
خاص الخامسة للأنباء
يحيي الفلسطينيون في الحادي والعشرين من آذار من كل عام بذكرى معركة الكرامة، ويعتبر هذا اليوم يوماً مجيداً في تاريخ فلسطين والمملكة الأردنية الهاشمية؛ إذ تعد معركة الكرامة أول انتصار عربي وفلسطيني على آلة الحرب الإسرائيلية بعد هزيمة عام 1967؛ فقد تمكنت قوات المقاومة الفلسطينية وجيش الأردن الشقيق وسكان قرية الكرامة من صد هجوم شرس، شنته قوات الاحتلال الإسرائيلي على قرية الكرامة الأردنية؛ بهدف التوغل في أراضي المملكة وإبعاد خطر المقاومة الفلسطينية التي استقرت في هذه القرية، وبدأت تعد نفسها بعد نكسة عام 1967.
بداية المعركة
في هذا اليوم عام 1968م ، شنت قوات من جيش الاحتلال الإسرائيلي قوامها أربعة ألوية ووحدات مدفعية وأربعة أسراب من الطائرات القاذفة، إضافة الى طائرات عمودية؛ برفقة خمسة عشر ألف جندي، هجومًا واسع النطاق على الضفة الشرقية لنهر الأردن، في منطقة امتدت من جسر الأمير محمد (دامية) شمالاً حتى جنوبي البحر الميت. بدأت القوات الإسرائيلية هجومها عند الساعة الخامسة والنصف من صباح 21 آذار 1968 على أربعة محاور، وهي: محور العارضة، ومحور وادي شعيب، ومحور سويمة، ومحور الصافي؛ ولكن المعارك الرئيسة دارت فعلاً على المحاور الثلاثة الأولى.
ومع مواصلة الجيش الإسرائيلي تقدمه نحو بلدة الكرامة كانت آلياته تتعرض للقصف المدفعي من الجيش الأردني، وإطلاق النار من قبل الفدائيين الفلسطينيين.
ومع وصول الاحتلال للبلدة، تحولت الدبابات والآليات العسكرية إلى هدف للألغام وقذائف “آر بي جي” والأسلحة الرشاشة والأسلحة البيضاء التي بحوزة الفصائل.
الأسباب الحقيقية وراء المعركة
تختلف وتتفق سرديات المعركة من حيث أسبابها ومجرياتها ونتائجها، تبعا لسياسات وأهداف أطرافها، لكن يعد تزايد قوة الفصائل الفلسطينية، وتحول الأردن إلى نقطة انطلاق لتنفيذ عملياتها، سببا رئيسيا في تأجيج غضب العدو وجعله يفكر أبعد من القضاء على تلك الفصائل إلى احتلال أراض أردنية.
وأراد الاحتلال تلقين المقاومة الفلسطينية، والدولة الحاضنة لها، درسا لا يقل عن درس 5 يونيو/حزيران 1967، لكن الجيش الأردني التحم مع الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) ليقلب المعادلة.
وأخذت المعركة اسمها من بلدة “الكرامة” الأردنية الموجودة قرب الحدود الفلسطينية شرقي نهر الأردن، قريبا من جسر الملك حسين، وهو نقطة عبور فوق النهر الفاصل بين الأردن وفلسطين.
وبدأت إرهاصات المعركة بتزايد العمليات الفلسطينية، مع رسائل دولية بعثتها إسرائيل عبر وسطاء إلى الأردن كي يضع حدا لتحركات الفدائيين على أراضيه.
وفي 20 مارس/آذار 1968 صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي “ليفي أشكول” أمام الكنيست بالتحضيرات للهجوم ومبرراته، وجاء ذلك في وقت استدعى الأردن سفراء بريطانيا وفرنسا وروسيا، ووضعهم في صورة التصعيد الإسرائيلي، وأخبرهم أن القوات الأردنية في حالة تأهب.
مقاومة عنيفة
اصطدمت القوات الإسرائيلية الغازية بمقاومة عنيفة من الفدائيين الفلسطينيين من أبناء حركة فتح وقوات الجيش الأردني، بلغت ذروتها بعد الساعة العاشرة صباحًا؛ حيث دارت معارك بالسلاح الأبيض والأحزمة الناسفة؛ وفي الساعة الحادية عشرة والنصف طلبت إسرائيل إزاء خسائرها؛ ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي من الجنرال أودبول (كبير المراقبين الدوليين) وقف إطلاق النار، وتم انسحاب آخر جنود الاحتلال في الساعة الثامنة والنصف مساء؛ وتكبدت إسرائيل خسائر إضافية خلال انسحابها جراء القصف المدفعي الأردني وكمائن المقاومة الفلسطينية المنتشرة على كافة المحاور.
خسائر معركة الكرامة
استمرت المعركة الدامية خمس عشرة ساعة، خسر فيها الجيش الإسرائيلي مائتان وخمسين جندياً؛ إضافة إلى نحو أربعمائة وخمسين جريحًا؛ بينما إرتقى من الجانبين الفلسطيني والأردني نحو مئة وخمس وثمانين شهيداً، ونحو مئتي جريح.
