ما الذي يكشفه ممر “نتساريم” عن نوايا الاحتلال في غزة بعد الحرب؟
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
كشفت “واشنطن بوست” عن آراء محللين للشؤون العسكرية وصور للأقمار الصناعية تؤكد أن أشغال جيش الاحتلال الإسرائيلي في ممر نتساريم ليست إلا جزءا من مشروع ضخم يخطط له هناك، لإعادة تشكيل غزة وتثبيت وجوده هناك. فقد تعرضت العديد من البنى التحتية المدنية من مدارس ومستشفيات ومنازل للتدمير في هذا الممر، أو تم تحويلها إلى نقاط عسكرية.
وتقول الصحيفة، في تقريرها، إن صورًا للأقمار الصناعية وأدلة بصرية أخرى كشفت أن القوات الإسرائيلية تعكف على إنشاء تحصينات لممر ستراتيجي يقسم قطاع غزة إلى نصفين، وذلك من خلال بناء قواعد، والسيطرة على منشآت مدنية وتجريف منازل، وهي أعمال يقول المحللون العسكريون والخبراء الإسرائيليون إنها تندرج ضمن مشروع واسع النطاق لإعادة تشكيل القطاع وتثبيت الوجود العسكري للاحتلال فيه.
وتوضح الصحيفة أن ممر نتساريم هو طريق بطول أربعة أميال يقع جنوبي مدينة غزة ويمتد من الشرق للغرب، من الحدود الإسرائيلية نحو البحر الأبيض المتوسط، وقد وضعت حماس انسحاب الاحتلال من هذا الممر ضمن مطالبها الأساسية في مفاوضات وقف إطلاق النار.
وأظهرت صور للأقمار الصناعية اطلعت عليها الصحيفة أنه بالتوازي مع جولات المفاوضات خلال الشهرين الماضيين، واصلت “إسرائيل” أشغالها في الممر؛ حيث تم إنشاء ثلاث قواعد عملياتية متقدمة منذ آذار/ مارس الماضي. وفي البحر يلتقي هذا الطريق مع نقطة تفريغ جديدة بمساحة سبعة هكتارات لميناء عائم، في إطار مشروع أمريكي يزعم أنه يهدف لإيصال المزيد من المساعدات لغزة.
وترى الصحيفة أنه رغم مزاعم “إسرائيل” أنها لا تنوي احتلال القطاع بشكل دائم، فإن تشييد الطرق والنقاط المتقدمة والمناطق العازلة في الأشهر الأخيرة يكشف عن اتساع دور “الجيش الإسرائيلي” مع تعثر الرؤى البديلة لمرحلة ما بعد الحرب.
وإلى جانب كونه ورقة ضغط في المفاوضات، تمنح سيطرة الاحتلال على هذا الممر مرونة هامة، وتسمح بنشر قواته بشكل سريع في أنحاء القطاع. كما أنها تضمن له الحفاظ سيطرة على تدفق المساعدات وحركة النازحين الفلسطينيين، وهو أمر يعتبره الاحتلال ضروريًّا لمنع حماس من إعادة تنظيم صفوفها.
ونقلت الصحيفة عن تحليل قام به خبير تحليل البيانات الجغرافية الإسرائيلي عدي بن نون؛ أن 750 منزلًا تم تدميرها ضمن ما يبدو أنه عمل ممنهج لخلق منطقة عازلة تمتد لمسافة لا تقل عن 500 ياردة من كل جانب. كما تم تدمير 250 منزلًا وجرى تسويتهم بالأرض في المنطقة التي أقيم عليه الميناء الأمريكي العائم.
ويرى خبراء عسكريون أن هذه الأعمال تأتي في إطار مخطط ضخم وطويل المدى لإعادة تشكيل غزة، في إحياء للمخططات الإسرائيلية القديمة بتقسيم غزة إلى كنتونين اثنين حتى تسهل السيطرة عليهما.
وتذكر الصحيفة أنه بحلول السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر كانت “إسرائيل” قد صنعت مسارًا متعرجًا نحو البحر، يسمح للعربات المدرعة بالوصول إلى شارع الرشيد. ثم في شباط/ فبراير، وآذار/ مارس قامت بتشييد مسار مستقيم، وقد تم الانتهاء من جزئه الأقرب للبحر بين 5 و9 من شهر آذار/ مارس، كما تكشف الصور.
