وضع الشفافية الإدارية في المواثيق والقضاء الدولي وفي مصر
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

كتب: د. عادل عامر:
تهتم كافة دول العالم بمكافحة الفساد منذ عقدين تقريبا ونتيجة لإبرام العديد من الاتفاقيات الدولية وتأثر العديد من دول العالم بأضراره التي تؤدى إلى تدهور المجتمعات من النواحي الإدارية والاقتصادية والسياسية، لما يمثله الفساد من انتهاك للقانون والخروج على القيم والقواعد الأخلاقية السليمة للمجتمع، وينقسم الفساد في أي مجتمع إلى فساد الحاجة Corruption of Need، وفساد الجشع Corruption of Greed، وتحت هاتين الصورين تظهر اشكال عديدة للفساد ومتنوعة منها الرشوة والمحسوبية والابتزاز والاكراه والاختلاس والتواطؤ علاوة على المحاباة أو التمييز وما يتضمنه ذلك من تهاون في تطبيق معايير الكفاءة واستبدال المعايير الموضوعية بمعايير شخصية.
يعتبر الفساد وغياب الشفافية والنزاهة الإدارية ظاهرة متعددة الأوجه ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية، ويتعارض ويصطدم الفساد بعدد من المفاهيم منها الشفافية الإدارية:” التي يقصد بها توافر المعلومات التي تتعلق بالسياسات والنظم والقوانين والقرارات واللوائح لكافة المواطنين”، بالإضافة إلى المساءلة والتي يقصد بها:” مسئولية الموظفين عما يقترفونه من أعمال بالمخالفة للقوانين واللوائح والقرارات الإدارية”؛ ونظرا لأنه من مظاهر التخلف الإداري في الوطن العربي بشكل عام ما يتعلق بالشفافية في وجود نقص شديد في الإحصاءات والمعلومات حول النشاط الإداري للدولة.
تتسابق الدول في إصدار قوانين تنظيم تدفق المعلومات حيث أصدرت ما لا يقل عن 86 دولة من دول العالم قوانين تنظم حرية تداول المعلومات؛ إلى ثلاثة أسباب: السبب الأول: ارتفاع المطالب بالديمقراطية التشاركية حيث أن الشعوب لم تعد تكتفي بتقبل الحكم الصادر من الأعلى، السبب الثاني: التكنولوجيا التي جعلت المعلومات أقرب بكثير مقارنة بحالها في الماضي، السبب الثالث: العولمة التي تزيد باستمرار من وعي الأشخاص بأوضاع غيرهم ممن يعيشون في مناطق آخري من العالم، مما يجعلهم يسعون لأن يتمتعوا بما يتمتعون به من حقوق
وسنحاول أن نوضح فيما يلي التنظيم القانوني للشفافية الإدارية في المواثيق والاتفاقيات الدولية وفي تطبيقات القضاء الدولي وفي مصر.
التنظيم القانوني للشفافية الإدارية في ظل الاتفاقيات والمواثيق الدولية: بدأت تظهر فكرة الشفافية الإدارية والحق في الحصول على المعلومة بداية من الدورة الأولي للأمم المتحدة عام 1946 عندما صدر القرار رقم (59/ 1) لينص على أنه: “لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة.
وعلى الرغم من أن فكرة حرية تداول المعلومات٬ كما هي مفهومة في الوقت الراهن٬ لم يكن قد تم الاعتراف بها ً في وقت إقرار الإعلان العالمي والعهد الدولي٬ أدت التطورات اللاحقة إلى الاعتراف بهذا الحق باعتباره متضمنا صياغة الضمانات الدولية للحق في حرية التعبير٬ وعلى وجه التحديد الحق في “استقاء” و”تلقي” المعلومات والأفكار، وقد أبرز مقرر الأمم المتحدة الخاص لحرية الرأي والتعبير توضيح نطاق الحق في حرية التعبير بموجب القانون الدولي. ففي تقريره السنوي لعام ٬1998 ذكر المقرر الخاص: “إن الحق في ً استقاء المعلومات وتلقيها ونقلها يفرض التزامًا إيجابيا على الدول لضمان الوصول إلى المعلومات٬ وخاصة فيما يتعلق بالمعلومات التي تحتفظ بها الحكومة بجميع أنواع التخزين ونظم الاسترجاع”، فالحق في الحصول على المعلومات التي تحتفظ بها السلطات العامة هو حق أساسي من حقوق الإنسان ينبغي أن يدخل حيز التنفيذ على المستوى الوطني من خلال التشريع الشامل (على سبيل المثال قوانين حرية الإعلام)، و على أساس مبدأ الكشف لأقصى٬ مما يؤسس الافتراض أن جميع المعلومات يمكن الحصول عليها ما عدا نطاق ضيق من الاستثناءات
وقد وافقت اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان على، إعلان البلدان الأمريكية لمبادئ حرية التعبير وهي الوثيقة الرسمية الأشمل حتى الأن في مجال حرية التعبير في منطقة البلدان الأمريكية والتي تعترف صراحة بحرية تداول المعلومات فنصت في الفقرة الرابعة منها على أن: ” يشكل الحصول على المعلومات التي تحتفظ بها الدولة حقًا أساسيًا لكل فرد، وتلتزم الدولة بضمان الممارسة الكاملة لهذا الحق ويسمح هذا المبدأ فقط بقيود استثنائية يجب أن يحددها القانون مسبقاً.
– العلاقة بين الفساد والشفافية هي علاقة عكسية، فكلما زاد الفساد قلت الشفافية، وكلما زادت معايير الشفافية في العمل الإداري قلت نسبة الفساد، فهناك علاقة عضوية بين المحاسبة والشفافية، فالشفافية لا يمكن أن تكون هدفًا بحد ذاته وإنما هي وسيلة من الوسائل التي تساعد في عملية المساءلة والمحاسبة، كما أن المساءلة والمحاسبة لا يمكن أن تتم بصورة مناسبة وفاعلة دون ممارسة الشفافية.
– تأتي الإدارة بالشفافية كأحد أهم أركان مقومات ومحاور نجاح التنمية المستدامة، لأنها توفر العمل في بيئة تتسم بالشفافية التامة فتؤدي إلى جودة الأداء البشري والمؤسسي وبالتالي المصداقية الإفصاح الوضوح المشاركة الشفافية.
– تحارب الشفافية الفساد بكافة صوره وأشكاله، حيث أن شفافية التشريعات وعدم قابليتها للتأويل يساعد في منع الانحراف، ويحد من إمكانية اختراقها، كما أن شفافية التشريعات تساعد في إزالة المعوقات، وتبسيط الإجراءات، الأمر الذي يمكِّن من زيادة الكفاية والفعالية.
– تساعد الشفافية في العمل الإداري جهة الإدارة في تكوين قاعدة بيانات ومعلومات تكون بمثابة ذاكرة ومرجع لها يضمن خلاصة تجارب سابقة تستطيع من خلال الرجوع إليها للوصول إلى أفضل الحلول لما يواجهها من مواقف مما يحقق للإدارة أهدافها بسهولة ويسر وفاعلية.