الرئيسيةحكايا في زمن الحرب

من تحت الركام إلى نور القرآن رحلة “أبو محسن” في مواجهة التحديات

من تحت الركام إلى نور القرآن إعداد: سهر دهليز

في قلب مدينة رفح، تحت وطأة الحصار والعدوان وتحديات الحياة اليومية يبقى يظل الأمل حاضراً في كل زاوية وفي قلب كل فلسطيني، أحمد أبو محسن هو أحد هؤلاء الذين جعلوا من الألم طاقة للعمل والبناء، متحدياً أصعب الظروف، ورغم معاناته من فقدان قدميه إثر قصف الاحتلال لمنزله، لم يثنه ذلك عن حلمه الذي أصبح واقعًا: بتحفيظ القرآن الكريم للأطفال.

في مصلى بسيط مصنوع من النايلون، يواصل أحمد ابن مدينة رفح مهمته الإنسانية النبيلة، متحديًا إعاقته ومصاعب الحياة، ليزرع الأمل في قلوب الأطفال ويمنحهم أملًا جديدًا في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها، وتحويل الألم إلى قوة تدفع للخير والعطاء، رغم التحديات التي فرضتها الحرب.

كان أحمد شاباً طموحاً يعيش حياة عادية، يطمح للعمل وتعليم الأطفال، لكن سرعان ما انقلبت الدنيا رأساً على عقب بعد تعرض منزله في مدينة رفح إلى قصف جوي إسرائيلي شرس خلال الحرب، كانت النتيجة قاسية، فقد على إثرها قدميه في ذلك الهجوم الغادر، ليعيش منذ ذلك الحين مع إعاقته، ولكنه لم يفقد عزيمته، حيث لم يكن القصف هو التحدي الوحيد الذي واجهه، بل كانت قسوة الظروف الإنسانية التي يمر بها قطاع غزة بشكل عام، بما في ذلك الحصار، الصراع، والمشاكل الاقتصادية، هي الأجواء التي كانت تصنع تحدياته اليومية.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

و يُقال في غزة، “الشجاعة لا تُقاس بعدد الأقدام”، فقد قرر أن يكون صاحب رسالة، حتى وهو في ظل هذه الظروف الصعبة، فبالرغم من إعاقته قرر أن يستكمل رسالته التي طالما حلم بها وهي أن يشارك في تحفيظ القرآن للأطفال في مدينته.
فيروي لنا أحمد قصته في مشروع تحفيظ القرآن الذي بدأ منذ عام 2014 في المسجد بمحافظة رفح، “بدأنا بمشروع التحفيظ بخمس حلقات تقريبًا، وتمكنا من تخريج أكثر من ثلاثين طالبًا حفظوا كتاب الله، كان من المفترض أن يشاركوا في مشروع “صفوة الحفاظ”، ولكن بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة توقفت جميع الخطط، حيث تعرض المسجد للقصف وتشتتنا، بعد ذلك اضطررنا للنزوح من مدينة رفح. عشت تجارب صعبة بعد إصابتي، كما استشهد عدد من الطلاب الذين كانوا يشاركون في المشروع”.

وأضاف: “بعد مرور سنة ونصف على الحرب، عدنا إلى مدينة رفح، وفي اليوم التالي لعودتنا، بدأنا في بناء هذا المصلى وأسسنا مركزًا لتحفيظ القرآن. بدأنا بعشرين طالبًا، ومن فضل الله وصلنا في شهر رمضان إلى أكثر من ثمانين طالبًا نعلمهم كتاب الله ونحفظهم”.

وتابع أحمد حديثه “رغم أنه مصلى صغيراً من النايلون إلا أنه بات المكان الذي يحتضن أمل الأطفال في تعلم القرآن الكريم و مصدر إلهام للكثيرين، حيث يلتقي فيه الأطفال للاستماع إلى دروس القرآن وتعلمه تحت إشرافي المباشر أنا ومجموعة من الزملاء”.
كان أحمد يجلس على كرسيه المتحرك، وهو يوجه الأطفال ويساعدهم على حفظ الآيات وتلاوتها، وكلما سمع من أحدهم خطأ في التلاوة، كان يصحح له برفق وعناية، لم يكن يتعامل مع إعاقته كعائق، بل كان يعتبرها دافعاً لمزيد من التفاني في عمله، فكان يقول: “لقد فقدت قدماي، ولكنني لم أفقد إرادتي ولا حلمي”.

وأضاف أحمد: “المسجد كان أفضل من هذا المصلى المصنوع من النايلون، خاصة مع تغير درجات الحرارة بين الارتفاع والانخفاض، لكن الحمد لله، الطلاب لا يزالون مُصرين على تعلم القرآن وحفظه، يأتون لاصطحابي من منزلي إلى المصلى لبدء حلقات الذكر وحفظ القرآن الكريم على عكس ما كان سابقاً قبل الحرب حيث كنت انتظرهم بالمسجد”.

وتابع قائلاً: “على الرغم من أن المصلى لا يعدو كونه خيمة صغيرة، إلا أن فرحتي تكمن في ابتسامة الأطفال الذين يتعلمون القرآن داخلها، وفي كلماتهم التي تتردد مع آيات القرآن الكريم التي حفظوها بفضل الله وبتوجيهاتنا، لقد أصبح هؤلاء الأطفال مصدر إلهام للكثيرين في رفح، حيث يشهد الجميع بتفانينا وإصرارننا في تعليم الأطفال، مع إيمانهم الراسخ بأن الحلم ممكن مهما كانت الظروف”.

ليُثبت أحمد أن بالعزيمة والإيمان يمكن أن تتجاوز كل المحن، فرغم كل ما تعرض له إلا أن ذلك لم يمنعه من مواصلة مسيرته في تعليم الأطفال كتاب الله من خلال مصلاه البسيط ليزرع في نفوسهم الأمل لتعكس قصته قوة الإنسان في مواجهة أصعب الظروف، وتُعلمنا أن التحديات لا تُعرقل الطموحات ما دام هناك إيمان وحب للرسالة الذي لا يعرف المستحيل.

من تحت الركام إلى نور القرآن رحلة “أبو محسن” في التحديات من تحت الركام إلى نور القرآن رحلة “أبو محسن” في التحديات من تحت الركام إلى نور القرآن رحلة “أبو محسن” في التحديات من تحت الركام إلى نور القرآن رحلة “أبو محسن” في التحديات من تحت الركام إلى نور القرآن رحلة “أبو محسن” في التحديات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى