مروان طوباسي: أوهام ستجد نهاية لها أمام المتغيرات وأصرارنا على الحق والسيادة
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
لا شك أن كل شعوب الأرض منذ بدأت الحياة تدب خَلقَت أساطيرها وكَونت معتقداتها ووضعت نواميسها وعقائدها اللاهوتية ، إلاّ فى حالة واحدة حدث فيها العكس ، وهى حالة المجتمع اليهودي في دولة الأحتلال الاستعماري الإسرائيلي التى أختُلقت ووُجدت تبعاً لأساطيرها وأوهام لا نهاية لها ، هي اوهام “مملكة إسرائيل الكبرى” ، هذه الأوهام عند عدد من المؤرخين والمفكرين هي الأساس الذى قامت عليه فكرة إقامة الدولة الدينية اليهودية . ولكي يتحقق هذا الأمل او الوهم كان على مفكري وكهنة هذه الجماعة أن يضعوا أولاً حدوداً جغرافية لهذه الدولة أو الوطن المزعوم ، ومن هنا لجأوا إلى الأسطورة ، ثم كان عليهم أن يخلقوا تاريخاً قديماً لهذه الدولة فلجأوا ثانية إلى الأسطورة ، وهكذا كانت الأسطورة هى الطريق لخلق كل مقومات دولتهم وأوهامهم بما فيها وهم “الشعب اليهودي” التي لا يريدون ان يكون لها نهاية .
وقد جاء في كتاب دراسة نقدية في لاهوت العنصرية الإسرائيلية “انه ، رغم ان الرؤى الدينية هي احدى محددات الاستراتيجيات الأمنية التوسعية لدولة الأحتلال وفيها يختلط الأسطوري بالواقعي والماضي بالحاضر حيث يصبح تاريخهم لاهوتاً ولاهوتهم تاريخاً انطلاقا من اقتناع مؤسسي وقادة إسرائيل الاستعمارية بأنهم ورثة مملكة داود وسليمان القديمة. أن لاهوت العنصرية الإسرائيلية “كطاقة مقدسة” تؤثر بقوتها وتَفردها العنصري على ما هو “غير مُقدس من غير اليهود ” من وجهة قناعتهم المشوهة تصبح مبررا للامساواة والاستغلال والحروب ، وتمنح المبرر النفسي لسلوك الإسرائلييين اليهود تجاه غيرهم وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني.”
أن ذلك يعبر عن جانب من مبررات ما يجري اليوم ليس فقط من جانب اوساط الأحزاب الصهيونية الدينية ، لكن من الكل الصهيوني الذي توالى على حكومات دولتهم . لكن ورغم فكرة فوقيتهم والنقاء العرقي لليهود الذي يؤمنون به ، فهنالك يبرز تنوع المستويات الثقافية والعرقية للجماعات اليهودية والأفراد اليهود الذين تتفاوت مستوياتهم العقلية والثقافية تبعا للمجتمعات التي عاشوا فيها قبل ان تنفذ الحركة الصهيونية مخططها بدفعهم لفض الاندماج من مجتمعاتهم التي كانوا يعيشون بها سواء الأوروبية أو العربية وترتيب هجرتهم الاستيطانية الى فلسطين ، وهذا احد الجوانب التي يستند لها الانقسام الحاصل بينهم .
والآن فإن هذا التفاوت والاختلاف الاثني ذو المنشاء القومي الأساسي من جهة ، وبين تلك التيارات الاصولية الصهيونية الدينية والليبرالية العلمانية من جهة اخرى يشكل واجهة الخلاف والصراع القائم اليوم بين مكوناتهم إضافة إلى عامل الفوارق الطبقية التي بدأت تتسع بالمجتمع اليهودي الإسرائيلي ، مع ابتعاد موضوع اضطهاد شعبنا أو استمرار الأحتلال الاستعماري كاحد اسباب تلك الخلافات .
أن توصيف الصراع معهم اليوم او حصره بالقُدس على أهميتها التاريخية والسياسية إلى جانب معانيها التراثية العربية الدينية بالنسبة لنا ، أو ابرازه كصراع ديني كما يريدون هم ، على أحقية الأماكن المقدسة لنا وهويتها فقط ، يشكل خطورة تفضي إلى الانجرار خلف مبراراتهم الدينية هم ، كما ويغيب حقيقة صراع الوجود على الأرض كلها ومعنى وجوهر الصهيونية ، ويعيق من فضح دولة الأحتلال العنصري ككل متكامل ومقاومة سياساتها ككيان استيطاني إحلالي في كل فلسطين ذو وظيفة توسعية وكقاعدة استعمارية استراتيجية للغرب ، فصراعنا معهم هو على الوجود والسيادة وليس على العبادة رغم أهميتها كموروث ثقافي إسلامي ومسيحي لنا نحن ابناء المشرق وأصحاب الأرض وحضورنا عليها .
اما الآن ، فإن مختلف المتغيرات السياسية الجارية بالعالم وبدء الوصول إلى نظام عالمي جديد الذي قد يأتي بالعدالة للشعوب وحقوقها التي غيبتها الهيمنة الأمريكية ، والصورة الحقيقية العنصرية الفاشية لدولة الأحتلال التي اظهرتها حكومة اليمين الديني الصهيوني الأكثر تطرفا أمام أصدقاء دولتهم بل وحتى أمام جاليات يهودية ليبرالية حول العالم وانفضاح سياسات الابرتهايد المقيته في نظر الرأي العام الدولي قد ساهمت إلى جانب تقويض ما يسمى بالقيم المشتركة بين الولايات المتحدة ودولة الأحتلال على اثر قرارات حكومة نتنياهو ، الى مساندة الولايات المتحدة على اثر ذلك لأوساط المعارضة يهدف إنقاذ وحماية دولة الأحتلال ، التي ما زالت الإدارة الأمريكية بحاجة لها كحليف استراتيجي يعتمد عليه بعد انسحابها من بعض مناطق التوتر بالمنطقة من جهة ، وسرعة التحولات والانحيازات الايجابية في شكل العلاقات البينية السياسية العربية نفسها ومع إيران من جانب اخر وانتهاء مقاطعة سوريا ونهاية حرب اليمن ، وبروز تحالفات جديدة بعد صعود الصين وروسيا إلى واجهة المشهد الدولي إضافة إلى توسع تحالف دول البريكس والتجمعات الاقتصادية الجديدة حول العالم ، وبداية مطالبات أوروبية باستقلال مواقفها السياسية بعيدا عن رؤية الاستراتيجية الأمريكية التي تعاني أزمة حقيقية اثر حربها بالوكالة باوكرانيا وتراجع مكانة اقتصادها .
كل تلك الأسباب يضاف اليها طبعا تصاعد الأزمة والتاَكل بالمجتمع اليهودي الإسرائيلي وتعقيداته وبروز مشاكل المؤسسة الأمنية وظهور بعض علامات ضعف قوة الردع لديها في مواجهة ما قد يتطور بالجانب العسكري على اثر المتغيرات السياسية بالمنطقة بعد كل التقاربات الجارية امامنا .
أن كل ذلك اصبح يضع علامات استفهام كبيرة على كيفية منحى تقدم أو تراجع دور دولة الاحتلال ومكانتها الجيوسياسية ، بل ويبرز شكوكا لدى اوساطهم حول إمكانية استكمال تنفيذ مشروعهم الصهيوني أمام الحالة الجديدة للمنطقة ويدفع باتجاه ظهور عوامل إحباط بينهم وهجرة معاكسة مما قد يدفع التيار اليميني الديني إلى مزيدا من الجرائم بحقنا .
برأيي أن ذلك يشكل لنا الآن فرصة مناسبة حيث فشلت محاولات إحباطهم لمشروعنا التحرري لاستنهاض دورنا واستعادة كافة مكامن قوتنا كحركة تحرر وطني لتصفية جوهر مشروعهم الأستعماري العنصري، مما يتطلب البناء على المتغيرات الجارية الدولية والاقليمية. لكن وقبل ذلك استعادة ثقة شعبنا بمكونات واطر كفاحه الوطني وتوسيعها لتشمل كل اطياف مجتمعنا الفلسطيني وفق رؤية واضحة وبرنامج وادوات قيادية تمتلك التأثير ، من خلال تنفيذ ما أعلن عنه الأخ الرئيس سابقا من دعوة للحوار الوطني الشامل . كما وتطوير حالة الفعل المؤثر والشجاع على كافة الساحات الإقليمية والدولية لمواجهة اية محاولات للعبث بساحة قرارنا الوطني المستقل والابتعاد عن سراب الحلول الاقتصادية والأمنية الامريكية . كما وتوسيع وتفغيل قاعدة المشاركة الجماهيرية الضرورية لمقاومة الاحتلال ، وحماية ذلك من خلال التفعيل الضروري لمنهج عمل الحكومة وللعمل الديمقراطي والشعبي لدور مؤسساتنا وإجراء الأنتخابات العامة بما في ذلك بالقُدس كحق طبيعي لأبناء شعبنا كافة وكسلاح امام المجتمع الدولي في وقت تُمارَس به الفاشية الديكتاتورية الثيوقراطية الاَن في دولة الأحتلال الأستعماري الاخذة في تلقي الانتقادات الدولية وخسارة اجزاء من مكانتها .