لا بدّ من استقلال فلسطين سياسياً واقتصادياً وإلى آخره
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
كتب: تحسين يقين:
آجلاً أو عاجلاً.
وعاجلاً، هو الأفضل، وهو خلاص الجميع، خلاصنا وخلاص المحتل من ورطته.
كل صاحب عقل وبصر يعرف ذلك، فلا يمكن أبداً الاستمرار بأي طريق لا توصل الى استقلال فلسطين وشعب فلسطين.
ما البديل عند العدو وحلفائه؟ وعند الصديق وحلفائه؟
لا نتيجة انتخابات جرت، وربما تجري قريبا مرة أخرى، ما لم يتم ضمان حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. بل إن أي بناء اقتصادي وعسكري داخل إسرائيل نفسها، لن يكتمل في الحقيقة ما لم تحل العقدة الكبرى، واهمون من يظنون أن الاحتلال الى غير نهاية.
حينما جنحنا للحلول الانتقالية، كان الهدف واضحاً، وهو الاستقلال، أما من كان يسكت عما يضمره من غير ذلك، له ما أضمر، لكن الطريق واضحة.
سلطة وطنية في طريقها لدولة على الأرض، استقلال تام هو هدفنا؛ فلا يصرفنا عنه أية اقتراحات أو تنافس على الحكم لا نحمده.
وأمس واليوم وغدا، فالفلسطينيون يعرفون طريقهم، ببساطة ليس لدينا طريق آخر، فلا يمكن الاستمرار بكل هذا العبث، ولن تجد إسرائيل من يقبل بحلول تنتقص من الحقوق والكرامة أبدا.
لقد جرت ذلك من قبل، بل أن ما تحقق من معاهدات سلام لم تكتمل ولن تكتمل فعلا بغيرنا، ففلسطين أولا، وفلسطين أخيرا، وليس هذا أبدا شعارا رومانسيا، بل قمة الواقعية.
فلسطينياً، ودوماً سيظل إعادة الاعتبار للعامل الذاتي، ولنحرص على استمرار الحياة، وكل ومسؤولياته في حماية أطفالنا وشبابنا ومواردنا، مدارسنا وشوارعنا وزراعتنا، بل كل مجالات حياة شعبنا.
وهنا، لعلنا نقرأ ونتعلم شيئا، بأن الاستعمار لا يهبنا أي شيء لسواد عيوننا.
لقد درست الأدب، وهكذا فإنه العالم الجميل الممتع الذي نحب، لكن الأدب قادنا الى تاريخ الأدب العربي، ثم الى الى ما تيسر من تاريخ الأدب العالمي. وفي حالتنا الفلسطينية، دوما كنا نرجع الى تاريخ الأدب الفلسطيني، وتاريخ فلسطين القديم فالحديث فالمعاصر، وهو المتصل بتاريخنا العربي.
– ثم؟
– صبراً، إنما أتحدث عما حدث في بلادنا العربية من تسويات مع الاستعمار، لنتأمل ونتعلم.
– …………
– هل تعلمنا من تاريخنا؟
– ………………..!
قراءة صفحات من تاريخ تونس الحبيبة الحديث، في ظل تعرضه للاحتلال الفرنسي، يذكر بحاضرنا فلسطينيين وعرباً، فيبدو أننا لم نتعلم بعد من تاريخنا بما يكفي، لنتجنب الوقوع في شباك الاحتلال، الذي مهما كانت جنسيته، فسيظل في جوهره واحداً.
ودون أن نتعمق بوقوع تونس تحت الحكم التركي، وما حصل من شبه استقلال، كون تونس بعيدة عن مركز السلطنة، حين اهتم الباي حسين بن علي 1705، المعين من السلطنة نفسها بالحكم نفسه، بجعل حكم ولاية تونس وراثياً، وصولاً الى الاستقلال في مطلع القرن التاسع عشر، فللمؤرخين ما يقولونه حول كل هذه المرحلة.
لكن المهم هنا أن هذا الاستقلال، نال اعتراف أوروبا الاستعمارية جدا، التي تنظر للأمور من نواح اقتصادية.
بدأ حكام البلاد الضعيفة والمتأخرة عن ركب الحضارة، بمحاولة تقليد الدول المتقدمة، فعرضت عليها الدول الغنية تلك بالاقتراض منها والاستدانة، من أجل الإصلاح، ولم يكن ذلك إلا فخا تم نصبه بإحكام، فما أن أطل عام 1870، حتى أصبحت ديون تونس 125 مليون فرنك، وهو مبلغ كبير جدا في ذلك الوقت. وبالطبع فقد عجز حاكم تونس الباي محمد الصادق عن سداد الديون، ما دفع الأوروبيين للتدخل في شؤون تونس، فتم تشكيل لجنة مالية دولية للمراقبة، وتم رهن واردات الجمارك التونسية مقابل الديون.
في تلك الفترة كان التنافس الإيطالي- الفرنسي على أشده، فاستغلت فرنسا حادثة اعتداء قبيلة تونسية على مواقع فرنسية في الجزائر عام 1881 لفرض معاهدة منحت فرنسا حق الاشراف على الشؤون العسكرية والمالية والخارجية، ولم يكن ذلك الا الاحتلال نفسه. ومنحت فرنسا نفسها امتيازات متعددة مثل امتيازات انشاء خطوط حديدية وإصلاح موانئ، والذي جعل ميزانية تونس منهوبة.
وهنا، لعلنا نقرأ ونتعلم شيئا، بأن الاستعمار لا يهبنا أي شيء لسواد عيوننا.
بالرغم حالة الضعف التي كانت تعيشها تونس، إلا أن التونسيين لم يكن من السهل عليهم الخنوع، فكانت ثورة الجنوب في صفاقس، التي دمرتها قوات الاحتلال الفرنسي، كذلك الحال في القيروان.
بعد عامين 1883، تم فرض معاهدة الحماية، مقابل سراب بتمويل فرنسا للإصلاحات التي تحتاجها تونس، حيث آثرت فرنسا المحتلة بقاء سلطة باي تونس الضعيفة، تحت الاحتلال الفرنسي، بهدف إضعاف المقاومة الوطنية.
في ظل هذا الاحتلال والاستعمار، سيطر الفرنسيون في تونس على ثلثي الأرض والماء والمعادن، تماماً كما حدث في الجزائر، في الوقت الذي خططت فرنسا لجعل تونس تابعة لفرنسا، حيث راحت تبعدها عن محيطها العربي والإسلامي، بضرب اللغة العربية والدين الإسلامي في المدارس. في تلك الأثناء صار للمساجد دور أساسي في تعليم اللغة العربية.
وهكذا استمر نضال الشعب التونسي، بقيادة علي باشا، الذي طالب باستقلال بلاده، في بداية القرن العشرين، فكانت تظاهرات واشتباكات عام 1911، ثم ثورة قبائل بني زيد 1915، التي تزامنت مع الحرب العالمية الأولى، حيث لم تجد فرنسا أي وازع في قمع الثورة بمنتهى القسوة.
وهكذا، يمكن قراءة بعض الاستخلاصات، على ضوء المشهد العربي المعاصر، ومنه المشهد الفلسطيني، حيث يمكن بسهولة فهم السياقات والأساليب الاستعمارية، التي تنهب الشعوب، وتحولها الى أسواق، وعمال يخدمون مصالح الدول الاستعمارية.
إن فشل الحكام في الإدارة والحكم في بلادنا، ومنها فلسطين، تغري الدول الكبرى، وإسرائيل المحتلة، لتمارس دور الوصي والرقيب على الاقتصاد والأمن، بحجة الإصلاح، كذلك من ناحية أخرى، وفي ظل وجود حكام يتبعون سياسيا تلك الدول، فقد صار الاعتماد على الدول الكبرى في تمويل البلاد، والاقتراض من البنك الدولي، منهجا أضرّ بنا، فلم يأت لا بإصلاح سياسي ولا اصلاح اقتصادي، ولا حقق أهداف الشعوب في التنمية.
فمن له مصلحة في إفشال الحكم والإدارة الاقتصادية في فلسطين؟ وهل آن الأوان ليكون الإصلاح وطنيا نابعا من إرادة وطنية حرة؟
للأسف الشديد، فما زالت الأساليب تتكرر، فكما حدث قبل الاستقلال، تكرر بعد الاستقلال بأربعة عقود، حين احتلت الولايات المتحدة العراق، وأغرقته بالديون، مشجعة إنشاء حكومة تحت الاحتلال، لقد فضلت فرنسا بعد فرض حمايتها على تونس إبقاء سلطة باي تونس الضعيفة، تحت الاحتلال، لخلق مشاحنات بينها وبين المقاومة الوطنية، لخلق فتنة تصرف الأنظار عن سياستها الاستعمارية في نهب تونس، مقابل وعود بتمويل الإصلاحات.
لم تهتم دول الاستعمار كفرنسا يوما بالإصلاح والتنمية، بل كل الهدف هو إطالة عمر الاستعمار، والإبقاء على الدول الأخرى ضيفة بائسة فقرة تعاني من نزاعات داخلية دائمة.
وإسرائيل ليست استثناء، لذلك يجب الانتباه لما تفعله سلطات الاحتلال من خلق فتنة بين الشعب الفلسطيني، وإيهامنا والدول الأخرى ومعها البنك الدولي بسراب جديد، هو نفسه السراب القديم.
التاريخ!
متى سنتعلم من التاريخ حتى لا نقع ضحية الجهل والاعتماد على آخرين لا يريدون لبلادنا أي خير؟
لعل قراءتنا لحالة تونس، ودول المغرب العربي، تعمق لدينا الاستقلال الاقتصادي والثقافي، وتقوية علاقاتنا القومية، والحفاظ على هويتنا الثقافية، التي تشكل صمام الأمان حتى لا نذوب في الآخرين ونزول كشعب عريق.
تؤثر اسرائيل المحتلة بقاء حالتنا الفلسطينية ضمن سياسة ما يسمى «إدارة الأزمة»، أي البقاء تحت احتلالها، ترسيخ الأمر الواقع، والأخر خلق حالة من الفتنة بيننا، خاصة في ظل المقاومة الشابة.
دورنا أن نكون معا، فتكون المقاومة أكثر ذكاء، لنقطف ثمارها، فكل حالة تحت الاستعمار لها سياقاتها، لنقرأ ونتعلم، ونريد بعيدا أن اقتتال وتنافس وتشتت فيمن يمثل شعبنا، لأن شعبنا هاهو على أرضه وفي الشتات يمثل نفسه بنفسه: بشجره وطيره وأغانيه، بتنفسنا هنا، وحبنا للوطن.