مصطفى ثريا.. صاحب العدسة التي رفضت أن تُغمض
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

مصطفى ثريا .. أقمار الصحافة إعداد: آمنة غنام
لم يعد مُستغربًا حين تذيع الأخبار ارتقاء صُنّاعها وحين تنعي الصورة ملتقطها، ففي غزة الحقيقة والموت متلازمان وكل صحفي يدفع ضريبة هذه الحقيقة، فمصطفى ثريا الذي كان يرى دائمًا غزة الجميلة بعين عدسته، ودعها وهو ينزف على طرقاتها.
ولد المصور الصحفي الشهيد مصطفى سعيد ثريا في الثالث والعشرين من أكتوبر عام 1994 ، في مدينة غزة ، أكمل ثريا تعليمه الجامعي من كليّة الإعلام، تزوج مصطفى وأنجب ثلاث بناتٍ _ جنان، سوار، وماسة_ سيكبرن دون والدهن، لأن حياته كانت ثمنًا لنقل حقيقة الإبادة في قطاع غزة .
عمل مصطفى في عدد من وسائل الإعلام الفلسطينيّة، كما عمل لدى وكالة الصّحافة الفرنسيّة منذ عام 2019، وعُرفَ كصحفيٍّ متعاون مع قناة الجزيرة منذ اندلاع حرب غزة.
إلى جانب ذلك خصص الشهيد مصطفى ثريا حسابه الرسمي في تطبيق “إنستغرام”، حيث يتابعه عليه نحو 266 ألف شخص، ليكون نافذة على الدمار الذي يحدث في قطاع غزة وشعبها منذ السابع من أكتوبر الماضي على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي.
في نهاية عام 2023 أطل مصطفى على متابعيه على منصات التواصل الاجتماعي يتمنى أن يحمل عام 2024 نهاية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة حيث قال : “امنتي لسنة 2024 إنها تيجي السنة الجديدة وإحنا مخلصين من هاي الحرب ونرجع نجتمع مع أهلنا وأحبابنا”، ليرتقِ بعد هذه الرسالة بأسبوعٍ واحدٍ فقط ..
صاحب العدسة الجميلة
كان يطلق عليه النشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي صاحب أجمل صور وفيديوهات جوية لغزة قبل الحرب وصاحب عدسة جميلة تعكس كم كانت غزة موطنًا للجمال، واعتبروه صوتًا للشعب الفلسطيني على منصات التواصل الاجتماعي، حيث حرص على توثيق كل التفاصيل الإنسانية للضحايا والمتضررين في غزة.
فيما عبر نشطاء دوليون عن حزنهم واستنكارهم لجريمة اغتياله. مشيدين بشجاعته واحترافه في التغطية الإعلامية، واعتبروه مثالًا للشباب الصحفي الذي يواجه المخاطر لنقل الحقيقة.
“بابا..ليش رحت”
لم تكن تعلم صغيرته ” سوار” أن والدها لن يسمع رثائها وسؤالها عن رحيله وتركها وشقيقتيّها مرغمًا. ففي رسالة صوتية سجلتها تلك الصغيرة ظنًا أنه قد يسمعها تسأله بصوت باكي “بابا ليش رحت عند اليهود طخوك .. انا اشتقتلك “ .
ولأن الشهادة قدر فكان والدته مؤمنةً تمامًا أن الله اصطفى نجلها مصطفى ليرتحل شهيدًا مؤديًا لرسالته. حيث قالت وهي تحمل جثمانه ليوارى الثرى:. “رضيت بما قسمته لي يا الله، اللهمّ تقبله مع الشهداء واجعله في عليين مع الأنبياء والصّالحين”.
أما زوجته التي أُثقِل قلبها حزيناً برحيله، فمسؤولية ثلاث طفلات في زمن ترزح فيه غزة كلها تحت فاجعة الألم والفقد. لن يكون سهلًا عليها، فكل من حولها بحاجة للمواساة، وهي تعيش ألمًا بالجملة فقد استشهد زوجها. كما استشهد والدها وشقيقها وثلة من عائلتها.
ختام المسيرة
في السابع من يناير 2024 انطلق الشهيدان مصطفى ثريا وحمزة الدحدوح لتغطية الأحداث في جنوب القطاع. لم يكونا يعلمان أن هذه هي المهمة الأخيرة، وأن هذه التغطية ستكون ختام مسيرة عملهما الصحفي.
حيث استهدفت مسيرة إسرائيلية السيارة التي كانا يستقلانها ثريا والدحدوح بصاروخ على الأقل. مما أدى لاستشهادهما على الفور واندلاع حريق في السيارة.
مزاعم الاحتلال وتفنيدها
وكعادته يخرج الاحتلال بمبررات واهية لا أساس لها من الصحة. ليجد مخرجًا من جرائمه متكاملة الأركان التي يرتكبها في حق الصحفي الفلسطيني. حيث ادعى جيش الاحتلال أنه استهدف سيارة ثريا والدحدوح أثناء أدائهما مهمة صحفية في رفح جنوب القطاع، بزعم أنهما “عنصران إرهابيان”.
كما ادعى أن الصحفييّن كانا يسيّران طائرات بدون طيار بطريقة شكلت خطرًا على القوات الإسرائيلية قبل وقوع الغارة التي أدت إلى استشهادهما.
من جانبها قالت صحيفة واشنطن بوست إنها حصلت على صور طائرة مسيّرة تعود للصحفي مصطفى ثريا. مؤكدة أن الصور تثير تساؤلات بشأن التبرير الإسرائيلي لقتل الصحفيين.
وأشارت الصحيفة إلى أنها أجرت مقابلات مع 14 شاهدا ومع وزملاء حمزة ومصطفى ولم تجد أي مؤشر على أن أيا منهما كان ضالعا بأي نشاط غير مرتبط بعمله الصحفي في يوم الاغتيال.
كما لفتت إلى أن صور المسيّرة لا تظهر أي جنود أو معدات عسكرية إسرائيلية رغم زعم إسرائيل استهداف “إرهابي” كان يشغل طائرة تشكل تهديدا للجيش الإسرائيلي.
وقالت إنها كلفت خبيرين بمراجعة صور أقمار صناعية التقطتها شركة “بلانيت لاب” وشركة آيرباص. في السابع من يناير/كانون الثاني قرب مكان إطلاق مسيّرة مصطفى ثريا، ولم يعثرا على أي دليل لانتشار عسكري أو نشاط مسلح في المنطقة خلال ذلك اليوم.
وأضافت أن الصحفيين حمزة ومصطفى عبرا نقاط تفتيش إسرائيلية في طريقهما إلى جنوب غزة من شمالها في الأيام الأولى من بدء الحرب على القطاع.
كما ذكرت أن حمزة الدحدوح كان قد حصل قبل استهدافه من قبل إسرائيل على موافقة لمغادرة غزة. وهو “امتياز نادر” لا يُمنح لمسلحين.
ونقلت الصحيفة عن المقررة الأممية للحق في حرية التعبير إيرين خان. قولها إنه على إسرائيل التحقيق في مقتل الصحفيين حمزة ومصطفى، وإنه لا يكفي أن تقول تل أبيب إنها اشتبهت بالصحفيين فقتلتهما.
رحيل مصطفى لم يطفئ الضوء الذي أضاءه بعدسته. بل أصبح رمزًا للصحافة الإنسانية التي تصر على نقل الحقيقة رغم كل المخاطر.






























