مقالات الخامسة

فلسطين أقرب لدولة

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

الكاتب: هاني عوكل

حذت بريطانيا وخلفها كندا وخمس عشرة دولة أخرى حذو فرنسا في مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول المقبل، في خطوة تاريخية ومهمة ترسم ملامح خارطة طريق جديدة ترسخ مكانة القضية الفلسطينية في المجتمع الدولي.
فرنسا حينما أعلنت الأسبوع الماضي نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فتحت المجال أمام دول مهمة وكبرى مثل بريطانيا وكندا لتجاوز الضغوط الأميركية والإسرائيلية والجهار الرسمي بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
هذه القرارات لم تأت من فراغ وليست وليدة اللحظة، وإنما مرتبطة بتغير مزاج الرأي العام الأوروبي خصوصاً خلال فترة الحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة، وما تخلفه من شهداء وفظاعات وكوارث إنسانية ومجاعة لم يشهدها العالم الحديث بعد الحرب العالمية الثانية.
وكذلك مرتبطة بالسلوك الإسرائيلي المريب الرافض لقيام الدولة الفلسطينية والعمل على إفشال السلطة الفلسطينية وتهويد الضفة الغربية وابتلاعها لمنع هذا الخيار المطروح منذ نكبة 1948، بالإضافة إلى سيناريو إسرائيلي مطروح على الطاولة يقضي بتهجير الفلسطينيين في غزة وإبقاء الأخيرة تحت السيطرة الإسرائيلية.
بريطانيا وكندا اشترطتا على إسرائيل وقف عدوانها على قطاع غزة بما يشمل وقف المجاعة الحالية، والمضي في مسار المفاوضات الثنائية لجهة حل الدولتين، وكذلك إصلاح السلطة الفلسطينية وإجراء انتخابات عامة العام المقبل، وإقصاء حركة «حماس» من المشهد السياسي.
في كل الأحوال تعكس الرغبتان البريطانية والكندية موقف الشارع الذي يطالب بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وكذلك تضغط هاتان الدولتان على تل أبيب حتى تستوعب الاشتراطات البريطانية والكندية وتعالجها قبل انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
إسرائيل كالعادة ترفض قبول النصائح من شركائها الأوروبيين، وترفض الضغوطات حينما يتعلق الأمر بحربها على الفلسطينيين، فهي تريد التحكم بالملف الفلسطيني ووضعه تحت «إبطها»، وممارسة كل السياسات الإقصائية بدون حسيب أو رقيب أو أي إملاءات أوروبية عليها.
لكن بصرف النظر عن الزوبعة الإسرائيلية الحاصلة بمسألة الاعتراف الدولي المتزايد بالدولة الفلسطينية، من المهم التوقف عند الموقف البريطاني تحديداً، لأن دولة مهمة مثل بريطانيا تقرر الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فهذا يشي بتحولات في سياستها الخارجية لصالح القضية الفلسطينية.
بريطانيا كانت السبب المباشر في هذا الحال الذي وصلت إليه فلسطين، فهي من احتلها خلال الحرب العالمية الأولى، وهي من سمحت بعبور اليهود وتوسيع هجرتهم وإحداث خلل ديمغرافي وجغرافي لصالحهم على حساب السكان الفلسطينيين أصحاب الأرض.
وبريطانيا البلفورية أول من دعم إنشاء وطن قومي لليهود واعترف بدولتهم عام 1948، ولذلك حينما تتخذ موقف الاعتراف بالدولة الفلسطينية فهذا يعتبر تحولاً في عقيدتها السياسية.
مشكلة بريطانيا حالها حال فرنسا وقاطرة الدول الأوروبية الأخرى وكندا، أن الولايات المتحدة لا تعترف بالدولة الفلسطينية وليست معنية بإحراج إسرائيل في المحافل الدولية، وتضغط باتجاه تحويل مسألة الاعتراف في الأمم المتحدة إلى مفاوضات ماراثونية طويلة المدى بين كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
غير أن هذا الضغط بدأ يتفكك شيئاً فشيئاً، ويلحظ أن إسرائيل والولايات المتحدة ستعانيان من العزلة الدولية، وستجبر السياسات الأوروبية والدولية واشنطن على اتخاذ إجراءات قد لا تعجب إسرائيل، مثل القبول بوقف إطلاق النار في غزة والانسحاب منها ووقف المجاعة الحاصلة.
في هذا السياق تطرح الكثير من التساؤلات عن تأثير تنامي الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية، وهل ستولد الدولة أخيراً؟ في الحقيقة من غير المتوقع أن نلحظ تغيرات استراتيجية في تركيبة السلطة الفلسطينية بعد الاعتراف الأوروبي بها، والسبب أن الولايات المتحدة الأميركية ستعرقل ولادتها في الأمم المتحدة.
كذلك يمكن القول إن إسرائيل أجهضت خيار قيام الدولة الفلسطينية على الأرض، ويحتاج حل الدولتين إلى إخلاء الضفة الغربية ووقف الاستيطان وتفكيك المستوطنات والاتفاق على ترسيم الحدود، وعلى الجهة الفلسطينية هناك حاجة ملحة لإعادة تأهيل السلطة الفلسطينية وتجديدها وتوحيد البيت الداخلي.
بصرف النظر عن ضعف التطبيق العملي لخيار حل الدولتين، يبقى موضوع تزايد الاعتراف الدولي بحق تقرير المصير للفلسطينيين مسألة في غاية الأهمية وينبغي المراكمة عليها، لأن الرأي العام العالمي يشهد تحولات إيجابية لصالح القضية الفلسطينية.
ومع تزايد الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، ربما لن يبقى سوى واشنطن وتل أبيب ودول قليلة عكس رأي الأغلبية، ويضغط باتجاه إعادة النظر في القضية الفلسطينية، ما يضعها فعلياً على سكة قيام الدولة الموعودة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى