قانون أملاك الغائبين: استحداث أداة جديدة لتهويد القدس
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
كتب: أنس أبو عرقوب
تعمل وحدة “حارس أملاك الغائبين” ضمن هيكلية وزارة القضاء الإسرائيلية، وهي الجهة المسؤولة عن إدارة نحو 900 عقار فلسطيني، معظمها يقع في الجزء الشرقي من القدس. تعود ملكية هذه العقارات لفلسطينيين تم تهجيرهم من المدينة بعد احتلالها عام 1967، وذلك وفقًا لقانون “أملاك الغائبين” الذي أقره الكنيست الإسرائيلي عام 1950 بمبادرة من حزب “مباي” (حزب العمل حاليًا).
بموجب هذا القانون، استولى الاحتلال الإسرائيلي على آلاف المنازل والعقارات، بما في ذلك 300 قرية فلسطينية بمساحة تزيد عن 3 ملايين دونم، ومئات آلاف الدونمات الزراعية، والمباني السكنية والتجارية
يعتبر هذا القانون أن كل شخص غادر الأراضي الفلسطينية بين تشرين الثاني/نوفمبر 1947 و1950 نتيجة الحرب أو لأي سبب آخر يُعتبر “غائبًا”، ما يمنح الاحتلال الإسرائيلي صلاحية الاستيلاء على ممتلكاتهم وإدارتها.
في الأول من كانون الثاني/ ديسمبر 2024، كشفت صحيفة هآرتس عن استحداث قسم جديد في وزارة المالية الإسرائيلية، يُعد ذراعًا إضافية تنفيذية لقانون “حارس أملاك الغائبين”، تحت مسمى “قسم حارس أملاك الغائبين”، والذي سيترأسه المستوطن المتطرف حنانئيل غورفينكل، وهذا القسم سيؤثر بشكل كبير على الفلسطينيين في القدس، إذ سيتولى إدارة ممتلكاتهم في المدينة، وسيكون له دور في طرد المستأجرين الفلسطينيين من هذه الممتلكات، وفق ما ذكرته الصحيفة.
غورفينكل، المعروف بتوجهاته اليمينية المتطرفة، دعا سابقًا إلى إنهاء ما وصفه بـ”الاحتلال العربي” في القدس، في إشارة إلى الوجود الفلسطيني في المدينة، وطالب بطرد الطلاب الفلسطينيين حملة الجنسية الإسرائيلية من جامعة التخنيون. كما ساهم في الترويج لإنشاء مستوطنات جديدة في القدس.
في 14 آذار/مارس 1950، أقر الكنيست الإسرائيلي قانون “أملاك الغائبين” (رقم 5710)، كتعديل على أنظمة الطوارئ الخاصة بأملاك الغائبين التي صدرت في الثاني من كانون أول/ ديسمبر 1948. دخل القانون حيز التنفيذ في 31 آذار/ مارس 1950 بناءً على طلب موشي شاريت، أول وزير خارجية لإسرائيل، الذي كان يشغل أيضًا منصب رئيس الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية. ويهدف هذا القانون إلى مصادرة ممتلكات الفلسطينيين المهجرين، مثل الأراضي، المنازل، الحسابات البنكية، وغيرها، وتحويل ملكيتها لدولة إسرائيل التي تعيّن وصيًا عليها لإدارتها. ويُعد هذا القانون أداة أساسية للسيطرة على أملاك اللاجئين الفلسطينيين وأملاك الوقف الإسلامي في الأراضي المحتلة.
في تموز/يوليو 2020، نشرت حركة السلام الآن الإسرائيلية تقريرًا يوضح كيفية استغلال إسرائيل لقانون “أملاك الغائبين” للاستيلاء على الأراضي والممتلكات الفلسطينية في القدس الشرقية. يشير التقرير إلى أن هذا القانون يسمح للاحتلال الإسرائيلي بالسيطرة على ممتلكات الفلسطينيين الذين يعيشون في الدول العربية، دون مراعاة حقوق الفلسطينيين المقيمين في الخارج أو داخل إسرائيل. وبعد احتلال القدس الشرقية عام 1967، طُبق هذا القانون على ممتلكات الفلسطينيين، مما سهل عملية نقل ملكياتهم إلى المستوطنين.
وبموجب هذا القانون، تُمنح السلطات الإسرائيلية “القيّم” (أو الحارس) على الأملاك صلاحيات واسعة للاستيلاء على ممتلكات الفلسطينيين المهجّرين. وكان هذا القانون بمثابة بديل لإجراءات الطوارئ التي كانت سارية من عام 1948 حتى 1950. هدف القانون إلى منع عودة أي من المهجرين الفلسطينيين إلى ممتلكاتهم أو أراضيهم التي تركوها بسبب الحرب.
يتضمن القانون 39 مادة أعدها حزب “مباي” حيث تم تحديد تواريخ وظروف الأشخاص الذين طُردوا قسرًا أو هُجروا على أنهم “غائبون”. ونُشر القانون في الجريدة الرسمية في 30 آذار/ مارس 1950، ودخل حيز التنفيذ بأثر رجعي اعتبارًا من 29 تشرين ثان/ نوفمبر 1947، وهو اليوم الذي تلا تصويت الأمم المتحدة على قرار تقسيم فلسطين. وعلى الرغم من الظلم الواضح الذي لحق بالفلسطينيين بسبب هذا القانون، لم تلتزم السلطات الإسرائيلية بالأطر الزمنية المحددة فيه، ما سمح بتوسيع تأثيره ليشمل أملاك الوقف الإسلامي والمقدسات في القدس.
في عام 1965، تم تعديل قانون “أملاك الغائبين” ليسري على الأملاك الوقفية والمقدسات الإسلامية والمسيحية، بالإضافة إلى تطبيقه على العقارات التي كانت مملوكة للفلسطينيين الذين نزحوا من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة بعد عام 1967. عرّف القانون “الغائب” على أنه يشمل اللاجئين الفلسطينيين الذين طُردوا أو اضطروا لمغادرة منازلهم، أو الذين تم إبعادهم مؤقتًا بناءً على طلب الجيش الإسرائيلي، لكنهم بقوا داخل فلسطين. كما اعتُبر كل من امتلك ممتلكات في فلسطين التاريخية ولم يكن موجودًا فيها بين 29 نوفمبر 1947 و19 مايو 1948 “غائبًا”. تم أيضًا تعريف “الغائبين” في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 على أنهم الأشخاص الذين كانوا يقيمون في فلسطين لمدة سنتين على الأقل قبل النزاع عام 1948 وفقدوا ممتلكاتهم بسبب النزاع.
في عام 1967، تم توسيع تعريف “الغائب” ليشمل الفلسطينيين المقيمين في دول لا توجد بينها وبين إسرائيل حالة حرب، وكذلك الفلسطينيين الذين انتقلوا من مكان إقامتهم إلى مكان آخر داخل فلسطين. بموجب هذا القانون، مُنح “القيّم” (أو الحارس) صلاحيات واسعة لإدارة الممتلكات المصادرة، بما في ذلك الأوقاف الإسلامية والمقدسات. كما منحت المادة 30 من القانون الحارس الحق في تحديد هوية “الغائب”، وجعلت قراره نهائيًا وغير قابل للطعن.
في التطبيق العملي للقانون، بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بنقل ملكية أراضي اللاجئين الفلسطينيين تدريجيًا إلى إدارة “سلطة التطوير”، وهي هيئة شبه حكومية تم إنشاؤها بموجب قانون سلطة التطوير في آب/ أغسطس 1950. وبعد نحو ثلاثة أعوام حُولت حوالي 69 ألف عقار إلى الهيئة نفسها. وفي وقت لاحق، حُولت أملاك الأوقاف الإسلامية إلى ملكية إسرائيلية بالكامل.
بموجب هذا القانون، أصبح الوصي على أملاك الغائبين مسؤولاً عن رعاية وإدارة الممتلكات التي تركها اللاجئون الفلسطينيون في أراضي دولة إسرائيل بعد حرب 1948. ويتيح القانون الإعلان عن أي شخص “غائب” والاستيلاء على ممتلكاته، حتى في حال تبين لاحقًا أن القرار كان خاطئًا.
على سبيل المثال، تعاونت الدولة مع جمعية “إلعاد” الاستيطانية في دعاوى إخلاء ضد عائلات فلسطينية في القدس، باعتبار أن الممتلكات المملوكة لها هي “أملاك غائبين”. وفي بعض الحالات، طالبت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بأملاك في القدس فقط لأن أصحابها كانوا يعيشون في الضفة الغربية. بموجب هذا القانون، استولى الاحتلال الإسرائيلي على آلاف المنازل والعقارات، بما في ذلك 300 قرية فلسطينية بمساحة تزيد عن 3 ملايين دونم، بالإضافة إلى 280 ألف دونم من الأراضي الزراعية والمباني السكنية والتجارية. كما سيطر الاحتلال على حوالي ربع مليون دونم من أراضي الفلسطينيين الذين بقوا في الأراضي المحتلة بعد حرب 1948.