مسعف فلسطيني يروي واحدة من أصعب لحظاته في زمن الحرب
رحلت بين يديه.. والعجز يعتصر قلبه
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

“لقد حاولت، والله حاولت… لكن جميع محاولاتي باءت بالفشل.”
بهذه الكلمات بدأ أحمد جميل عدوان، المسعف المتطوع في الهلال الأحمر الفلسطيني، حديثه عن واحدة من أقسى اللحظات التي مر بها خلال الحرب المستمرة.
أحمد، الذي يعيش نازحًا في مخيمٍ صغير يأوي النازحين، اعتاد أن يكون أول الواصلين عند كل نداء استغاثة، يحمل حقيبته الطبية وينطلق لإنقاذ الأرواح وسط الركام والدخان، حتى خارج أوقات دوامه الرسمي، بروح مبادرة لا تعرف التردد.
لكن هذا اليوم كان مختلفًا
صوت النداء على باب خيمته كان أكثر إلحاحًا من المعتاد:
“أحمد تعال بسرعة!”
خرج مسرعًا، أمسك بحقيبته، وركض نحو مكان الحادث. هناك، وجد سيدة في الـ38 من عمرها، بدأت علامات الحياة تتلاشى من وجهها، نبضها يضعف، وأنفاسها تختفي تدريجيًا.
دون تردد، بدأ أحمد محاولات الإنعاش القلبي والرئوي (CPR)، كما اعتاد أن يفعل في مئات الحالات خلال هذه الحرب القاسية. كان يعرف كيف يعيد القلب إلى النبض، ويمنح الجسد فرصة للحياة من جديد. لكن هذه المرة، تجمدت يداه، وبدا وكأن كل خبرته وكل محاولاته تصطدم بجدار الصمت.
نصف ساعة كاملة من الإنعاش، وسط تأخر وصول سيارة الإسعاف نتيجة القصف العنيف على خان يونس… حتى فارقت السيدة الحياة.
يقول أحمد:
“خانتني نفسي وعيناي. بكيت مع والدتها وأطفالها الخمسة، كانوا يشدون في ملابسي ويصرخون: ‘أمانة الله يا أحمد، اعمل شيء!’ ولم يكن بيدي أي شيء. فقط دموعي، وعجزٌ ثقيل كجدار الركام.”
قصة أحمد ليست مجرد مشهد إنساني، بل شهادة حية على قسوة الحياة تحت الحصار والقصف، حين يُطلب من الأحياء أن يكونوا أطباء، وأبطالًا، وحتى معجزات… في زمنٍ لا يمنح فرصة للنجاة.
وفي سياق هذا الألم، ومن باب توثيق النبض الإنساني الذي يعيشه المسعفون في غزة، نستذكر قصة أخرى كتبها أحمد بنفسه، لكنها تختلف عن الحكاية السابقة في تفاصيلها ومضمونها.
ففي نص منفصل، خطّ أحمد كلمات وداع مؤثرة لزملائه من طواقم الإسعاف، الذين ارتقوا مؤخرًا في رفح إثر استهداف مباشر من قوات الاحتلال، رغم ارتدائهم الزي الطبي، وأدائهم مهامهم الإنسانية.
كتب أحمد عنهم كرفاق درب، كانوا يسابقون الموت لإنقاذ الآخرين، قبل أن يُدفنوا تحت الأنقاض بدم بارد، دون أن يُمنحوا حتى فرصة النجاة.
لقد أردنا في “حكايا في زمن الحرب” أن نضمّ هذه الشهادة الثانية كإضاءة داعمة تسلط الضوء على حجم المخاطر التي تحيط بالعاملين في القطاع الإنساني في غزة، والذين دفع كثير منهم حياته ثمنًا لأداء واجبه، في انتهاكٍ صارخ لكل الأعراف والقوانين الدولية التي تُجرّم استهداف الطواقم الطبية وتعتبره جريمة حرب.