مقالات الخامسة

ليليان معروف: أردوغان ومصالحاته.. وحجار العثرة في طريقه

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

تمّر الدولة التركية في عهد أردوغان بتخبطات كثيرة, متنقلة بين دولة علمانية منفتحة على الجميع إلى دولة اسلامية راعية للإخوان وما يدعى “الثوار السوريين” وصلولاً إلى دولة مصدّرة للمرتزقة, وأخيراً دولة راعية لمصالح “اسرائيل” .
رافق انتقال الدولة التركيّة سياساً انتقالٌ اقتصادي, تارةً باقتصادٍ ناجح وتارةً باقتصادٍ أخذٍ في الانحدار, وما هذه الرداءة والانحدار العملي والأخلاقي إلا بعد إخفاق أحلام العثماني الذي قدم نفسه كفاتح للقدس ومحرراً لها, قاطعاً بذلك الطريق أمام النهوض باقتصاد بلاده, ومساهماً بدمار شعبٍ جار ما أراد له هذا الشعب إلا كل خير.
ومن العمل على قطع مشروع الساعت على كل من سوريا وإيران والعراق ولبنان إلى احتلال بلد جار ودعم إرهابيّه وجعل الحدود ممراً لتصدير المرتزقة من سوريا إلى العالم, الأمر الذي انعكس عليه سلباً بتدهور في اقتصاده واتساع رقعة المعارضة لسياسته, إلى المطالبة مؤخراً بتنحيّه.
مطالبات دفعت بأردوغان أن يتلمّس رأسه ويبدأ سلسلة مصالحات على مستوى العالم العربي والعبري ولمن انقلب عليهم يوماً, بدءاً من دول الخليج إلى مصر وليس انتهاءً بحجر العثرة في الحفاظ على كرسيّ العرش “سوريا”.
مشروع الساعت
يتحدث الاستاذ أنيس النقاش في كتابه الكونفدرالية المشرقية عن هذا المشروع الضخم والاستراتيجي الذي كان من المفترض أن يربط إيران ولبنان وسوريا والعراق وتركيا, بعد أن قطع الجميع شوطاً في إلغاء التأشيرات بين بلدانهم, وكانوا على وشك انشاء منطقة سوق حرة مشتركة, وكان خط الغاز والنفط قيد الإنهاء والذي كان من المفترض أن يعمل على نقل الغاز الإيراني عبر الأراضي العراقية إلى تركيا ليؤمن الطاقة للسوق التركية أولاً ولدول المنطقة المشتركة ثانياً, وكانت إيران على استعداد لتأمين الكهرباء إلى سوريا ومنها إلى لبنان, حاملين مستقبل واعد للمنطقة في حال تم تنفيذ هذا المشروع الضخم, ليتم ضرب المشروع بأيادي خارجية وتركية تحديداً بهدف ضرب دول محور المقاومة, من خلال التآمر على أمن سوريا والعراق ولبنان, ويبين أنيس النقاش أنّ بهذه السياسات التدميرية المستجدة انحرفت كل سياسات تركيا لتصفير المشاكل مع دول الجوار وتحولت تركيا إلى أكبر مصدر للإرهاب ولمشاريع زعزعة أمن كل من العراق وسوريا.
ولتبدأ تركيا من هنا مشوارها في الإرهاب في سوريا بعد كل ما ربط البلدين من علاقات أسرية واقتصادية وسياسية وصلت إلى حد إلغاء التأشيرات بينهما وارتفاع حجم التبادل التجاري, وما كان سيربطهم في حال طبق هذا المشروع الضخم “الساعت”.
تلطخ أيدي أردوغان بالدم السوري ودعم الإخوان:
بعد إغلاق أردوغان الباب بيده على سياسة الصفر مشكلات بدأ حربه على الجوار معلناً نفسه فاتحاً للقدس وراعياً للإخوان في كل من مصر وسوريا وليبيا وكل مكان كانوا فيه, هو يقدم لهم السلاح والمال وهم يعيدون له حلم الخلافة, وسبق وصرّح رجب طيب أردوغان في زيارة له للسعودية بتاريخ 15/2/2017 أنّه لا يعتبر الإخوان المسلمين “منظمة إرهابية لأنها ليست منظمة مسلحة، بل هي منظمة فكرية” مبرراً بذلك كل عمل يقومون به, وكل دعوة للجهاد في بلادنا العربية, حيث وازى التبرير لهم, فتح باب الجهاد إلى سوريا وجعلها وكر لكل مرتزق, بدعم تركي و قطري حيث معترفاً بذلك حمد بن جاسم في عدة مقابلات له, ومن هنا بدأ أردوغان مسيرته في تصدير المرتزقة السوريين من سوريا إلى أفغانستان وليبيا ومؤخراً أوكرانيا, وأصبحت سوريا حاوية نفايات تضم نفايات النصرة والقاعدة وداعش بقيادة رجب طيب.

