شبكة الخامسة للأنباء - غزة

منزل الرئيس “ياسر عرفات” في غزة.. من رمزية الثورة إلى مأوى النازحين تقرير خاص إعداد: سهر دهليز
وسط الركام والخذلان بصمت العالم، تقف ذاكرة الفلسطينيين في غزة على أطلال تاريخٍ مدمَّر. لم تسلم منازل القادة، ولا رموز الثورة، من نيران الحرب الإسرائيلية، حتى بيت “الختيار” ياسر عرفات، الذي ظل شاهدًا على سنوات النضال الفلسطيني، تحوّل اليوم إلى مأوى لنازحين فقدوا كل شيء. إنه ليس مجرد بيت، بل شاهد على محاولة طمس الهوية الفلسطينية.
ومن بين ركام الحرب تتقاطع المأساة مع الذاكرة، ليقف المواطن أشرف أبو سالم على أنقاض التاريخ الفلسطيني. منزل الرئيس الراحل ياسر عرفات في غزة، الذي كان شاهدًا على حقبة من النضال والرمزية الوطنية، تحوّل اليوم إلى ملجأ لعائلته النازحة من بلدة بيت لاهيا، بعد أن دمرت آلة الحرب الإسرائيلية بيتهم وكل ما يملكون.
يقول أبو سالم: “نزحنا تحت القصف ولم نحمل معنا سوى الملابس التي كنا نرتديها. عندما وصلنا إلى المكان، كان مدمّرًا بالكامل، لكن رمزيته دفعتنا للتمسك به. أمضينا أسبوعًا في إزالة الركام ومحاولة ترميم ما تبقى، لأنه لم يعد لدينا مكان آخر نلجأ إليه.”
قسوة الحرب وطمس الهوية
ذلك المنزل، المملوك لصندوق الاستثمار الفلسطيني، لم يكن مجرد مبنى، بل مركزًا ثقافيًا ومقرًا لمؤسسة تحمل اسم “ياسر عرفات”، كانت تضم وثائق وصورًا تاريخية، وتستضيف فعاليات فكرية وثقافية.
وأكد أبو سالم أن ما جرى ليس مجرد قصف لبناء، بل فاجعة حقيقية واستهداف متعمد لأحد رموز النضال والوحدة الفلسطينية، مضيفًا: “الاحتلال يريد أن يطمس هويتنا، وهذا البيت كان بالنسبة لنا بوابة تطل على الحرية والاستقلال، وواحدًا من رموز المشروع الوطني الفلسطيني”.
من داخل الركام، يحاول أبو سالم إنقاذ ما تبقى من ذاكرةٍ أراد الاحتلال طمسها. فقد تمكّن من انتشال مقتنيات ووثائق تعود لعائلة عرفات، إضافة إلى عدد من الكتب التي نجت من القصف، كانت ضمن مكتبة ضخمة في الطابق العلوي، دُمّرت معظمها.
يقول أبو سالم: المكان لم يكن مجرد مبنى، بل مؤسسة وطنية نابضة بالحياة، احتضنت صورًا ووثائق ومحطات من تاريخ كفاحنا، وكانت مقرًا لأمسيات فكرية وأعمال بحثية… لقد كانت بمثابة منارة ثقافية تربط الإبداع الفلسطيني بروح الثورة و اليوم تحول هذا الرمز إلى ملجأ لعشرات العائلات التي فقدت كل شيء. “ما تبقى من أركانه يحتضن نازحين يبحثون عن مأوى، لكن رمزية هذا المكان لا تقدّر بثمن، فهو ذاكرة شعب، ونظام سياسي، ورؤية نحو التحرير”.
ويرى أبو سالم، أن الهجوم على منزل عرفات ليس مجرد قصف عابر، بل محاولة لاغتيال الذاكرة الوطنية، قائلاً بحرقة: الاحتلال لا يستهدف أشخاصًا فقط، بل يضرب رموزنا، ثقافتنا، وتاريخنا. ما حدث هنا هو هجوم على فلسطين نفسها، على كل ما تمثله في الوجدان والواقع.
الحاضنة الأولى للنزوح
أما زوجة أبو سالم تروي تفاصيل انتقال عائلتها إلى منزل الرئيس الراحل ياسر عرفات في غزة، بعد أن دمّرت الحرب بيتهم في بيت لاهيا بالكامل. لم يكن المنزل مجرد بناء مهجور، بل رمزًا وطنيًا تحوّل اليوم إلى مأوى لعائلة فقدت كل شيء.
“اتجهنا إلى بيت الرئيس الراحل ياسر عرفات، رحمة الله عليه، الوجهة الأولى والحاضنة الأولى للشعب الفلسطيني”، قائلة: “كان المكان مدمّرًا بنسبة 90%، لكننا حاولنا ترميم غرفة صغيرة ومدخل بسيط حتى نستطيع البقاء فيه. الحمد لله، تمكنا من العيش فيه لأكثر من شهر مع أطفالنا”.
وأضافت: “بالنسبة لنا، أبو عمار ليس فقط شخصية سياسية، بل هو رمز للوحدة الوطنية والطموح نحو الحرية والاستقلال. وعينا كأبناء لهذا الشعب على صورته وصوته، كان يمثل النظام والحلم الفلسطيني المتجذر فينا”.
وتتابع حديثها بكل ألم: “قبل أن تلتهمه الحرب، كان هذا البيت يشكّل محطة وطنية نابضة بالحياة، كان مزارًا لأبناء الروضات والمدارس والجامعات، ولأبناء التنظيمات، وملتقى للأدباء والعلماء والمثقفين. كانت الحركة فيه لا تهدأ، وكان يعبّر عن حالة أدبية وثقافية متجذّرة في التاريخ الفلسطيني”.
اليوم، بين جدرانه المتصدعة، تعيش عائلة أبو سالم كبقية آلاف العائلات النازحة، شاهدة على استهداف الاحتلال لكل ما هو رمزي وتاريخي. بيت “الختيار” لم يعد فقط ذكرى وطنية، بل أصبح شاهدًا على نكبة جديدة يعيشها الفلسطينيون يوميًا تحت القصف والنسيان.
قصف التاريخ
تعرّض منزل الرئيس الراحل ياسر عرفات في مدينة غزة لقصفٍ جوي ومدفعي خلال العملية البرية التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قبل أن تنسحب جزئيًا من المنطقة في فبراير/شباط 2024.
وقد جاءت هذه العملية في سياق حرب إبادة شاملة شنتها إسرائيل على قطاع غزة بدعم أميركي، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، واستمرت لعامين، أسفرت عن استشهاد أكثر من 68 ألف فلسطيني، وإصابة ما يزيد عن 170 ألفًا آخرين، إلى جانب تدمير واسع طال نحو 90% من البنية التحتية في القطاع، مع خسائر مبدئية تُقدَّر بنحو 70 مليار دولار.
ويُعد الرئيس الراحل ياسر عرفات (1929–2004) أحد أبرز رموز النضال الفلسطيني، ومؤسس حركة فتح، وأول رئيس للسلطة الوطنية الفلسطينية. قاد مسيرة الكفاح من أجل تحرير فلسطين لعقود، وكان صوتًا للهوية الوطنية الفلسطينية في المحافل الدولية.
حاز جائزة نوبل للسلام عام 1994 إلى جانب إسحاق رابين وشمعون بيريز بعد توقيع اتفاق أوسلو، لكنه ظل رمزًا للمقاومة والتمسك بالثوابت الوطنية حتى وفاته في 11 نوفمبر 2004.





