مروان طوباسي: نحن وتسارع الأحداث بين الوقائع والأستحقاقات
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
تتسارع الأحداث على كافة المستويات ، وتزداد وتيرة الزيارات بين مسوؤلي الدول المختلفة فيما بات يؤشر لبدايات عالم جديد بعيدا عن الهيمنة الأمريكية وخلق توازنات عالمية جديدة .
فالعالم يتغير باتجاه النظام الدولي الجديد متعدد الاقطاب ، بعد أن أصبح التمرد واضحا بحق الهيمنة الأمريكية وأحادية احتكار القرار الدولي .
أمريكيا من جهتها تحقق خسائر في مسار علاقاتها مع دول مختلفة وتتراجع في مواقع دولية اخرى ، لكنها تحاول من خلال سياساتها التكتيكية المتغيرة الحفاظ على هيمنتها لأهداف سياساتها الخارجية الثابتة ، خاصة مع دخول موسم الانتخابات الرئاسية بطرفهم .
والاتحاد الأوروبي من جهته يتنازل عن دور أوروبا التاريخي لصالح الولايات المتحدة بل ويتورط في خدمة المشاريع الامريكية ان كان بما يتعلق باوضاع اوروبا وتحديدا الحرب التي تخوضها الاولايات المتحدة بالوكالة من خلالهم ضد روسيا الان ، او بما يتعلق بتبعية المواقف الامريكية بشان المتغيرات الجارية بالعالم العربي والتموضعات السياسية الجديدة وهذا ما عكسته تصريحات بوريل وفان ديرلاين بالايام الماضية ان كان بشان قضية شعبنا او حول الشأن السوري . يجري ذلك في غياب قيادات أوروبية تاريخية وازنة تحقق لأوروبا قراراها المستقل ومصالحها وتنطلق من المبادئ القيمية والاخلاقية المفترضة للأوروبين والاتحاد الأوروبي في معالجة القضايا الدولية ، بدل التنازل الجاري عن الدور الأوروبي لصالح الولايات المتحدة .
وحتى لا نكون عبثيين، علينا أن نرى ايضا المتغيرات الجارية بالمجتمع الأمريكي نفسه بما فيه من مكون يساري داخل الحزب الديمقراطي واوساط اخرى تقدمية وبعض المنظمات اليهودية تتعلق بالمواقف من الصهيونية ودولة الاحتلال الاستعماري والابرتهايد . كما ايضا حركات شعبية وحزبية واسعة في أوروبا تعلن تضامنها اليومي مع قضايا شعبنا في مواجهة الاحتلال وافرازاته المختلفة .
اما بالعالم العربي ، فهنالك مؤشرات على وجود استراتيجية عربية جديدة تنطلق الآن في موازاة بدايات ملامح النظام الدولي الجديد . حيث يتلخص ذلك بعدد من قرارات قمة جدة بعودة أولوية الأهتمام بالشان الفلسطيني ورفض سياسات التطبيع قبل إنهاء الاحتلال ، عودة سوريا الى جامعة الدول العربية وعودة العلاقات الدبلوماسية البينية العربية معها ، انهاء حرب اليمن التي تركت اثارا مدمرة على الشعب اليمني ولم تحقق بالنتيجة شيئاً وفق ما اراده الغرب ، اضافة الى المصالحة السعودية الإيرانية وتمددها لدول اخرى ورفض السعودية للضغوطات الأمريكية للتطبيع مع دولة الاحتلال مما تسبب بعدم اكتمال مشروع اتفاقات ابراهم وفق ما كان مخططا له ، كما وسقوط فزاعة العدو الايراني للأمة العربية . هذا بالإضافة إلى رفض المطالب الأمريكية المتعلقة بانتاج النفط وعضوية روسيا في منظمة اوبيك بلس ، وما تبع ذلك من تراجع بلينكين أمام لقاء مجلس التعاون الخليجي حول عدد من القضايا ومنها الموقف العربي من قانون قيصر بحق سوريا أو العقوبات على روسيا . تمرد على تاريخ طويل من العلاقات مع الولايات المتحدة التي كانت قائمة على فكر الاستعمار بمختلف أشكاله بحق القرارات العربية ، الأمر الذي يتوجب برأيي استمراره والبناء على تلك التوجهات الجديدة وزيادة أشكال التضامن العربي واشاعة الديمقراطية واعتماد سياسات اقتصادية تنموية للحد من الفقر ، لامكان مواجهة الضغوطات القادمة المحتملة .