اقتصاد تركي أخذ بالتهاوي :
مضى رجب طيب في سياسته هذه منذ بدء الحرب على سوريا حتى الآن, وبالتوازي مع ارتفاع حدة النزاعات في سوريا كان اقتصاده يسجل انخفاضاً وزيادة في معدل التضخم هذا من جهة , ومن جهة ثانية آثار دعم أردوغان للمسلحين في سوريا واستقبال أهاليهم على أرضه حفيظة الكثير من المواطنين الأتراك, وهذين السببين “دعم الإرهاب واستقبال سوريين” أديا لسخط كبير لدى الشعب التركي وتراجع في شعبية رجب طيب واتساع رقعة المعارضة له, إضافة إلى أسباب داخلية تفاقمت تباعاً منذ بدء الحرب في سوريا حتى اليوم, وآخر أزمات أردوغان الداخلية نسرد منها :
1-تسجيل تركيا ثاني أعلى معدل تضخم سنوي ضمن 24 دولة في منطقة اليورو وخارجها, حيث أعلنت هيئة الإحصاء التركية (TUIK) يوم الاثنين 4/نيسان/2022 “أنّ معدل التضخم السنوي في أذار سجل 61.14٪، بعدما كان في فبراير بنسبة 54.44 في المائة”.
2-وبسبب ارتفاع الأسعار المتواصل منذ ثلاثة شهور في تركيا، بدأ التجار في عرض الفاكهة والخضروات للبيع بالقطعة الواحدة.
3- كما ذكر رئيس جمعية منتجي البيض متين أقمان خلال مشاركته في برنامج الزراعة الذكية الذي يبث على قناة “Bloomberg HT”.أنّ الزيادة في أسعار البيض “حتمية”.
4-زيادة 40% في رسوم المواصلات في اسطنبول و29% زيادة على فواتير المياه, ومثلها على أسعار الإيجار, كما شهدت تركيا ارتفاعاً أيضاً في أسعار الغاز وصل إلى 400% خلال العشر سنوات الأخيرة.
وخلال استطلاع رأي أجرته مؤسسة Yöneylem خلال شهر مارس/ آذار المنصرم وجدت أن أكثر من 63% من السكان يعيشون حالة يأس.
أزمات متلاحقة ومتراكمة لحقت بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ بدء حربه على سوريا, وقبيل تلك الحرب كان أردوغان مساهماً في رفع اقتصاد بلاده وتطوريه برأي المعارضة قبل المولاة له, ولكن لم يرد لذلك أن يستمر ولم يكن يحسب لتبعات الحرب على سوريا حساب.
قضية خاشقجني
ومع تراكم أثار الحرب التركية الخاسرة على المنطقة ومقاطعة هذا وذاك, وشتم هذا وقطع العلاقات مع دول الخليج, بدأ أردوغان سيره في الاتجاه المعاكس, لرأب الصدع الذي أحدثه في كل البلاد ودمر به اقتصاده, وبعد سنوات من القطيعة زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دولة الإمارات في الرابع عشر من فبراير لهذا العام, طاوياً صفحات من العزلة التركية العربية وراجياً العفو والسماح والدعم بالمال, رادفاً زيارته بزيارة قريبة للسعودية ولكن قبل الزيارة يجب اصلاح المكسور, وهو الذي قطع علاقاته مع دول الخليج بعيد قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في سفارة بلاد في تركيا منذ ثلاث سنوات متهماً “أردوغان” محمد بن سلمان بالكذب ومستنكراً الصمت الأمريكي تجاه الوحشية التي قتل بها الصحفي, هذا ما صرّح به حينها, ليأتي اليوم رجب طيب ويتراجع عن تصريحاته ويغلق ملف الصحفي السعودي قبيل الزيارة التي تم تأجيلها إلى السعودية والتي كانت مقررة الشهر السابق ومؤجلة لهذا الشهر, ولأسباب أحدها قضية خاشقجي.
قطار المصالحات يمر من اسرائيل ومصر
لم يتوقف طلب الرضا عند دول الخليج بل امتّد إلى مصر واسرائيل, اللذان تبنى معهما ملف الإخوان ونصب نفسه زعيماً عليهم, نبدأ بمصر التي تدهورت العلاقة معها بعد الإطاحة بالرئيس الاخواني السابق محمد مرسي في 3/يوليو/2013, تلاها طرد الحكومة المصرية للسفير التركي منها بعد سقوط مرسي المدعوم من أردوغان, لتصيب العلاقة قطيعة تامة حتى فترة قريبة, حيث بدأ أردوغان منذ عام بطرد قيادات الاخوان من أرضه والتهديد بتسليمهم للإنتربول, ولم يتوقف هنا بل ذهب بعيداً إلى حد الزام القنوات التلفزيونية الداعمة للإخوان بوقف هجومهم على مصر .
ومن مصر وصولاً إلى دولة الاحتلال الاسرائيلي, ومن يرى أردوغان يدين ويشجب عمليات الكيان الصهيوني ضد أهلنا في فلسطين ودفاعه المستميت عنهم واحتضان حركة حماس ودعمه لهم خلال العقود السابقة, لا يتوقع أن يأتي يوم ونرى فيه أن يفعل أردوغان العكس ويستنكر مقتل اثنين من الكيان الصهيوني, ناسفاً كل مبادئه وناسياً أو متناسياً أنه قطع علاقاته مع الكيان بحجة سفينة مرمرة وبحجة دعم أهلنا بفلسطين ليتوج نفاقه باستقبال الرئيس الاسرائيلي اسحاق هرتسوغ واعداً له برد الزيارة, وراجياً منه تطوير العلاقات بين تركيا واسرائيل.

حجر العثرة سوريا :
وبعد كل ما فعله أردوغان من وصل لحبال قطعت, وربط لأخرى, لم يحقق معها غايات الشعب التركي ولم يوقف تهاوي اقتصاده, وبقي أمامه حجر العثرة سوريا, حيث اتسعت رقعة المعارضة له وطلب معارضوه وقف دعم الإرهاب في الأراضي السورية, كما طالبوه بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم, وإعادة تطبيع العلاقات مع سوريا, لتكون سوريا أصل الحكاية, والبداية والنهاية للحل التركي, ويرى مراقبون أنّه في حال لم يسع أردوغان لرأب الصدع الذي صنعه بيده في سوريا فإنّه لن يحمي نفسه من السقوط في هوة الانتخابات المقبلة.
وفي الوقت الذي يبتعد أردوغان بعداً تاماً عن أي مصالحة مع سوريا عمد في خطوة تحسب له وهي إغلاق مكاتب الائتلاف في أنقرة في الثالث عشر من أذار الفائت, على أن تتبعها خطوة مماثلة لإغلاق باقي المكاتب في أنحاء البلاد بناءً على طلب الأتراك, الأمر الذي ربطه البعض بخطوة قوية باتجاه إعادة تطبيع العلاقات مع دمشق, بالتزامن مع تأكيد مصادر على أنّ عودة العلاقات التركية السورية كانت بين أهم بنود زيارة أردوغان إلى الإمارات, ولتقريب الموقف تلا زيارة رجب طيب إلى الإمارات زيارة الرئيس الأسد إليها.
ليأتي تأكيد ما ذكرته أنفاً, وهو حديث صحيفة حرييت التركية منذ اسبوع على وجود قنوات تواصل تركية سورية لإعادة العلاقات بين البادين , في الوقت الذي نفت فيه وزارة الخارجية السورية صحة الأمر, ولكن في العرف السياسي ومثلما يقولون في العامية لا يوجد دخان دون نار, فهل سنشهد عودة قريبة للعلاقات السورية التركية, وهل سيزيل أردوغان حجر العثرة من طريقه؟ ويصلح ما كسرته يداه؟

كاتبة سورية

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى