طوفان الأقصىمقالات الخامسة

قتل القادة لن يؤدّي إلى تغييب القضيّة

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

عوض عبد الفتّاح

حين تلاحق أنظمة الاستعمار قادة حركات الشعوب الأصلانيّة التحرّريّة، وتسعى إلى قتلهم، أو اغتيالهم، تصوغ سرديّة مألوفة؛ هي الحرب على مجموعة من الإرهابيّين، على قتلة، مجرمين؛ لا قضيّة لهم، ولا قيم عندهم ولا أخلاق لديهم سوى القتل. ولكنّ المفارقة أنّه في لحظة الحقيقة، لحظة تعثّر وتأزّم المشروع الاستعماريّ بفضل مقاومة السكّان الأصليّين، يضطرّ نظام الاستعمار إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع هؤلاء الإرهابيّين، لإيجاد مخرج من الحالة الاستعماريّة. وأحدث حالة استعماريّة منتهية كانت في جنوب أفريقيا حيث اضطرّ نظام الأبرتهايد إلى الجلوس مع نلسون مانديلا الّذي كان مسجونًا لمدّة ٢٧ عامًا، بتهمة ممارسة الإرهاب، والّذي ظلّ على قائمة الإرهاب الأميركيّة سنوات طويلة بعد ذلك.

كانت تلك لحظة الحقيقة، الّتي غيّرت مجرى تاريخ بلد خضع لأكثر من ٣٥٠ عامًا من الغزو والاستغلال والتعذيب، والحرمان، ومائة عام من المقاومة المنظّمة.

إنّ تغييب قادة الشعوب، الّذين يقاومون الاحتلال، باعتماد القتل في المعركة أو بالاغتيال أو السجن، كان، على مرّ التاريخ، جزءًا من السلوك الاستعماريّ.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

لكن ليس قتل القادة والرموز الهدف الجوهريّ أو الاستراتيجيّ. إنّما الغاية النهائيّة لهذا السلوك المتوحّش هو تغييب الناس، أصحاب الأرض الأصليّين، إمّا عبر الإبادة، أو التطهير العرقيّ، أو إخضاعهم لنظام أبارتهايد كولونياليّ، وتجريدهم من أيّ مرجعيّة أو مركز قياديّ. والشعوب، تكتشف، في مجرى الصراع، أنّه بدون تنظيم، يقف على رأسه قيادة مركزيّة، لا يمكن تحقيق التحرّر والخلاص.

وفي الحالة الفلسطينيّة، حتّى لو لم يظهر السنوار، أو عشرات القادة الّتي اغتالتهم إسرائيل أو عشرات آلاف النشطاء المحتجزين، في السجون، على مدار عقود من الصراع، لم يكن ليتغيّر الهدف الإسرائيليّ النهائيّ، ألا وهو السيطرة المطلقة على الناس وعلى وطنهم. ولكن كما أثبت التاريخ، فإنّ الاغتيالات لم، ولن تغيّر من تمسّك الناس وإصرارهم على حقّهم بالحرّيّة.

لقد قتل المتطرّفون الإسرائيليّون رئيس حكومتهم، إسحاق رابين، بعد توقيعه على اتّفاق أوسلو، عام ١٩٩٥، لأنّهم رأوا بتوقيعه على هذا الاتّفاق، الهزيل بالنسبة للفلسطينيّين، تنازلًا عن جزء من أرض إسرائيل، وخيانة كبرى. وبعدها تمّ اغتيال شريك رابين بهذا الاتّفاق، ياسر عرفات، صاحب النهج البراغماتيّ، لتصبح إسرائيل تحت قيادة عدميّة، شديدة التطرّف، وهوجاء، وأشدّ توحّشًا. وليس واضحًا مصير المنطقة وشعوبها، ومصير المجتمع الإسرائيليّ الّذي هو أيضًا ضحيّة الشحن العنصريّ والإباديّ، من قبل قيادته، في ظلّ جنون هذه القيادة.

حكومة إسرائيل الحاليّة لم تعد تخفي مشروعها الإحلاليّ والتطهيريّ، على الأرض بين البحر والنهر، فهي تجهر برفض أيّ تسوية مع صاحب الوطن، وهذا بحدّ ذاته وصفة لاستمرار رحلة العذاب… ورحلة التحرّر، خاصّة وأنّ محور الإبادة الأميركيّ الغربيّ مساند بالسلاح والمال والسياسة. وهذا بالذات هو السياق الّذي حدث فيه زلزال ٨ أكتوبر، بغضّ النظر ما إذا كان قرارًا صحيحًا أو خاطئًا.

ولكن لحظة الحقيقة مهما طال تأخّرها، إلّا أنّها قادمة، وحرب الإبادة وعذاباتها ستأتي إلى نهايتها. حتّى إنّ المجتمع الإسرائيليّ سيبدأ في لحظة ما بإدراك حجم الكارثة الّتي جلبتها له قيادته. ويبقى التحدّي الأكبر أمام شعب فلسطين، هو تكوين المرجعيّة السياسيّة الوطنيّة الموحّدة، والّتي يشكّل غيبها أحد أخطر أوجه الأزمة الفلسطينيّة الحاليّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى