ثابت

لماذا طلبت أمريكا الإشراف على دخول المساعدات لغزة؟

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

أعادت التسريبات الأخيرة عن تولّي “مركز التنسيق” الذي تقوده الولايات المتحدة، والمكلّف بتنفيذ خطة الرئيس دونالد ترامب للسلام في غزة، مسؤوليةَ الإشراف على المساعدات لغزة ملف “هندسة التجويع” إلى الواجهة من جديد.

وكشفت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، أن المركز سيحلّ مكان إسرائيل في الإشراف على المساعدات الإنسانية للقطاع، حتى مع وصف العديد من الأشخاص المطلعين على الأسابيع الأولى من عمليات المركز بأنها فوضوية ومترددة.

وقال العديد من المطلعين على عملية الانتقال للصحيفة إن هذه الخطوة تُقصي دور إسرائيل في تحديد كيفية الإغاثة الإنسانية التي يمكن أن تدخل غزة ونوعيّتها، في حين يتولّى مركز تنسيق المساعدات الإنسانية (CMCC) زمام المبادرة.

ويبدو القرار الأميركي بشأن المساعدات لغزة نابعاً من حالة الشكاوى المتواصلة من الوسطاء القطريين والأتراك والمصريين بعدم التزام الاحتلال الإسرائيلي بما اتُفق عليه في المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، لا سيما ما هو مرتبط بملف المساعدات للقطاع.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

ونص الاتفاق في بنوده على السماح في الأيام الأولى من الاتفاق بدخول 400 شاحنة، على أن ترتفع بعد الأسبوع الأول لتصل إلى 600 شاحنة من المساعدات لغزة والسلع الأساسية التي كان الاحتلال يمنع دخولها طوال فترة حرب الإبادة.

إسرائيل تتمسك بصلاحياتها

في المقابل، ردّ منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية غسان عليان على ما كشفته الصحيفة الأميركية بالقول إن “الأميركيين سيشاركون في صياغة آليات التنسيق والرقابة والمتابعة المتعلقة بالمساعدات الإنسانية وتنفيذها، بالتعاون الكامل مع الجهات الأمنية في إسرائيل”.

ونقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي، أمس السبت، عن مصدر أمني، تأكيده أن التغيير الحاصل رمزي والصلاحيات الكاملة عن المساعدات لغزة ستبقى بيد إسرائيل، مشيراً إلى أن المستوى السياسي في إسرائيل سيواصل اتخاذ القرارات حصرياً بخصوص أنواع المواد المسموح والممنوع إدخالها إلى القطاع.

ورغم أن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي نصّ على إدخال 600 شاحنة يومياً، فإن الاحتلال لم يلتزم بتنفيذ بنوده، وواصل التحكم بنوعية السلع المسموح بوصولها إلى القطاع.

وبحسب البيانات الحكومية في غزة فإن معدل دخول الشاحنات إلى القطاع منذ بداية وقف إطلاق النار لم يتجاوز 28%، بواقع 4453 شاحنة من أصل 15700 شاحنة كان يفترض دخولها، بمتوسط دخول يومي لا يتجاوز 171 شاحنة من أصل 600 يفترض دخولها.

وفي الوقت ذاته، أشارت البيانات الحكومية إلى أن الاحتلال يحرم السكان المدنيين في قطاع غزة من أكثر من 350 صنفاً من الأغذية الأساسية التي يحتاجها إليها الأطفال والمرضى والجرحى والفئات الضعيفة، إذ يمنع إدخال مواد غذائية رئيسية، من بينها⁠ ⁠بيض المائدة و⁠اللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك والخضراوات والفواكه والألبان والحليب وبيض المائدة.

في المقابل، يعمد الاحتلال لإغراق الأسواق بالسلع المصنعة مثل الشوكولاته والشيبس وغيرهما من الأصناف.

نظرة إسرائيلية: تحقيق مكاسب سياسية

وأكد الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي علاء الريماوي أن ما يتردد بشأن نقل المسؤولية عن المساعدات يمثل “أحد تجليات الخديعة الأميركية المستمرة في التعامل مع ملف غزة”.

وأوضح الريماوي في تصريحات صحفية، أن هناك إشكالية حقيقية داخل أوساط اليمين الإسرائيلي تتعلق بإدخال البضائع والمساعدات إلى القطاع، مشيراً إلى أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يحاول ترحيل هذا الملف إلى الولايات المتحدة لتتحمّل تبعاته السياسية والإنسانية، بينما تحاول واشنطن “ركوب المشهد” قبل الزيارات المرتقبة لعدد من القادة العرب إلى العاصمة الأميركية.

وأضاف أن صور المجاعة في غزة ما زالت “تلاحق الإدارة الأميركية والاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يدفع الطرفين إلى محاولة إظهار تقدم وهمي في إدخال المساعدات إلى غزة، مضيفاً أنه لا توجد مؤشرات تنفيذ فعلي لنقل الصلاحيات الخاصة بإدخال المساعدات.

وذكر الريماوي أن الأوساط الإسرائيلية تؤكد وجود إبطاء متعمّد في عملية إدخال البضائع، في إطار سياسة “الابتزاز السياسي”، موضحاً أن الولايات المتحدة تُحاول الربط بين إدخال المساعدات ونزع سلاح المقاومة أو الكشف عن المقاتلين المحاصرين في الأنفاق.

ورأى أن “إسرائيل تستخدم هذا الملف كورقة ضغط، والولايات المتحدة توظفه كورقة تفاوض”، متوقعاً “بعض الانفراجات الشكلية خلال الأيام المقبلة، لكنها لن تكون استراتيجية أو كافية لإنهاء أزمة الغذاء”.

وبحسب الريماوي فإن سياسة الاحتلال في قطاع غزة تذهب أبعد من مجرد العمليات العسكرية، إذ يمارس عملية تجويع منظمة ومنع للبناء، بالإضافة إلى استمرار القصف، في محاولة لإدارة فترة ما قبل الانتقال إلى المرحلة الثانية من وقف النار.

ووفقاً للريماوي فإن الاحتلال يعتمد منهجية الضغوط القصوى حتى اللحظة الأخيرة لتحسين شروط التفاوض على المرحلة الثانية بهدف تفكيك سلاح المقاومة وهدم بنيتها التحتية المتعلقة بالأنفاق، والقضاء على إمكانية وجود المقاومة في سدة إدارة الحالة السياسية بالقطاع.

أبعاد سياسية

بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة، حسام الدجني، إن تبنّي الولايات المتحدة بشكل كامل ملف المساعدات لغزة الموجهة إلى قطاع غزة يحمل أبعاداً سياسية متعددة، مشدداً على ضرورة أن تكون الأمم المتحدة ومؤسساتها، وعلى رأسها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، جزءاً أصيلاً من هذا الجهد الإنساني.

وأوضح الدجني أن “أونروا” ليست مجرد جهة إغاثية، بل مؤسسة أممية ارتبط تأسيسها بالاعتراف الدولي بمشكلة اللجوء الفلسطيني وبقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ما يمنحها بعداً سياسياً وقانونياً لا يمكن تجاوزه، فضلاً عن خبرتها الطويلة في إدارة وتوزيع المساعدات في أوقات الأزمات.

وأضاف أن محاولة إنشاء أطر جديدة في إدارة أميركية لتوزيع المساعدات في غزة تكرار لأخطاء سابقة، لأن الإدارة الأميركية لا تمتلك الخبرة الميدانية ولا الثقة الشعبية الكافية، مشيراً إلى أن الفلسطينيين لا يريدون سيطرة أميركية مطلقة على تفاصيل الملف الإنساني.

وفيما يتعلق بالموقف الإسرائيلي، ذكر الدجني أن إسرائيل لن تقبل بأي صيغة لا تكون هي صاحبة السيطرة فيها مباشرة، فهي تسعى إلى حسم الصراع ميدانياً وسياسياً، ولا ترغب في أي ترتيبات تقلّص نفوذها أو تربك خططها.

واعتبر أن ما تقوم به الولايات المتحدة اليوم يدفع إسرائيل عملياً إلى إعادة إدارة الصراع بدلاً من السعي لإنهائه، الأمر الذي سيخلق جدلاً داخلياً في تل أبيب حول هذا التوجه الأميركي، وقد ينعكس على مسار المساعدات لاحقاً.

وأكد الدجني أن الأولوية الآن يجب أن تكون لإدخال المساعدات إلى غزة دون إبطاء، من خلال تنسيق شامل بين الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمجتمع الدولي، مشيراً إلى أن إسرائيل لم تلتزم حتى بالمرحلة الأولى من الاتفاق القاضي بإدخال ما لا يقل عن 600 شاحنة يومياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى