ميساء جيوسي: الحروب الموازية فضاء خارج السيطرة
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
في كل يوم تطل علينا تكنلوجيا المعلومات بكل ما هو جديد ومحسن ومعدل من قدراتها التي قد لا يكون لها حدود في المستقبل، تعديلات وتحسينات وتطبيقات مختلفة في هذا المجال تدخل في كل ما يختص البشر من نواحي حياتية تبدأ بالبيع والشراء والنشاطات اليومية وتنتهي بالحروب والتدمير والتجسس والقرصنة التي تطال الأخضر واليابس. ولعل التسريبات الأخيرة التي تمت لوثائق تخص البنتاغون لن تكون الأخيرة بالرغم من خطورتها ووصفها بالمحرجة للإدارة الأمريكية، التي حاولت التقليل من شأن ما تم تسريبه وجاء على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي الذي قال بأنه “حتى الآن، لم يؤد هذا الكشف المؤسف لمواد سرية إلى خرق الثقة بين شركائنا أو في جهودنا المشتركة لتعزيز أهدافهم في جميع أنحاء العالم “. لكن هذا قد يكون فقط من باب محاولة محاصرة وتحجيم الضرر المتمثل بتعرض الولايات المتحدة الأمريكية لمثل هذا الخرق. في ذات الوقت الذي تقوم به أمريكا بمحاولة تحجيم وحظر التطبيق الصيني تيك توك الذي انتشر فيها انتشار النار في الهشيم مما استدعى الكونغرس الأمريكي لعقد جلسة استماع للرئيس التنفيذي لهذا التطبيق الصيني شو زي تشيو الذي تخشى الولايات المتحدة الأمريكية أن يكون أداة في يد الحكومة الصينية تمكنها من الوصول لبيانات مستخدميه من الأمريكيين معتبرة التطبيق تهديدا لأمنها القومي من قبل الصين. وتشترط ا لولايات المتحدة الأمريكية على الشركة المالكة لهذا التطبيق بيعه لشركة أمريكية لاستمرار استخدامه داخل الولايات المتحدة الأمريكية. من جانب آخر وبينما لا يزال جدل التيك توك قائما، تتسلل للمجتمع الأمريكي تطبيقات موازية من شركات صينية أخرى تحاول تقديم خدمات مشابهة وخصائص تضاهي تطبيق التيك توك في حال تم حظرها وتشير المصادر لأن بعض هذه التطبيقات الجديدة بدأ يلقى رواجا في المجتمع الأمريكي في حلقة تبدوا مفرغة من ملاحقة ما يتم استحداثه والترويج له بين عملاقي العالم أمريكا والصين. ولعل الحديث عن التلاعب ببيانات المستخدمين ليس بالجديد فقد جلس مؤسس فيسبوك معتذرا في جلسة استماع أمام الكونجرس تضمنت تحقيقا حول اختراق معلومات لمستخدمي هذه المنصة في العام 2018. والعديد من التسريبات ولعل من أهمها تسريبات ويكيليكس وما ترتب عليها من تعقيدات وملاحقات طالت أفرادا وحكومات.
الحروب الإلكترونية الموازية شهدناها ونشهدها في العديد من الساحات التي تخوض الدول فيها حروبا باردة على غرار تلك التي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية وأخري على جبهات الحروب التقليدية الشرسة كتلك التي بين روسيا وأوكرانيا وكيف عملت منصات التواصل الاجتماعي في بداية الحرب على حجب هذا الطرف على حساب ذك واهمها موقع فيسبوك الذي منح أوكرانيا والأوكرانيين ضوءا اخضرا لاستخدام منصته كيفما أرادوا. هذه السياسة لم تكن متبعة في ساحات وعلى جبهات أخرى مشتعلة كان من أبرزها تحيز منصة فيسبوك لإسرائيل في كل مرة تصعدت فيها الأحداث ووصلت لحد التصعيد العسكرة والعدوان على قطاع غزة حيث حظرت العديد من المنشورات للفلسطينيين بدعوى عدم تماشيها وسياسات المنصة.
واليوم في آخر التطورات التي تشهدها السودان لاحظ المراقبون للشأن السوداني بأن النزاع المسلح انتقل أيضا للفضاء الافتراضي وأصبحت المواجهات الالكترونية الموازية لتلك التي على الأرض لا تقل شراسة وضراوة ولا تخلوا من تضليل مغرض هنا ونشر لمعلومات قد تكون مضلله في كثير من الأحيان.
بالمجمل يمكن القول بأن حرب المعلومة ليست بالجديدة على الحروب والنزاعات البشرية لكن شكلها وأدواتها ومدى تأثيرها وتبعاتها لم يعد بالإمكان التنبؤ به في عالم أصبح منفتحا معلوماتيا ومتواصل ومتصل بشكل لم يسبق من قبل. فسطر يخط في بيجين يصل ملايين الأمريكيين بثوان معدودة، وقرصان محترف ينقل بلحظات آلاف الملفات من عقر دار عظمى الدول إلى فضاء إلكتروني حدوده غير معروفة بعد. والسؤال الذي قد يكون من المبكر البحث عن إجابة عليه هو كيفية التعامل مع هذا الانفتاح التكنلوجي السريع الذي لم يعد بمقدور الدول والأفراد مجاراته والإحاطة بجوانبه المختلفة وتبعاته سلبا كانت أم إيجابًا.