شكلت هذه المواجهة العسكرية التي عرفت بـ”معركة الكرامة” أول اشتباك عسكري مباشر وجهًا لوجه بين الجيش الإسرائيلي من جهة، وقوات المقاومة الفلسطينية جنبًا إلى جنب مع الجيش الأردني من الجهة الأخرى.
ومن نتائج المعركة أيضًا هزيمة الجيش الإسرائيلي مخلفًا أعدادًا كبيرة من الآليات المدمرة والمعدات العسكرية؛ وفشل إسرائيلية في تحقيق أي من أهدافها.
“نزهة” تركت جنود الاحتلال في صدمة
في ذكريات نشرها موقع “أوريان 21” الفرنسي عام 2017، قال الدبلوماسي الإسرائيلي السابق آلون ليال (وهو أحد جنود تلك الحرب) إن المعركة صُورت للجنود على أنها “نزهة” وأن الجيش الأردني لن يقاتل إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية.
ويكشف ليال أن هدف المعركة “كان مقاتلة منظمة التحرير فقط، وأن مهمة القبض على عرفات كانت على عاتق المظليين”.
ويتابع “تم إيقاظنا نحو الساعة الرابعة صباحا ونقلنا في الحافلات إلى جسر الملك حسين أو ما يطلق عليه جسر اللنبي (نقطة عبور على نهر الأردن) وكانت حاملات الدبابات تتبعنا. تركنا الحافلات بالقرب من الجسر لنركب الدبابات وهكذا عبرنا الجسر”.
وأضاف “كان واضحا أن مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية يتحكمون في أغلب المباني على الطريق الرئيسية.. وما حدث كان مخالفا تماما لما كان منتظرا”.
وتابع “حسب معلوماتنا الأولية كان من المفروض ألا تشارك الدبابات الأردنية في القتال لكن حصيلة المعركة تركتنا جميعا في حالة صدمة.. وتحولت هذه العملية التي قدمت لنا على أنها نزهة إلى فاجعة”.
وقال “في إسرائيل بعد 50 سنة لم يعد أي كلام يدور عن هذه المعركة ولا أذكر أنه خلال السنوات الثلاثين الأخيرة قام القادة أو الأصدقاء أو المقاتلون بلقاء للتذكر أو الاحتفال بالكرامة”.
رمزية معركة الكرامة
معركة الكرامة رمز من الرموز المشتركة التي يفخر بها كل من الشعبين: الفلسطيني والأردني؛ فقد مثلت انتصار الحق والإيمان والإخلاص للقضية الفلسطينية، وأكدت أن الجندي العربي قادر على هزيمة الجيش الإسرائيلي، إن تمتع بالروح المعنوية والإعداد الجيد.
الثابت أن هذه المعركة كانت دافعاً كبيراً للشعب الفلسطيني للاستمرار في المقاومة، وشكلت نقطة تحول في الصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي؛ فتطوع آلاف الشباب الفلسطيني والعربي للانضمام إلى صفوف المقاومة الفلسطينية وحركة “فتح”؛ وانطلقت المظاهرات تستقبل الشهداء الذين ارتقوا في هذه المعركة؛ وازداد اهتمام الصحافة العالمية بالفدائيين الفلسطينين وقائدهم (الرئيس الراحل ياسر عرفات).
وفيها قال الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات: “إن معركة الكرامة شكلت نقطة انقلاب بين اليأس والأمل، ونقطة تحول في التاريخ النضالي العربي، وتأشيرة عبور القضية الفلسطينية لعمقيها العربي والدولي”.
أبرز رموز معركة الكرامة
من أبرز الشخصيات التي ارتبط اسمها بالمعركة من الطرفين:
من فلسطين:
– ياسر عرفات القائد العام لحركة فتح، ولد عام 1929 وتوفي عام 2004.
– خليل الوزير “أبو جهاد” عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وأحد قادة المعركة، ولد عام 1935 وتوفي سنة 1988.
– صلاح خلف “أبو إياد” عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وأحد قادة المعركة، ولد عام 1933 وتوفي سنة 1991.
– أحمد جبريل الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأحد قادة المعركة، ولد عام 1938 وتوفي سنة 2021.
– بهجت أبو غربية عضو قيادة الكفاح المسلح وأحد شهود المعركة، ولد عام 1916 وتوفي سنة 2012.
ومن الأردن:
– الحسين بن طلال ملك الأردن، المولود عام 1935 والمتوفى سنة 1999.
– مشهور حديثة الجازي قائد معركة الكرامة بالجيش الأردني، ولد عام 1928 وتوفي سنة 2001.
– عامر خماش رئيس أركان الجيش الأردني وقت المعركة، ولد عام 1924 وتوفي سنة 2010.
من أبرز الشخصيات الإرهابية لدى الاحتلال:
من الاحتلال الإسرائيلي:
– ليفي أشكول رئيس الوزراء الذي أعلن عن الهجوم، ولد سنة 1895 وتوفي عام 1969.
– موشيه ديان وزير الدفاع وقت وقوع المعركة، ولد سنة 1915 وتوفي عام 1981.
– حاييم بارليف رئيس الأركان وقت المعركة، ولد سنة 1924 وتوفي عام 1994.