ومن جانب اخر يتسع انفتاح العرب على الشرق ، وتحديدا مع الصين وروسيا ، الأمر الذي قد يكون له علاقة بمصادر الثقافة الشرقية ومكوناتها كما وفهم الدور الأمريكي في أوضاع الدول والشعوب ، مما اتاح تمدد دور البلدين في العالم العربي للبحث عن المصالح المشتركة في مواجهة الهيمنة الأمريكية المتراجعة من خلال أشكال مختلفة من العلاقات اعتمدت على توقيع اتفاقيات شراكة استراتيجية وتعاون بقطاعات مختلفة كان آخرها امس حين وقع الرئيس أبو مازن مع نظيره الصيني تلك الاتفاقيات والتي توجت علاقات تاريخية طويلة امتدت لاكثر من ستة عقود مع انطلاقة ثورتنا الفلسطينية ، كما والاعلان عن المبادرة الصيتية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، وهي على ما يبدو تعتمد استراتيجية صينية جديدة لحل الصراعات وفق ما جرى بين إيران والسعودية ، وهذا ما يعزز الدور الصيني القادم في قضايا وتحولات الشرق الأوسط.
الجزائر من جهتها تنفذ من خلال رئيسها تبون توقيع اتفاقيات استراتيجية مماثلة مع الرئيس الروسي بوتين خلال الزيارة التي يقوم بها الرئيس الجزائري والذي تعتبر بلاده اهم شركاء روسيا بالمغرب العربي ودولة منتجة للنفط والغاز ومشاطئة للبحر الأبيض الذي يرغب الروس بتوسيع حضورهم فيه الى جانب شواطئ سوريا .
من جهة اخرى يقوم الرئيس الايراني منذ اسبوع بجولة واسعة بالقارة اللاتينية بعد أن حقق اليسار فيها الفوز بالجولات الانتخابية الأخيرة منهياً مقولة الحديقة الخلفية التابعة للولايات المتحدة .
يرافق كل ذلك التوسع الجاري بعضوية التكتلات الاقتصادية الناشئة مثل البريكس ومنظمة شنغهاي ، والبدء باعتماد العملات الوطنية بدل الدولار بالمعاملات التجارية بين الدول والتي كان آخرها ما اعلنته امس مصر بالخصوص .
حيث تتسارع الاحداث الدولية نحو متغيرات اصبحت تطيح بأشكال النظام الدولي القائم وتحديدا في شأن افول الهيمنة الأمريكية الراعي الاساس لمشروع الحركة الصهيونية من جهة ، ومن جهة أخرى تصاعد التحولات والتطورات الجارية في شكل ومضمون الأحتلال مع حكومته الجديدة القديمة التي تعتمد التصعيد العدواني والأستعماري الإسرائيلي القائم والمُقبل ضد شعبنا وفق ما حددته من رؤية في برنامج ائتلافها الحكومي بخصوص الضم والألحاق والأحلال والحق الحصري لليهود في أرض فلسطين التاريخية وكل ما يرتبط بهذا المفهوم العنصري الصهيوني والتوراتي المزعوم ، من خلال مشروع الحسم المبكر والسيطرة المباشرة على معظم أراضي الضفة الغربية، ومنح شرعية قانونية إسرائيلية للبؤر الاستيطانية كافة، وضم المستوطنات إلى إسرائيل ونقل المسؤولية عن المجالات المدنية من الإدارة المدنية الخاضعة للجيش إلى وزارات إسرائيلية عادية في تكريس واضح للابرتهايد الاستعماري ، حيث المشروع الاستيطاني الصهيوني يتوسع ويتمدد في حوالي ١٣٠ مستوطنة وبوجود ما يقارب من أقل بقليل من المليون مستوطن ، الأمر الذي أصبح يهدد حقيقة إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة وعاصمتها القدس .
امام كل تلك المجريات ،
فإن قضيتنا الفلسطينية تعيش مرحلة فارقة من تاريخ الصراع مع الأحتلال الاستعماري وسياساته الاجرامية التصفوية . الأمر الذي يتطلب منا التأكيد على جوهر مرحلة التحرر الوطني التي ما زلنا نخوضها خاصة مع التحولات الدولية الجارية التي قد تؤثر في ميزان القوى بالاقليم ايجابا ، وبإعادة الأعتبار والحضور لمشروعنا الوطني التحرري الديمقراطي للتخلص من كل أشكال الأحتلال الأستيطاني والابرتهايد .
كافة تلك العوامل تستدعي اليوم إجراء مراجعات شاملة تاخذ هذه المتغيرات بعين الاعتبار ، اضافة الى مراقبة ما يجري الان في دولة الاحتلال الاستعماري والمجتمع اليهودي بشكل عام من انقسامات حادة وتحولات بالمجتمعات اليهودية .
ان هذا يتطلب برأيي وضع رؤية متجددة عملية وواقعية لمسار حركتنا الوطنية للتعامل مع تلك المتغيرات التي باتت عاملا مؤثرا في مسار كفاحنا نحو الحرية والأستقلال الوطني .
فقد بات ملحا امام هذه التطورات والمتغيرات العمل اولاً على ضرورة استعادة وحدة الوطن السياسية والأدارية بعد ما حدث من انقلاب مُدمر في الشق الجنوبي منه وتفاقم الضرر على شعبنا وقضيتنا جراء ذلك ، خاصة بعد أن أصبح موضوع المصالحة يشابه قصص الف ليلة وليلة ومع ما يدور اليوم من حديث واجراءات حول مشروع “الأمارة” والتقاسم الوظيفي في قطاع غزة وارتباط ذلك باجندات غير وطنية .
هذا إلى جانب سعي الاحتلال لتعزيز فكرة الحكم الذاتي الموسع لكانتونات مشتتة بالضفة الغربية التي تواجه تصعيد الاستيطان واتمام السيطرة والتهويد على مدينة القدس ، وهو ما يشكل خطوات فعلية لضم الضفة الغربية بصمت دون اعتراض من المجتمع الدولي وتحديدا الغرب منه . فمنذ عام ٢٠١٧ يتم تغيير هيكل الحكم العسكري إلى شكل من القيادة المدنية ، وهو ما يعكس التجسيد الخطير جدا لاستثنائية دولة الاحتلال الاستيطاني من العقوبات الدولية .
أن تحقيق تلك المراجعات يتطلب الجرأة السياسية واستخلاص العبر من تجربتنا الكفاحية الطويلة والمعقدة خاصة وأننا أمام احتلال استعماري غير كلاسيكي بحكم طبيعة جوهره ومكوناته المختلفة والمتشعبة . كما وبهدف وضع الرؤية المتكاملة لمواجهة هذه الخصوصية التي تشمل التطورات الجارية في دولة الاحتلال التي تعكس التطور الطبيعي “لدولة” قامت على أساس التطهير العرقي وفكر الأستعمار الأستيطاني قبل ٧٥ عاما دون مسائلة حتى اليوم من النظام الدولي القائم حتى اللحظة بل وبتشجيع منه على ارتكاب جرائمها .
حيث بات يَتسم هذا النظام السياسي الاَن بأعلى أشكال الفكر الصهيوني الفاشي وتصاعد أزماته الداخلية والفوضى السياسية بالفلتان المنظم للمستوطنين وبالأصرار على تطويع تشريعات دولة الاحتلال ونظامها القضائي على هذا الأساس من أجل خدمة التحالف الحكومي القائم أو ما قد يتغير منه بمشاركة جانتس وفق الرغبة الأمريكية الجارية في غياب أي رؤية صهيونية للسلام .
أن حركتنا الوطنية المعاصرة بما فيها الحركة الأسيرة التي عاشها جيلي منذ نصف قرن من الزمن ما زال يفترض فيها ان تمضي قدما من أجل استكمال مرحلة تحررنا الوطني الديمقراطي الناجز باتاحة المجال لاوسع القطاعات المجتمعية وخاصة الشبابية للمشاركة في تحمل مسوؤلياتها الوطنية لازاحة التكلس الذي اصاب بعض مكونات حركتنا الوطنية ، من خلال اجراء الانتخابات العامة للمجلس التشريعي ، كما والنقابية والطلابية والبلدية خاصة المغيبة بالمحافظات الجنوبية وتطوير دور مؤسساتنا الوطنية وبالمقدمة منها دوائر منظمة التحرير الفلسطينية بشكل يرتقي لمواجهة الأحداث ، خاصة مع المحاولات الجارية والفاشلة كما بالسابق لخلق بدائل مشبوهة عنها والتي اسقطها شعبنا بالمراحل المختلفة . وفي هذا الأمر يكمُن حجر الزاوية الذي يستدعي الأهتمام والعمل بترتيب اولويات بيتنا الوطني الداخلي حتى لا نسقط بصراعات جانبية بالإمكان تجاوزها بالوحدة والنظام ، كما بتوسيع المشاركة الشعبية بصناعة القرار والوضوح في مواجهة الضغوطات التي تهدف الى تكرار تجارب سابقة من اطراف مختلفة تتعلق بسراب الأفكار السياسية الأمريكية باختلاف اداراتها والتي لا شأن لها بإنهاء الأحتلال ، بل لخدمة مشروع الحركة الصهيونية العالمية التي يتسابق زعماء دوليين لإعلان انتمائهم لها وبالمقدمة منهم الرئيس بايدن .
أننا نعيش اليوم في عالم صعب ومعقد ، عالم اصبحت تحكمه علاقات المصالح للدول والقوى ونظام عالمي حتى اللحظة لا تسوده العدالة .
لكنها الفرصة أمامنا في عالم يتجه للتغير ، أن نؤثر فيه باستنباط أشكال الصمود والمقاومة الشعبية واعادة صياغة العلاقة مع هذا الأحتلال الفاشي على أساس التناقض والصراع ، واستقطاب الأصدقاء من احرار العالم وقواه الديمقراطية التقدمية حتى نكون قادرين على توسيع شبكة تحالفاتنا مع جماهير تلك القوى حتى تؤثر هي في سياسات حكوماتها وتحديدا الاوروبية منها ، والتقدم نحو الرؤية والهدف في ظل سرعة المتغيرات السياسية الجارية التي لا تقبل شعوب العالم فيها باستدامة سكونها دون انتصار حرياتها وحقوقها الاجتماعية والاقتصادية وإشاعة العدالة لها .
وإذ تحمل اليوم الحكومة الإسرائيلية الجديدة طابعا فاشيا منفّراً للمجتمع الدولي حتى لأوساط يهودية عالمية خاصة بالولايات المتحدة ، فهي فرصة لتكثيف حملات المقاطعة وفرض العقوبات والعزلة على دولة استعمار ونظام عنصري مارق، من خلال تكثيف العمل مع تلك الشعوب وقواها الصديقة والحليفة التي تستمر اليوم في تاكيد رفضها لاستمرار إسرائيل كدولة احتلال استيطاني فوق القانون الدولي وكنظام فصل عنصري يستند الى الفوقية اليهودية ، وهي فرصة أمامنا اليوم لإعادة اعتبار الصهيونية في مساواة العنصرية من خلال قرار أممي بالتعاون مع الدول الصديقة التي شاركتنا في احياء ذكرى جريمة النكبة بالامم المتحدة ، ومتابعة التوجه السريع إلى المحاكم الدولية بل والأوروبية أيضا ضد جرائم دولة الاستعمار ومجرمي الحرب فيها وحشد التأييد الدولي للعضوية الكاملة لدولة فلسطين على حدود ٤ حزيران ١٩٦٧ كجزء من الوطن التاريخي الكامل الذي لا يملكه أحد سوى شعبنا ، وصولا إلى استكمال الاستقلال الوطني وتقرير المصير واسقاط نظام الفصل العنصري .