واشنطن ولندن.. «علاقة حبّ من طرفين»
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

الكاتب: هاني عوكل
هذه المرة الثانية التي يزور فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب المملكة المتحدة، في أجواء استعراضية واستقبال رسمي مهيب من قبل العائلة الملكية البريطانية، في رسالة تعيد صياغة العلاقات الإستراتيجية بين البلدين.
ترامب حرص منذ البداية على زيارة بريطانيا لتحسين صورته في الداخل الأميركي وعلى الساحة الدولية، وأيضاً لمواجهة تدهور العلاقة وتآكلها مع حلفائه على خلفية فرض التعرفة الجمركية على الصادرات البريطانية والأوروبية إلى الولايات المتحدة الأميركية.
الزيارة التاريخية، بما شملته من حفاوة واستقبال حار للرئيس الأميركي، خدمت المصالح الأميركية والبريطانية ورسخت التعاون السياسي والاقتصادي المشترك بين البلدين، خصوصاً أن لندن كانت بحاجة ماسة إلى ضخ الاستثمارات في اقتصادها المتباطئ.
بالنسبة للهدف الأميركي من الزيارة، فهو يتجاوز إعادة تلميع صورة ترامب إلى قدرته على تعزيز التحالفات مع شركائه التقليديين، وكذلك فرض الهيمنة في أسواق بريطانية جديدة من البوابة الاقتصادية تشمل استثمارات بحوالى 150 مليار جنيه إسترليني تشمل قطاعات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا والطاقة المتجددة.
إضافةً إلى كل ذلك، ترى واشنطن أن لندن تشكل نافذة كبيرة لتعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي الأميركي في أوروبا، وزيادة الرغبة في اعتماد الأخيرة على أميركا، خصوصاً في الطاقة التقليدية والمتجددة وفتح أبوابها للاستثمارات الأميركية.
على الجانب الآخر، نلحظ أن بريطانيا معنية أكثر بالزيارة الترامبية لأهداف كثيرة، من بينها الرغبة في دعم اقتصادها المتعثر عبر ضخ الاستثمارات الدولية وتوليد وظائف وفرص عمل جديدة في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا.
ناهيك عن كون الزيارة تشكل عامل قوة وإسناد للمملكة المتحدة وفرصة لإظهار دورها كلاعب أساسي في العالم، والأهم قدرتها على التعامل مع ملفات صعبة وحساسة مثل ملف الحرب الروسية – الأوكرانية، والموقف من إيران، والهجرة غير الشرعية.
مع ذلك، لم تصفق أو ترحب كل بريطانيا لزيارة ترامب التاريخية، إذ خرجت العديد من التظاهرات الاحتجاجية في العاصمة البريطانية ترفض الهيمنة الأميركية على بريطانيا، وتحتج على سياسات الأولى في التعرفة الجمركية، وموقفها من حربَي غزة وأوكرانيا.
كذلك حاول رئيس الوزراء البريطاني العمالي، كير ستارمر، مسك العصا من المنتصف، حتى يخفف من وطأة الاحتجاجات وتهدئة معارضيه، حين ألمح إلى الخلاف مع واشنطن بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية ونية بلاده فعل ذلك.
في السابق، كان الموقف البريطاني يتماهى بشكل كبير مع نظيره الأميركي بشأن مبدأ حل الدولتين، لكن الخطاب البريطاني الرسمي تغيّر بعد حرب غزة، وبدا أن ترامب غير قادر على إعادة المسار البريطاني خلف القاطرة الأميركية الرافضة للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة.
وهناك خلاف بين البلدين حول الحرب في أوكرانيا، إذ ترغب واشنطن أن تتخذ لندن موقفاً أكثر صرامة في تصعيد المواجهة مع روسيا وتحمل أعباء مادية وعسكرية لتمويل الحرب ودعم كييف، وفي المقابل تجد بريطانيا أن نهاية الحرب أفضل خيار لتجنب مواجهة مباشرة في حرب واسعة بالقارة الأوروبية.
أيضاً برز ملف الهجرة واحداً من القضايا الخلافية التي دفعت الرئيس الأميركي إلى الضغط على لندن لاستخدام الجيش للحد من الهجرة غير الشرعية، واتخاذ سياسات أكثر تشدداً ضد اللاجئين، في حين تتبنى حكومة لندن مقاربة أكثر حذراً، وتأخذ بعين الاعتبار الحساسيات السياسية والداخلية.
ملف الطاقة والمناخ حظي هو الآخر بنقاش صاخب وخلاف حول الأولويات، بين موقف بريطاني يتبنى خططاً لخفض الانبعاثات وتحقيق أهداف بيئية في غضون عشرة أعوام، وبين موقف ترامب المشكك في اتفاقيات المناخ والمُركّز على الطاقة التقليدية.
النتيجة أن الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للودّ قضية، ومهما تباعدت الآراء بين البلدين، إلا أن العلاقات الإستراتيجية تبقى في الأولوية، والملك تشارلز الثالث أشاد بنفسه، خلال استقباله ترامب وعقيلته في قلعة وندسور، بخصوصية وعراقة العلاقة بين لندن وواشنطن منذ استقلال الأخيرة عن الأولى قبل نحو 250 عاماً.
من المنظور الأوروبي والأميركي، تبقى واشنطن الملاذ والحصن المنيع للمخاطر الإستراتيجية التي تهدد وروبا من جهة روسيا في قلب أوروبا أو من جهة الصين في شرق آسيا. الولايات المتحدة الأميركية تلعب على هذا الوتر وتخوّف أوروبا بفزاعة موسكو وبكين حتى تظل أوروبا في حجرها.
لا تزال بريطانيا وخلفها أوروبا بعيدة عن نهج الاستقلال عن أميركا، فهي بحاجة إلى حماية من دولة عظمى بحجم الولايات المتحدة، وقد أثبتت حرب روسيا على أوكرانيا أن كل أوروبا غير محصنة وغير مستعدة لمواجهة مع الدب الروسي، والأنسب أن تظل حتى إشعار آخر تحت المظلة الأميركية.