لا تتركوا أحداً وراءكم
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

كتب: صلاح هنية:
شعار أممي تطلقه منظمات الأمم المتحدة في جميع المناسبات ( مكافحة الفقر ) ( يوم المستهلك العالمي ) ( يوم السكري ) ( يوم ضغط الدم ) ونحن كالعادة نقتبس ونسعى لنتأقلم مع واقعنا وكأننا اصحاب السبق في هذا الأمر.
هذه الايام لا ننظر وراءنا لنتأكد من بقية المسيرة ونظن أن مصطلحاتنا تتواءم مع واقعنا، فنحن اصحاب ملحمة عندما تقع بين أيدينا مسألة تتعلق في حرية الفرد والرأي فنقلب المفاهيم رأساً على عقب ونجعل الأمور تذهب بعيداً، فتصبح الحرية الفردية التي ندافع عنها اليوم هي حق فرد أن يقوم بالتفحيط في الشارع الضيق في الحارة أو على ميدان رئيسي، وإن انتقدت تصبح انت مناقضاً لكل المفاهيم العصرية !!!
. من حق شخص ويجب أن يدافع عنه إذا خرج من مطعم مثقل العيار بالمشروب وبلّش يعمل زفة في المحيط، وهنا يتهم من ينزعج بعد تكرار الأمر عشرين مرة انه لا يرتقي لمستوى المزعج في الحرية والتعبير عن الذات.
ولكننا لا نمتلك الجرأة في الدفاع عن صاحب رأي بعرض رأيه بل نستأسد في صده، خصوصاً إذا انتقد علمياً تجربة منهج فكري ساد في دول كبرى في العالم ونعتبره منافياً للتقدمية والنهج الديالكتيكي وتقام الدنيا ولا تقعد، وإن عالج باحث رؤية في مجال معالجة بعض قضايا الديمقراطية يصبح منحرفاً فكرياً لأنك إما أن تأخذ الأمر كما هو كله وإما يصبح هناك انحراف عن المسار.
عدم قبول الآخر موضة سارية المفعول في البلد ولكنها ستار يتسترون به، فهم ينقلبون عندما تصبح ممارسة عدم القبول حقاً لهم تجاه فكرة أو مشروع آخر، ببساطة يصبح الأمر مباحاً، ببساطة يصبح المونديال ( رجساً من عمل الشيطان ) ومن ينصرف للذهاب اليه منحرف خارج عن كل شيء، واذا ناقشنا اصحاب هذا الرأي بموقفهم من المرأة ورفضها كأنها غير موجودة فانهم يصبحون أصحاب حق في إبداء موقفهم ويجب قبولهم ولكنهم لا يقبلون غيرهم.
مصيبة البلد أننا في كل وجه من الأوجه المطروحة، وغيرها نطبطب حسب ما تميل الكفة، فهؤلاء لنا يجب ان يمروا، وهؤلاء لهم يجب أن يمروا، ويقف احد على النافذة يقول ( ما هي علاقتنا بالأمر برمّته !!! )، الخطوة الأولى من التقدمي والمتعصب والمتنمر يبحث عمن يلبس عباءته ليتحدث باسمه ويحميه، والبقية المتضررة تنظر تلك العباءة لتحضر له، ونحن لا نقلل من شأن الإصلاح ونشر المودة والمحبة بين الناس، ولكن الأمر في النهاية يجب أن يخضع لعقوبات رادعة تردع العودة لذات التصرف، وأن ننتصر لقبول الآخر والتعددية والاختلاف، ولا يجوز أن نضرب ونجبر في ذات الوقت ولا ينفذ القانون بحزم.
كيف لا نترك أحداً وراءنا؟ ببساطة التركيز على العامل الثقافي وعدم إبقائه نخبوياً لناس دون الآخرين ونقل الثقافة الى الناس وعدم انتظار الناس أن يأتونا، في الثمانينات كنا نجتهد في مجال المكتبة المتنقلة، بحيث نصل للناس في كل مكان، في الثمانينات كنا نأخذ النشاط الثقافي بمكوناته كافة صوب الناس سواء في المقهى، في المخيم، أو النادي في القرية، وكذلك في المدينة، كانت البرامج الثقافية تعج في الاندية الشبابية سواء ( فكر واربح ) ( مجلات الحائط ) ( عرض وتحليل الكتب )، اليوم مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي وقصر المسافات بات بالإمكان الوصول الى كل مكان ودمج الناس في الثقافة بالفئات الاجتماعية وباختلاف الوضع التعليمي.
يجب أن نشرك كل الفئات المستهدفة برسم البرامج الثقافية والتوعوية وعدم إسقاطها عليهم بالبراشوت فينفروا تحت لافتة انها ممولة وتلبي احتياجات آخرين، الناس تفكر وترى الأمور بأكثر من بُعد، ويجب ان نكون بمستوى ذكائهم ولا ننتظر أن يقعوا في أول مطب ومن ثم نُسقط عليهم الصفات والنعوت، بل نساعدهم ونوفر لهم الوقاية، ليس بالوصايا بالمطلق بل بالمشاركة وقبول رأيهم وأولوياتهم واحتياجاتهم.