مصر: اكتشاف أثري جديد يعود للقرنين السادس والسابع الميلادي

في ظل الجهود المتواصلة للحفاظ على التراث المصري القديم واستكشاف أسراره، أعلنت مصر عن كشف أثري جديد ومهم يُضاف إلى سجلها الزاخر بالاكتشافات. فقد تمكنت بعثة أثرية مصرية من الكشف عن مبنى أثري يعود تاريخه إلى الفترة بين القرنين السادس والسابع الميلادي في منطقة منقباد بمحافظة أسيوط، وهو ما يُعد إنجازًا جديدًا يُسلّط الضوء على حقبة مميزة من التاريخ المصري ذات الطابع القبطي الغني بالفن والرمزية الروحية.
الكشف الجديد تم على يد بعثة تابعة للمجلس الأعلى للآثار، في إطار توجيهات وزير السياحة والآثار شريف فتحي، بتقديم الدعم الكامل لأعمال الحفائر. ووفقًا للدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس، فإن المبنى المُكتشف بُني من الطوب اللبن ويُغطيه طبقة من الملاط الأبيض، ويتكون من مستويين احتويا على عدد من الجداريات المهمة، بعضها يتميز بطابع رمزي عميق في الفن القبطي.
من أبرز ما عُثر عليه جدارية تُظهر تكرارًا لرمز العين، تتوسطها وجه يُعتقد أنه يرمز إلى “البصيرة الروحية الداخلية” – وهي فكرة محورية في الفن القبطي تعكس إدراكًا أعمق لما وراء الواقع المادي. وتدل هذه الرمزية على الحكمة واليقظة الروحية، خاصة في سياق الحياة الرهبانية أو الرعوية في ذلك العصر، ما يُعزز فهمنا للفكر الديني والفني السائد في مصر القبطية.
كما ضمّ الكشف جدارية أخرى ذات بُعد ديني واضح، حيث يُظهر وجه رجل يحمل طفلًا صغيرًا، يُرجّح أن يكون يوسف النجار وهو يحمل السيد المسيح، بينما يظهر على جانبي المشهد تلاميذ السيد المسيح مع كتابات قبطية مجاورة. هذا المشهد الفني النادر يُمثل عنصرًا مهمًا في توثيق تصوير الشخصيات الدينية في الفن القبطي، ويعكس أيضًا دقة التعبير الفني واللاهوتي في تلك الحقبة.
يُعد هذا الاكتشاف إضافة نوعية للمشهد الأثري والديني في مصر، إذ يلقي الضوء على تطور العمارة والفن القبطي في صعيد مصر خلال فترة حرجة من التحول الثقافي والديني. كما أن هذه الاكتشافات تُساهم في تعزيز فهمنا لأسلوب الحياة الرعوية والفكر الديني الذي ساد آنذاك، ما يُمكّن الباحثين من بناء صورة أشمل للمجتمع القبطي المبكر.
ويُؤكد هذا الكشف أن مصر ما تزال أرضًا خصبة لاكتشاف الكنوز الأثرية التي لم تكشف بعد عن أسرارها، لا سيما في مناطق بعيدة عن المسارات السياحية التقليدية. وهو ما يجعل من منطقة منقباد موقعًا واعدًا لمزيد من الأبحاث والتنقيبات خلال الفترة المقبلة.
إن اكتشاف هذا المبنى وما يحمله من رموز دينية وفنية لا يُعد فقط إنجازًا أثريًا، بل هو نافذة مفتوحة على الماضي الروحي والفكري لمصر، تُذكّر العالم بعمق الحضارة المصرية وتنوّعها عبر العصور.