟ أو متوافقاً مع رموز ومعايير الجمال الخاصة به؟ وإذا بادر التطبيق بإصلاح وجوهنا، فهناك أشياء يجب بالفعل إصلاحها.

ويتابع: هنا بالذات تندلع دوامة الوساوس والتوتر، لأن هذه الفلاتر تواجهنا بنقائصنا، وتبرزها من خلال استثارة الرغبة في إخفائها، وبمحاولة إخفائها، فإنها تقوم أكثر بإبرازها وجعلها مرئية وصارخة وغير متناسبة في نظر مستخدمها.

ناقوس خطر

يحذّر باحثون من جامعة بوسطن بالولايات المتحدة، من تأثير استخدام فلاتر التطبيقات الاجتماعية على التوازن النفسي والاجتماعي للمراهقين، الذين ذهب بعضهم إلى تمني إجراء جراحة تجميلية فعلية للظهور، مثل الصور الفوتوغرافية التي يلتقطونها لأنفسهم بالاعتماد على الفلاتر.

وفي هذا الصدد، تعهد مايكل ستورا، المحلل النفسي المتخصص في التكنولوجيا الرقمية، بفك شفرات المخاطر الحقيقية المرتبطة باستخدام هذه المحسنات، والفلاتر على الشبكات الاجتماعية، ملاحظاً أن الصور المعدلة كانت في الماضي محصورة في المجلات النسائية، أما اليوم فقد أسهمت الشبكات الاجتماعية في إشاعة الظاهرة وزيادة استعمالها بشكل موسع بين كل الناس، فالكل يشاهد اليوم حجم المراهقات المدمنات على فلاتر الفاشينيستات ومؤثرات السوشيال ميديا، واللواتي أصبحن نجمات حقيقيات على هذه الشبكات، ليصبحن نجمات مثلهن، إذ من المرجح أن تولد هذه الظاهرة الجديدة مراهقين نرجسيين في المستقبل.

عنف ضد النفس

من جهة أخرى، أثبتت الدراسات نفسها، والتي أجرتها جامعة بوسطن الأمريكية، أن فكرة نشر مراهقين صوراً معدلة لأنفسهم بشكل ممنهج، تكشف في معظم الأحيان النقاب عن هشاشة حقيقية، إذ تبرز التعديلات التي يجرونها على مظهرهم انزعاجاً دفيناً منها وخوف يقترب من درجة الهوس من القبح.

وفي الوقت ذاته يكرس تطبيق انستغرام وغيره من التطبيقات، فكرة التشابه والتماثل في الجمال، من خلال لعبة الإخراج المسلية التي تلعبها فلاتره مع المستعملين الذين يبدون بشكل تام وباستمرار، سجيني فكرة المثالية والجمال الدائم في الظهور بأحسن صورهم وأفضلها على الإطلاق، مما يناهض الواقع ويحمل من التعسف والعنف ضد النفس الكثير، لأن كل فرد يمر بأوقات عصيبة ويحتاج إلى مساحة للتعبير عن ضيقه.

إلغاء لهوية الفرد..

ترى صابرين عنبر، أن هذه الفلاتر ليست إلا وسيلة لطمس الهوية الحقيقية لأصحابها لاكتساب أكبر قدر ممكن من التفاعل والإعجاب من الفئات المحيطة، مبديةً بذلك موافقتها على أن اللايك هو سبب رئيسي في التوجه نحو الفلاتر المثالية.

واعتبرت صابرين أن الاعتياد على استعمال هذه الفلاتر يجعل الأشخاص غير راضين عن عالمهن وشخصياتهن الحقيقية، مما يدخلهم في حالة من القلق ورفض الذات، وكذلك تعتقد أن هذه الفلاتر تعزز العدوانية والمقارنة الاجتماعية وتلغي الهوية الحقيقية للفرد من خلال الهوس بمستحضرات العناية بالجسد، والبحث عن وسائل لتغيير الشكل كي يتماشى مع ما يشاهده الشخص افتراضياً.

وسواس قهري

خلصت دراسات علمية عدة، إلى أن السيلفي والفلاتر ذات ارتباط وثيق برفع خطر الإصابة بـ “اضطراب تشوه الجسد”، وانعكاسه على الصحة العقلية والبدنية للمراهقين والكبار، إذ حذرت الرابطة الألمانية لأطباء الأطفال والمراهقين من هذا.

وبينت أن الاضطراب يندرج ضمن اضطرابات الوسواس القهري، وفيه يشعر الشخص المصاب بقلق مفرط بسبب عيب في شكل أو معالم جسمه، ما يرفع خطر الإصابة بالاكتئاب أو محاولة الانتحار.

غزة تغرق في شبر مياه.. فهل من مغيث؟

وتتمثل أعراض هذا الاضطراب في تدني احترام الذات والعدوانية والعزلة الاجتماعية، والهوس بشكل الجسد وأنظمة الحِمية الغذائية من أجل الوصول إلى الصورة المثالية للمشاهير والنجوم، وفي الحالات الشديدة قد يصل الأمر إلى حد إيذاء النفس ومحاولة الانتحار.

إذاً.. كجزءٍ من مجتمعٍ إنساني، لا يمكننا أن نمتنع أو نمنع المحيطين من استخدام، بل والاستمتاع بمثل هذه التقنيات التي أضحت تفوق الخيال، ولكن كما يقول المثل – كل ما زاد عن حده تحول إلى ضده -، فلا الامتناع الكامل مطلوب، ولا الإباحة الكاملة محمودة.. ولكلٍ منهما سوءةً علينا الحذر منها، فما الفلاتر وغيرها من هذه الأدوات التجميلية الافتراضية إلا وسيلة للترفيه والخروج من حالةٍ مزاجية سيئة في وقتٍ عصيب، وجب الحذر من تحولها إلى أسلوب حياة لما يحمله من عواقبٍ وخيمة على الفرد والمجتمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى