شبكة الخامسة للأنباء - غزة
تقرير خاص | محمد وشاح
مع التطور التكنولوجي الكبير الذي يشهده العالم وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبح من خلالها العالم قرية صغيرة يستطيع من خلالها الشخص الوصول إلى ما شاء من المعلومات و الأشخاص بالطريقة التي يريد ، لم يعد يقتصر إستخدام هذه التكنولوجيا على التواصل والاتصال بل تعداه لتصبح حياتهم مرتبطة تماما به و الإستغناء عنها أمراً مستحيلا، ولم يعد إستخدام هذه التكنولوجيا قاصراً على المجالات النافعة بل تخطاها ليشمل المجالات التي تعود بالضرر على المواطنين وسلامة أمنهم وخصوصيتهم.
المشاكل الأسرية
لم تسلم الأسر و العلاقات العاطفية والزوجية من غزو هذه الشبكة الإفتراضية التي غيرت معالم الحياة في كافة جوانبها، مفرزة مشاكل إجتماعية كبيرة لم نكن نعرفها من قبل، وساعدت في تطويق الأسر بين جدران العزلة، وبالتالي كلٌ ينفرد على هاتفه الذكي أو جهاز الحاسوب الخاص به و يتصفح مواقع التواصل أو غارقاً في الحوارات مع رواده .
كون أن التكنولوجيا غزت حياتنا فلم يعد لدينا مفر منها، فلاشك أن لها تأثير على مجريات حياتنا وخاصة على “العلاقة الزوجية”، التي تقوم على أساس التواصل السليم، و الحوار الدائم، والوضوح والصراحة المتبادلة بين الطرفين، هنا يشار إلى أهمية تنظيم إستخدام مواقع التواصل الإجتماعي بشكل عقلاني ومعقول كي لا تصل بنا النهايات إلى تفكك العلاقات الزوجية.
و يعد موقع “فيسبوك” المتهم الأول و المسؤول عن إرتفاع نسب الطلاق العالمية، والتي كشفته أحدث الإحصائيات أن 20% من حالات الطلاق في الولايات المتحدة الأمريكية سببها الرئيسي هو موقع “فيسبوك”.
ويأتي في المرتبة الثانية “واتساب”، وفقاً لجمعية المحامين فإنه التطبيق تسبب في 40% من حالات الطلاق في إيطاليا، وذلك لسهولة الاتصال بين الرجال والنساء وارتفاع نسب خيانة الأزواج.
كما تعطي مواقع التواصل الاجتماعي مجالاً للمقارنة التي قد تدفع أحد الشريكين بالشعور باللارضا عن حياته الأسرية وبالتالي كثرة الخلافات والمشاكل إلى أن تصل إلى الإنفصال.
بيئة خصبة للإستقواء
في الوقت الذي يستخدم فيه معظم المؤثرين مواقع التواصل لرفع مستوى الوعي، إلا أن هناك شِقٌ مظلم حيث انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة السب والشتم في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع ، فأصبحت مرتعا لذوي النفوس الضعيفة ووعاء لتفريغ عقدهم وضغوطاتهم النفسية غير آبهين بما سيترتب عن ذلك من أذى نفسي لمن يقصدونه بكلامهم.
ونتساءل لماذا أصبح هذا الكم الهائل من الحقد والكره العلني يطغى على التعليقات والمنشورات العمومية؟
لعل كل هذا وذاك راجع إلى الحرية المطلقة التي تحس بها هذه الفئة ذات العقول الضيقة وهم وراء شاشاتهم بلا رقيب أو حسيب، وأيضا إعتقادهم بأن العالم الافتراضي يمتعهم بحرية تعبير غير مشروطة؛ فيمنحون أنفسهم الحق بقول كل ما يحلو لهم دون إلتزام وأدب أو تقدير لشعور من يوجهون له الكلام .
فكم مرة سمعنا من أناس قرروا أن يوقفوا نشاطهم على مواقع التواصل فقط لأنهم سئموا من قراءة التعليقات المسيئة والمحبطة بالرغم من أنهم يقدمون محتوى هادف، إلا أنهم في لحظة إحباط سمحوا لمثل هؤلاء من أن يسيطروا على تفكيرهم ويضعفوا عزيمتهم، أو كانوا يمرون بفترة صعبة في حياتهم جعلتهم غير قادرين على تحمل الكلام القاسي والشتائم المؤذية.
أرى أن هناك الكثير مما يتلذذ بأذية الأخرين والتغني بجراحهم، ويكون الهدفه الأول صوب أعينهم في الحياة هو إحباط كُل ناجحاً متألقاً، أو عله يستمتع وهو ينهال عليه بالشتائم على كل من لم يرق له، فيهاجم هذا وذاك، يحرض شخصاً على أخر، يشعل نيران الفتنة ويجلس سعيداً بما أفسد.
الإبتزاز الالكتروني
تتزايد جرائم الإبتزاز الإلكتروني في العالم وهنا نركز بشكل أوفر على فلسطين، لاسيما مع الحضور الكبير للتطور التكنولوجي الكبير وتوفر الهواتف الذكية في متناول الجميع، وقد أصبحت عمليات السطو أسهل بسبب سرقة البيانات الشخصية والنصب والاحتيال، مما جعل أساليب الابتزاز في تزايد مستمر وخطير.
وأصبحت سجلات الشرطة ممتلئة بقضايا الابتزاز، ووحدة الجرائم الإلكترونية باتت تتلقى يومياً قضايا جديدة من فئات عمرية مختلفة محورها الابتزاز الإلكتروني، في ظروف وأهداف مختلفة.
ويؤكد العقيد لؤي ارزيقات المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية”، أنه تم انجاز 1246 قضية أي أكثر من نصف قضايا الابتزاز التي تلقتها دائرة الجرائم الإلكترونية، ومنها ما تم انجازه محليا ومنه ما تم إنجازه دوليا من خلال الانتربول بنسبة وصلت إلى 11% من مجمل القضايا.
وتوضح الإحصائيات الصادرة عن الشرطة الفلسطينية إلى أنها تلقت خلال عام 2021 (358) شكوى منها 252 شكوى لذكور، و106 شكاوى لإناث، أما في عام 2020 فقد بلغت الشكاوى المقدمة 414 شكوى (الذكور 257، الإناث 157 شكوى)، بينما في عام 2019 فقد قُدمت 213 شكوى ابتزاز إلكتروني.
أما في قطاع غزة، قال حسين أبو سعدة مدير دائرة مكافحة الجريمة الإلكترونية القطاع، “أن هناك تزايد في نسبة الجرائم الالكتروني في قطاع غزة، لافتًا أنه تم تسجيل نحو 5000 قضية جرى إنجازها منذ عام 2021، 10 % منها جرائم الكترونية، و20 % جرائم ابتزاز، و70 % جرائم تشهير واختراق أنظمة”.
وأشار أبو سعدة إلى أن دائرة الجرائم الالكترونية أنجزت قضايا سرقات الكترونية وصل مجموعها 2 مليون دولار.
التأثير على الفتيات
تعدّ وسائل التواصل الاجتماعي، جزءاً لا يتجزأ من حياة الفتيات اليومية. هذا الواقع لا ينفي الخطورة التي يتعرض لها المراهقون، فالعلاقة التي تربطهم بمواقع مثل إنستغرام وفيسبوك وسناب شات وتيك توك تساهم في خلق اضطرابات نفسية تكاد تكون “غير مسبوقة”، وفقاً لموقع “سايكولوجي توداي”.
كما تعتبر مواقع التواصل الإجتماعي “سلاحا ذي حدين”، أي أنها وفي الوقت الذي تلعب فيه دورا مهما، في مجال تعبير المرأة عن رأيها، فإنها وفي كثير من الأحيان، ربما تعرضها لعمليات إساءة وابتزاز جنسي أو غزو فكري، وهو ما يبرر رفض الكثير من الأسر، أن تكون بناتها ناشطات على مواقع التواصل الإجتماعي.
من أبرز المنصات المتفشي إستعمالها عند الفئات العمرية المذكورة سابقا هو تطبيق «تيك توك» التابع لشركة صينية وينشط عليه أكثر من 800 مليون شخص حول العالم، وهذا ما يشكل خطورته حيث أن ما ينشر عليه يصبح رائجا بشكل واسع و مريب خصوصا أن التطبيق يتم استخدامه من طرف أشخاص يصنفون ضمن المتحرشين والمجرمين.
لذلك، فإن مقاطع الفيديو المعروضة والتي غالبا تمثل فتيات قاصرات وهن يرقصن أو يتمايلن على وقع ألحان أصبحت ترند بهدف خلق زيادة المشاهدة يشجع المتحرشين والمجرمين على إستخدام المقاطع للإساءة إليهن أو التحرش اللفظي بهن من خلال إرسال رسائل مسيئة و يمكن أن يصل ذلك إلى التعرض الجسدي لهن إذا تم اكتشاف مكان سكنهن أو مدارسهن في حالة الأطفال والبنات تحديداً مما يؤدي غالباً إلى إحداث أذى نفسي لهن ولعائلتهن.
كما هذا النوع من المحتويات يسعى إلى «تسليع» الصغيرات الشيء الذي يعتبر جريمة موصوفة حتى لو كان الأهل غافلون عن ذلك.
التقليد الأعمى للمشاهير
تعد ظاهرة تقليد المشاهير من أسوأ الظواهر الاجتماعية التي انتشرت في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال سعي بعض الشباب والشابات وخصوصًا فئة الصبايا والمراهقين إلى تقليد المشاهير عبر الإنترنت ومراقبة سلوكياتهم وما يرتدون من ملابس وإكسسوارات وحلي وغيرها.
حيث يعتبر كل ذلك هدم لبناء الشخصية الذاتية المستقلة التي يجب أن تتمتع بفكر وثقافة وأخلاق وكاريزما مستقلة، لا أن تكتسب من الآخرين ما يؤثر على بناء شخصيتها.
كما يقوم بعض المشاهير بالتباهي بما لديهم من مقتنيات وغير ذلك من النعم التي أنعمها الله سبحانه وتعالى عليهم مما ينعكس سلبًا على المتابعين، فهناك من هو محروم من أبسط النعم، وهناك من يسعى لتقليد هؤلاء المشاهير، فذلك يكرّس في دواخلهم الشعور الدائم بالنقص والإحباط وعدم الرضا.