نتنياهو يربك الإسرائيليين والمؤسسة الأمنية.. و”الشاباك” على حافة الانقسام

شهدت إسرائيل في الأيام الأخيرة سلسلة من الفضائح الأمنية والسياسية، زادت من حالة الارتباك داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، وأثارت تساؤلات حول طريقة إدارة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للأوضاع الداخلية والخارجية.
أحدث تلك القضايا تمثلت في اعتقال “الشاباك” لضابط احتياط يُعرف بـ”أ.”، بتهمة تسريب وثائق سرية إلى وزير الشتات عميحاي شيكلي وعدد من الصحفيين، بينهم عميت سيغال وشيريت أفيتان كوهين. الوثائق المسرّبة كشفت عن تحقيقات يجريها “الشاباك” حول نشاطات متطرفة داخل الشرطة ومصلحة السجون، خصوصاً بعد صعود إيتمار بن غفير إلى وزارة الأمن القومي.
ما زاد الطين بلة هو تجاهل الشرطة للتحقيق في حادثة إطلاق نار خلال جنازة فلسطيني قُتل إثر اشتباك مع مستوطنين، رغم مناشدات قادة الجيش. ووفقًا لمصادر عسكرية، فإن تغيّر سلوك بعض القيادات الأمنية جاء بعد تعيين بن غفير، الذي يُعتقد أنه يبث توجيهات غير مباشرة تشجع على التساهل مع “الإرهاب اليهودي”.
تسريب الوثائق ليس حادثة معزولة، بل يأتي في سياق قضايا سابقة، أبرزها تسريب معلومات من مكتب نتنياهو إلى صحيفة “بيلد” الألمانية، في ما يبدو أنه استخدام متكرر للوثائق الحساسة لتحقيق مكاسب سياسية أو شخصية.
أحد أبرز المتورطين، إيلي فيلدشتاين، المتهم في أكثر من قضية، أصبح محط أنظار الجهات الأمنية، وبرز اسمه إلى جانب آري روزنفيلد، ضابط في شعبة الاستخبارات العسكرية، الذي زُعم أنه سلّم الوثائق إلى فيلدشتاين. وفي خضم ذلك، يُطرح في الكنيست “قانون فيلدشتاين”، الذي يمنح الحصانة لأي موظف أمني يسلم معلومات سرية لرئيس الحكومة أو الكابينت.
روني الشيخ، المفتش العام السابق للشرطة، لمّح في مقابلة تلفزيونية إلى أن ما يحدث هو تفكك داخلي لجهاز “الشاباك”، متهماً الحكومة بتجنيد عملاء من داخل الجهاز لتسريب وثائق، ما يشير إلى أزمة ثقة عميقة.
نتنياهو وخط الدفاع الثابت
رئيس الحكومة يتمسك بروايته بأن كل الاتهامات الموجهة له دوافعها سياسية، ويبرر إخفاقات 7 أكتوبر بالقول إنه لم يتم تنبيهه في الوقت المناسب. لكن منتقديه يرون أن نتنياهو فقد حدته السياسية في السنوات الأخيرة، وتجاهل تحذيرات الأجهزة الأمنية قبيل اندلاع الحرب، منشغلاً بالصور والبروباغندا.
نتنياهو يستمر في الدفاع عن المقربين منه رغم التورط في قضايا خطيرة؛ فوصف فيلدشتاين بـ”الوطني المتحمس”، وابنه يائير الذي يقيم بالخارج بـ”الصهيوني الحقيقي”، في حين مدح شيكلي المتهم “أ.” ونعته بـ”بطل إسرائيل”. أما والد المجندة روني إيشل، التي قتلت في هجوم 7 أكتوبر، فأكد أن البطولة الحقيقية تكمن في من ضحوا بأرواحهم، لا في الموظفين الذين خالفوا القانون.
حرب بلا نهاية واضحة
كل هذا يحدث بينما تستأنف إسرائيل عمليتها العسكرية في غزة، وسط استمرار خطر على حياة 21 رهينة لا تزال حماس تحتجزهم. وتهدف العملية الجديدة، التي أطلقها رئيس الأركان أيال زمير، للضغط على حماس ودفعها نحو صفقة تبادل أسرى.
منذ استئناف الهجوم، قُتل أكثر من 1500 فلسطيني، بحسب وزارة الصحة التابعة لحماس، فيما تشير إسرائيل إلى مقتل مئات من عناصر الحركة. لكن حماس لا تزال متمسكة بمطالبها، وأبرزها الانسحاب الكامل من غزة ووقف الحرب، في حين تبدي مرونة تكتيكية دون التنازل عن مواقفها الاستراتيجية.
بحسب مصادر استخباراتية، حماس تعتبر نفسها رابحة على المستويين التكتيكي والاستراتيجي، إذ أعادت تنظيم صفوفها خلال الهدنة، واستثمرت المساعدات الإنسانية في تمويل نشاطاتها.
الجيش في حالة ارتباك
رغم العمليات المستمرة، لا يبدو أن هناك وضوحًا في الأهداف. في إحاطة إعلامية عسكرية أخيرة، سأل الصحفيون الضباط: ما هي أهداف الحرب الآن؟ كيف سيتم تحقيق ما لم يتحقق سابقًا؟ وما مستقبل غزة في حال توقفت الحرب؟
تكرار هذه الأسئلة يعكس ارتباكاً داخلياً يشبه ما واجهته الولايات المتحدة في فيتنام. لكن الفرق الجغرافي واضح: في حين كانت فيتنام بعيدة آلاف الكيلومترات، فإن المسافة بين كيبوتس “ناحل عوز” وحي الشجاعية المدمر في غزة لا تتجاوز كيلومتراً واحداً.