ماذا فعلت 220 يوماً في المدار بجسد رائد فضاء سبعيني؟

في لحظة مفعمة بالتاريخ والتحدي الإنساني، عاد رائد الفضاء الأمريكي دون بيتيت، أحد أقدم الرواد نشاطًا في تاريخ وكالة “ناسا”، إلى الأرض بعد مهمة فضائية استمرت 220 يومًا على متن محطة الفضاء الدولية، متجاوزًا في طريقه حدود العمر والجاذبية، وتزامن الهبوط مع مناسبة فريدة وهي عيد ميلاده السبعين.
علامات الإنهاك تروي قصة الجسد في الفضاء
هبطت الكبسولة الروسية “سويوز” التي أقلّت بيتيت إلى الأرض في سهول كازاخستان ، برفقة رائدين روسيين، حيث كان في استقباله فريق طبي وفني متخصص.
وظهرت على بيتيت ملامح التعب الشديد، وهي أعراض مألوفة لرواد الفضاء العائدين من رحلات طويلة في مدار الأرض، حيث يؤدي غياب الجاذبية إلى ضمور العضلات وفقدان الكتلة العظمية وتغيرات في توازن سوائل الجسم.
كما أصبح رائد الفضاء أكثر هزالاً وضعفاً بشكل ملحوظ مقارنة بما كان عليه عندما غادر الأرض.
وأعرب عالم الفلك جوناثان ماكدويل عن مخاوفه بشأن بيتيت، واصفًا إياه بأنه “ليس على ما يرام تمامًا”.
وقال “دون بيتيت الرائع الذي بلغ السبعين من عمره اليوم بدا أقل من كامل صحته عند استخراجه من الكبسولة – وآمل ألا يكون الأمر خطيرا، ولكنني أتطلع إلى أي تحديث بشأن حالته”.
إلا أن وكالة ناسا أكدت أن وضعه الصحي “ضمن المعدلات المتوقعة”، رغم المخاوف التي أبداها البعض بسبب سنّه المتقدم.
وفي تصريح سابق له، أوضح بيتيت بلهجة العالم المتفائل: “ما يحدث لي بعد الهبوط ليس مفاجئًا، فالأمر فيزيولوجي بحت. أعلم أنني سأشعر كإنسان مرة أخرى خلال 24 ساعة فقط”.
مسيرة علمية لم تتوقف
لم تكن هذه الرحلة مجرد مغامرة شخصية، بل محطة جديدة ضمن سجل حافل من الإنجازات العلمية. فخلال وجوده في المدار، شارك بيتيت وزملاؤه في سلسلة من التجارب الدقيقة، شملت دراسة كيفية نمو النباتات في الجاذبية الصغرى، وتطوير أنظمة متقدمة لتنقية المياه، إلى جانب أبحاث حول سلوك اللهب في الفضاء، وهي دراسات تحمل تطبيقات واعدة للحياة على الأرض واستكشاف الكواكب الأخرى، وفقا لصحيفة “ديلي ميل” البريطانية.
3520 دورة حول الأرض وملايين الأميال
على مدار 220 يومًا، دار الطاقم حول الأرض 3520 مرة، أي ما يعادل قطع مسافة تفوق 93 مليون ميل. تجربة تضع ضغطًا نفسيًا وبدنيًا هائلًا على أي إنسان، فكيف إذا كان في السبعين من عمره؟ ومع ذلك، أظهر بيتيت ثباتًا استثنائيًا، مما جعله محل إعجاب واسع في الأوساط العلمية والشعبية.
ولد بيتيت في ولاية أوريغون عام 1955، وبدأت رحلته مع ناسا منذ ما يقرب من ثلاثة عقود. ومع عودته الأخيرة، يكون قد أمضى أكثر من 556 يومًا في الفضاء على مدار ثلاث مهمات، ليصبح من بين رواد الفضاء الأمريكيين الأكثر بقاءً خارج الغلاف الجوي.
ورغم بلوغه السبعين، لا يُعد الأكبر سنًا في تاريخ رواد الفضاء؛ إذ يحتفظ الأمريكي جون غلين بهذا اللقب، عندما شارك في مهمة فضائية على متن المكوك “ديسكفري” عام 1998، وكان يبلغ من العمر 77 عامًا.
عودة بيتيت جاءت على متن المركبة الروسية “سويوز”، ما يعكس استمرار التعاون الحذر بين وكالة ناسا والوكالة الروسية روسكوسموس، رغم التدهور الحاد في العلاقات بين موسكو وواشنطن منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022. وفي ظل انقطاع سبل التعاون في عدة مجالات علمية وتجارية، تبقى محطة الفضاء الدولية آخر الجسور العلمية التي لم تُهدم بين القوتين العظميين.
رحلة دون بيتيت الأخيرة لم تكن مجرد انتصار علمي، بل شهادة على قدرة الإنسان على تحدي الزمن والفضاء معًا. وفي زمن تعج فيه الأرض بالتحديات، لا تزال العيون معلقة في السماء، حيث يصنع الرواد أمثال بيتيت المستقبل على ارتفاع 400 كيلومتر فوق كوكبنا.
كيف يمكن لأشهر في الفضاء أن تضر الجسم؟
ويحذر الخبراء من أن الإقامة لأشهر في الفضاء تضر بالجسم ، مسببة بما يسمى “أرجل الدجاج” و”أقدام الأطفال” وزيادة خطر الإصابة بالسرطان، فقدان البصر والتدهور المعرفي.
وإلى جانب أن هذا المظهر غير المعتاد قد يبدو كذلك، فإن تراكم السوائل في الرأس قد يؤدي أيضاً إلى مضاعفات طبية خطيرة.
عندما يتراكم الضغط في الرأس فإنه يضغط على العينين وعلى الأعصاب البصرية مما يسبب ما يسمى بمتلازمة العين العصبية المرتبطة بالرحلات الفضائية (SANS).
مع مرور الوقت، تتسبب الجاذبية الصغرى في حدوث تغييرات في شكل العين بما في ذلك تورم العصب البصري، وتسطيح الجزء الخلفي من العين، وتطور الطيات في شبكية العين.
ويسبب مرض SANS عدم وضوح الرؤية أو ضبابيتها لدى حوالي 70 بالمائة من جميع رواد الفضاء الذين يذهبون إلى الفضاء.
وأظهرت الدراسات أن عيون رواد الفضاء تعود عادة إلى وضعها الطبيعي بمجرد عودتهم إلى الأرض، لكن وكالة ناسا تحذر من أن بعض التأثيرات قد تكون دائمة.
وتحذر ناسا أيضًا من أن كلما طالت مدة بقاء رواد الفضاء في الفضاء، زاد خطر تلف الرؤية، وتم ربط التغيرات في الضغوط في الدماغ، إلى جانب التوتر وقلة النوم، بالتدهور الإدراكي لدى بعض رواد الفضاء.
كما أظهرت الدراسات أن رواد الفضاء يعالجون بعض المهام بشكل أبطأ بكثير أثناء وجودهم في الفضاء مقارنة بالأرض.
وأظهرت الأبحاث أيضًا أن رواد الفضاء يعانون من ضعف في الذاكرة العاملة والانتباه، إلى جانب تغير سلوك المخاطرة.
فقدان العضلات والعظام
إن أكبر المخاطر المرتبطة بالبقاء في الفضاء لفترة طويلة تأتي من التعرض لانعدام الجاذبية.
بعيدًا عن جاذبية الأرض، تبدأ عضلات رواد الفضاء في الضعف بسبب قلة العمل.
مع مرور الوقت يؤدي هذا إلى ضمور العضلات مما يجعل رواد الفضاء ضعفاء عند عودتهم إلى الأرض.
لمحاربة آثار العيش في ظل الجاذبية المنخفضة، يمارس رواد الفضاء الرياضة لمدة ساعتين على الأقل يومياً على متن محطة الفضاء الدولية.