ويقول جيش الاحتلال، إن هذا الطريق يسمح لعرباته بالتنقل بين جانبي غزة خلال سبع دقائق فقط، بالتالي التدخل السريع والوصول لشمال ووسط غزة دون عوائق. وقد استخدم كقاعدة للهجمات الأخيرة على حي الزيتون، بحسب مسؤول عسكري طلب عدم الكشف عن اسمه.
وقالت الصحيفة، إن الممر الذي أنشأه الاحتلال يتقاطع مع الطريقين الوحيدين اللذين يربطان بين شمال وجنوب غزة، صلاح الدين والرشيد. وقد شرع الجيش في بناء قواعد متقدمة على مستوى كلا التقاطعين منذ بداية آذار/ مارس، وهو ما يوحي بأن الاحتلال يحضر لعودة النازحين المدنيين تحت مراقبته.
وتنقل الصحيفة عن جمعة أبو حصيرة، وهو أحد سكان القطاع، أن جنود الاحتلال أطلقوا النار في الهواء حين اقترب من الممر في الشهر الماضي خلال فترة هدوء نسبي للمعارك، حيث سرت شائعات بأنه سيسمح للعائلات بالعودة للشمال مجددًا. وقد تعرض هذا الرجل البالغ من العمر 37 سنة للاعتقال وتم تعصيب عينيه وضربه بعقب البندقية وتعنيفه واستجوابه لثمان ساعات.
وتنقل الصحيفة عن دورون كادوش، المراسل العسكري لإذاعة جيش الاحتلال والذي زار النقطة المتقدمة في شارع صلاح الدين خلال الشهر الماضي، أن “الجيش” ركز رادارات ومعدات مراقبة في المواقع الجديدة.
وتظهر الصور التي التقطها مراحيض متنقلة بيضاء وزرقاء، ومولدات كهرباء وأبراج اتصالات عالية باللونين الأبيض والأحمر. ولاحظ هذا المراسل أن ممر نتساريم لم يكن يحتوي على شيء خلال زيارته الأولى في تشرين الأول/ أكتوبر سوى ممر للدبابات. والآن باتت القواعد العسكرية المشيدة فيه تضم منشآت للنوم وغرف استحمام ومطعم متنقل وملاجئ صلبة الأسقف.
وأشارت الصحيفة إلى أن قوات الاحتلال قامت أيضا بالاستيلاء على منشآت مدنية مجاورة وتحويلها إلى مواقع عسكرية.. إحداها هي مدرسة سابقة في قرية جحر الديك، تبعد حوالي ميل واحد عن الحدود مع إسرائيل. وقد ظهرت في الموقع حواجز رملية في النصف الثاني من شهر آذار/ مارس، فيما تم تدمير بقية القرية.
ويبدو أن هذه القوات استولت أيضا على مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني وحولته إلى قاعدة لعملياتها، بعد أن كان متخصصًا في علاج مرضى السرطان. وقد أغلق المستشفى أبوابه في الأسبوع الأول من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر بسبب القصف الإسرائيلي على محيطه ونفاد الوقود، ليبقى الآلاف من مرضى السرطان الفلسطينيين محرومين من العلاج. ثم ظهرت الحواجز الرملية في محيط هذا المستشفى في أواخر نفس الشهر. وواصل الاحتلال تجريف مئات الهكتارات في محيطه، ودمر الصوبات الزراعية وفجر جامعة الإسراء وقصر العدل الذي كان يضم المحاكم العليا في غزة.
أمام كل هذه المؤشرات في ممر نتساريم، يرى الخبراء العسكريون أن فترة احتلال عسكري مطول باتت أكثر ترجيحًا من ذي قبل، خاصة في غياب الحلول البديلة لإدارة القطاع بعد الحرب.
وقد رفض الاحتلال المقترحات الأمريكية بعودة السلطة الفلسطينية، كما أن فكرة نشر قوات أمنية عربية لا تحظى بالقبول لدى دول المنطقة. إلا أن الوجود العسكري الإسرائيلي بحسب الصحيفة سيكون مرفوضًا تماما من سكان غزة، وممر نتساريم بات منذ الآن هدفا مفضلا لهجمات حماس وبقية الفصائل المسلحة.